بلديات 2016… وأد الانتخابات بحرب داحس والغبراء؟

هاني الحلبي

عبثاً يقراً المهتمّ قانون البلديات اللبناني، بتعديلاته كافة لعله يجد ما يطمئن بردع فعلي لما يحصل من حروب داحس والغبراء التي تحوّل انتخابات البلدية ابتلاء دورياً يحكّ حرب المتحدات المحلية من مدن وقرى، ما إن تلتئم قروحها وجروحها، بأفراح جامعة أو أتراح طارئة حتى تثور من جديد بحدّة أشدّ وألم أفدح.

المعضلة البلدية رباعية الأضلاع: المشكلة في القانون والمشكلة في الوظيفة السياسية للبلديات والمشكلة في سلطات الوصاية التي ليست وصايتها سوى تكريس الأفسد وتعطيل أيّ نموّ وتطوّر كحال النظام العام كله في لبنان بعد تخصيصه طائفياً، والمشكلة في المواطن المكتفي بفتات خصوصي من الترشيح أو المرشحين ولا يلتفت للبرامج النادرة ويحاسب على أساسها.

ففي القانون «البلدية هي إدارة محلية، تقوم، ضمن نطاقها، بممارسة الصلاحيات التي يخوّلها إياها القانون. تتمتع البلدية بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري في نطاق هذا القانون». قانون البلديات 1977 وتعديلاته – مادة 1 وبرعاية سلطة وصاية حكومية هي وزارة الداخلية والبلديات.

وصلاحياتها تنموية غالباً تتركز في اