تجاذبات بين موسكو وواشنطن حول جيش الإسلام وأحرار الشام

كتب المحرر السياسي

شهدت التصريحات المتقلّبة لواشنطن حول الموقف في حلب وجوارها، مقابل التشدّد الروسي بإضافة جيش الإسلام وأحرار الشام على لائحة الإرهاب، وإلزام جماعة الرياض بإخراجهما، بالتالي من أي تركيبة وفد تفاوضي، دليلاً على الرفض الأميركي لهذا الموقف الروسي المنطلق من وقائع انسحاب وفد جماعة الرياض من جنيف بلا مبرر منطقي، خصوصاً مع التمسك الأميركي بالحديث عن حتمية الحل السياسي واعتبار أي مقاطعة للمحادثات بمثابة خروج منها، وموسكو التي راقبت ميدانياً التزامن بين الانسحاب من جنيف والتصعيد في حلب وجوارها، وراقبت الصلة بين التصريحات النارية لقادة جيش الإسلام وأحرار الشام والتصعيد العسكري، سألت واشنطن ماذا لو كان المنسحب هو وفد الحكومة السورية، واعتبرت الجواب الأميركي العسكري عن اعتبار معارك حلب مع جبهة النصرة التي لا تشملها أحكام الهدنة، موقفاً جيداً، لكنه غير كافٍ لصياغة تفاهم يعيد إحياء محادثات جنيف ويمنع المزيد من التضعضع في الهدنة وفقاً لمصادر إعلامية روسية فسرت الكلام الصادر عن الخارجية الأميركية عن دعوة موسكو للضغط على الحكومة السورية لتخفيض التوتر في حلب وجوارها، بعد كلام الناطق الرسمي باسم قوات التحالف التي تقودها واشنطن ستيف وارن عن مسؤولية النصرة في حلب وليس جماعات المعارضة، معتبرة الكلام الأميركي الجديد بمثابة الردّ على الإصرار الروسي على صياغة متكاملة لقواعد الهدنة والمحادثات تضمن عدم الوقوع في انتكاسة جديدة، تتضمن حسم أمر جيش الإسلام وأحرار الشام، وتعيد تركيب الوفد المفاوض باسم المعارضة بإضافة الفصائل المستثناة وفي طليعتها لجان الحماية الكردية.

تقول المصادر الإعلامية الروسية إنه لا بد من التساؤل عن صلة كل ذلك بالتصعيد الذي شهدته حلب يوم أمس، والذي تمثل بقصف وحشي للعديد من الأحياء التي يسيطر عليها الجيش السوري، وتنظيم حملة إعلامية معاكسة عن اتهامات بالقتل العشوائي للجيش لسكان الأحياء التي تسيطر عليها النصرة، وفقاً للناطق الأميركي أول أمس، وتسيطر عليها المعارضة وفقاً للخارجية الأميركية أمس، وتتساءل المصادر، أليس منطقياً التوقف أمام الربط الزمني بين هذا التصعيد الذي تقوده الدولة الإقليمية التي تملك الآلة الإعلامية المواكبة للحرب، والدولة الإقليمية التي تملك التواصل الحدودي القادر على توفير الإمداد العسكري للجماعات المسلحة وفي طليعتها جبهة النصرة؟

حلب التي كانت تحترق يوم أمس، بنيران سعودية تركية تتطلع إلى الجيش السوري لوضع روزنامة خلاصها، بينما تشهد جبهات القتال تصاعداً ينبئ بدنو ساعة مواجهة حاسمة على العديد من محاور المدينة والريف.

التصعيد في حلب تزامن مع جرعات تفاؤل يمنية، نقلتها التقارير الآتية من الكويت التي تحدثت عن النجاح بصياغة مسودة تفاهم يتضمن بدء أعمال ثلاث لجان تتولى إحداها تثبيت الهدنة ورعاية وتسهيل أعمال الإغاثة، وتقوم الثانية بدراسة الوضع العسكري في المدن وبالتوازي دراسة وضع الجيش ووحداته المؤهلة لتسلم المدن اليمنية تباعاً، بينما تقوم اللجنة الثالثة بصياغة قواعد تشكيل حكومة يمنية موحدة تقود العملية السياسية نخو صياغة دستور جديد والذهاب لانتخابات نيابية ورئاسية على أساسه خلال عام من توقيع الاتفاق.

الترابط بين اليمن وسوريا، والسعي السعودي للتغطية على الفشل اليمني لحريق سوري كبير، والسعي التركي لتهجير أكبر عدد من سكان شمال سوريا لامتلاك ورقة ضغط بوجه الاتحاد الأوروبي تضمن المزيد من الأموال وتساهم في تسريع القبول بإلغاء التأشيرة أمام الأتراك في ظل تعقيدات تتصل بالمطالب الأوروبية من تركيا لمواءمة أوضاع الحريات وحقوق الإنسان مع المعايير الأوروبية، لتتشكل عناصر تعاون سعودي تركي، لا تقوم على حساب ربح الحرب، بل جعلها مكلفة على السوريين دولة وشعباً، طالما أن بعض السوريين قد وضع قراره بيد أنقرة والرياض لتحقيق مصالحهما بدماء سورية.

لبنانياً، كان الحدث أمس مع غياب السياسة نسبياً، نجاح الجيش اللبناني بتنفيذ عملية نوعية استباقية في جرود عرسال ضد قيادات داعش، في ظل تواتر المعلومات عن تحضيرات لتصعيد يمكن لداعش والنصرة القيام به على جبهة البقاع مع التقهقهر اللاحق بمواقعهما في سائر الجبهات، بينما تشهد بيروت اجتماعات مالية لبنانية أميركية تتصل بالعقوبات التي تنظمها واشنطن تحت شعار التقييد على حزب الله وملاحقته مالياً ولا تنال «الفوبيا» المالية التي تخلقها حجم العناية السياسية اللازمة، في ظل تصريحات لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة تطمئن عن متانة الوضع المصرفي اللبناني.

عملية أمنية للجيش تخرق الجمود السياسي

دخلت البلاد عطلة أعياد الفصح عند الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي، وبالتالي جمدت الملفات السياسية إلى مطلع الشهر المقبل التي تبدأ باجتماع اللجان النيابية المشتركة يوم الثلاثاء المقبل للبحث في مشاريع واقتراحات القوانين التي أحالها رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى اللجان، إلا أن الأمن خرق الجمود السياسي عبر العملية النوعية التي نفّذها الجيش اللبناني فجر أمس في وادي الحصن في جرود عرسال، أدّت إلى مقتل أحد كبار إرهابيي تنظيم «داعش» نايف الشعلان ومرافقه أحمد مروة واعتقال مرافق آخر هو محمد موصلي وآخرين نقلهم الجيش إلى إحدى الثكنات.

وأشارت قيادة الجيش في بيان إلى أن «قوّة من الجيش هاجمت صباح اليوم، أمس مركزاً قيادياً لـ«داعش» في أطراف عرسال، واشتبكت مع عناصره، ما أدّى إلى مقتل كلّ من أمير «داعش» في منطقة عرسال المدعو فايز الشعلان الملقب بـ «أبو الفوز»، ومرافقه السوري أحمد مروّة، وتوقيف المسؤول الأمني لداعش في المنطقة، السوري محمد مصطفى موصلّي الملقب بـ «أبو ملهم». وقد أصيب خلال الاشتباك ثلاثة عسكريين بجروح طفيفة.

وفي تفاصيل العملية النوعية والتي وُصفت بالاستباقية أكد مصدر أمني رفيع المستوى لـ«البناء»، «أنه بعد رصد ومتابعة دقيقة لتحركات المسلحين ومواقعهم، رصدت تحركات غير عادية وسط استنفار لمسلحي التنظيم، وتبين للجيش أن مسؤولاً رفيع المستوى ومساعديه يتواجدون في أحد المواقع المتقدّمة للمسلحين، فقامت وحدة من القوة الضاربة الخاصة في الجيش، بمهاجمة الموقع الذي يقع على أطراف عرسال على الحدود اللبنانية الشرقية، واشتبكت مع عناصره بشكل مباشر، ما أدّى إلى مقتل كلّ من أمير داعش في منطقة عرسال المدعو فايز الشعلان الملقب بـ «أبو الفوز»، ومساعديه».

ويذكر «أن هؤلاء الإرهابيين قد شاركوا في قتال ضد الجيش اللبناني خلال العام 2014، ومسؤولون عن تجهيز عدد من السيارات المفخخة، والقيام بعدّة تفجيرات واستهداف مراكز الجيش ودورياته بعبوات وسيارات ودراجات مفخخة في بلدة عرسال ومحيطها وعن قتل المؤهل في قوى الأمن زاهر عز الدين».

استراتيجية الضربات الخاطفة

وقالت مصادر عسكرية لـ«البناء» إن «عملية الجيش هي عملية استباقية وهي ليست الأولى، بل حصلت عمليات مماثلة آخرها كانت منذ شهرين تقريباً»، وأوضحت «أنه كما المجموعات المسلحة تراقب بشكلٍ دائم المناطق الحدودية اللبنانية لتنفيذ اختراق في الخاصرة الرخوة كالفاكهة ورأس بعلبك، كذلك الجيش يراقب تحركات المسلحين ومواقعهم وانتشارهم على محاذاة الحدود ويملك وسائل مراقبة متطورة وبنك معلومات وعند توفر أي هدف يقوم باستهدافه كضربة استباقية قبل أن تعزز التنظيمات الإرهابية مواقعها وتستعدّ لشن هجمات ضد مراكز الجيش والقرى الحدودية».

ولفتت المصادر إلى أن «الجيش يعتمد استراتيجية الضربات الأمنية الخاطفة والسريعة والنوعية بعد التأكد من الهدف من خلال جمع معلومات استخبارية، وذلك لأن الجيش لا يستطيع تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد تنظيم داعش بسبب عدم توفر الإمكانات اللازمة لذلك وعدم التنسيق مع الجيش السوري فضلاً عن حاجته إلى الدعم الجوي في أي معركة عسكرية واسعة النطاق».

وحذّرت المصادر من تزايد أعداد تنظيم «داعش» في لبنان الذي يعيد تموضعه من مناطق في سورية إلى القلمون الشرقي هرباً من الغارات الروسية والسورية».

ضرورة التنسيق مع سورية

وشددت المصادر على «ضرورة تنسيق الجيش اللبناني مع الجيش السوري، وفقاً للاتفاق الأمني الذي انبثق عن معاهدة الأخوة والتعاون بين لبنان وسورية، فضلاً عن وجود سفير للدولة السورية في لبنان وعلاقات دبلوماسية، لذلك على الحكومة اللبنانية تغيير سياستها والتعاون مع سورية بدلاً من استمرارها بإرضاء بعض الأطراف السياسية في الداخل والخضوع للإرادة السعودية التي عاقبت لبنان والجيش بتوقيف المساعدات للجيش في وقت يقوم بدور كبير في مكافحة الإرهاب».

مقبل: لدعم الجيش في معركة الإرهاب

وفي السياق نفسه، أكد وزير الدفاع سمير مقبل من موسكو في كلمة خلال «مؤتمر الأمن الدولي» أن «لبنان هو خط الدفاع الأول في مواجهة الهجمات الإرهابية الشرسة»، لافتاً إلى أن أي «اهتزاز لصمود الجيش على الجبهات الحدودية لن يجعل دول المنطقة بمنأى عن شرور وإجرام هذا الإرهاب». ودعا مقبل إلى «تقديم الدعم للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية بالعتاد والتدريب المناسبين لتأمين مقومات هذا الصمود في معركته ضد الإرهاب، إضافة إلى تزويد هذه الأجهزة بما يتوفر من معلومات أمنية متعلقة بالإرهاب».

واشنطن تريد توسيع نفوذها في لبنان

وأشارت مصادر لـ«البناء» إلى أنه «لم يعد أمام الجيش اللبناني إلا الولايات المتحدة الأميركية للحصول على السلاح لا سيما بعد تجميد الهبات السعودية وبعد رفض بعض الأطراف الداخلية السلاح الإيراني والروسي».

وأضافت المصادر أن «الجيش اللبناني سيذهب إلى واشنطن للحصول على السلاح الذي يحتاجه»، موضحة أن «الولايات المتحدة متحمّسة لتقديم المساعدات العسكرية للجيش وستعمل على رفع نوعية سلاحها وإرسال مدربين عسكريين وذلك بهدف توسيع نفوذها على الساحة اللبنانية كما فعلت في سورية من خلال إرسال قوات من المارينز إلى دير الزور للمشاركة في مكافحة الإرهاب بعد أن رأت أن النفوذ الروسي في سورية يتصاعد فأرادت تحقيق نوع من التوازن».

وتنقل المصادر عن مسؤولين غربيين قولهم إن «لبنان أثبت أنه الأقدر على مواجهة الإرهاب، رغم إمكاناته المتواضعة، حيث كشفت أجهزته الأمنية العديد من الخلايا الإرهابية وأحبطت العديد من العمليات الإرهابية قبل حصولها واستطاع الجيش التصدي لآلاف المسلحين على الحدود وحصارهم في جرود عرسال كما تمكن من إنهاء البؤر الأمنية في جزء كبير من الحدود وفي طرابلس وباب التبانة وصيدا».

الحريري إلى تركيا

في ما عاد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من بلجيكا إلى لبنان والتي استهلها بنفي الحديث عن طرح ولاية رئيس الجمهورية لمدة سنتين، غادر رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري أمس إلى تركيا، وأعلنت مصادر مقربة منه أنه سيبحث خلال الزيارة الاستحقاق الرئاسي وضرورة ملء الفراغ الرئاسي.

سلامة: سنلتزم المراسيم التطبيقية الأميركية

على صعيد آخر، اعتبر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن «الوقائع تشير إلى أن الثقة مستمرة في القطاع المصرفي اللبناني وهناك إنجازات تمت واعترف بها لبنانياً وإقليمياً». وكشف سلامة في حديث للـ»ال بي سي»، أن «مصرف لبنان سيصدر تعميماً في الأسبوع المقبل يعلن فيه التزام لبنان تنفيذ القانون الصادر في الولايات المتحدة ويحمل المصارف مسؤولية تنفيذه ضمن المراسيم التطبيقية الصادرة عن الخزينة الأميركية». وأضاف: «سنطلب من المصارف الأسباب المبررة لإقفال الحسابات أو رفض فتحها».

وطمأن سلامة إلى أن «ما يُحكى عن إدراج لبنان على اللائحة السوداء لناحية عدم التعاون في إطار مكافحة تبييض الأموال أمر غير صحيح». وأكد أن «السرية المصرفية في لبنان باقية على عكس الاعتقادات»، مضيفاً، أنه «يجب على التصاريح المالية الآتية من الخارج عدم التصادم مع السرية المصرفية في لبنان». وقال: «نقوم بجولة في لبنان لشرح تفاصيل القوانين الجديدة ولبنان يستوفي كل الشروط والقوانين وليس مطلوباً منه أكثر مما يقدّم».

واعتبر أن «بعض الحملات ضد القطاع المصرفي لا تنجح والوقائع تشير إلى عكس ما يُشاع»، مضيفاً، أن «حجم الترابط المصرفي بين لبنان والخليج هو بين الـ 5 و 7 مليارات ولا يشكل مبادرة لمفاجآت».

وفي الإطار، يتوجه مساعد وزير الخزانة الاميركي لشؤون الإرهاب دانيال غلايزر إلى لبنان في النصف الثاني من أيار المقبل لمتابعة الإجراءات التطبيقية للقرار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى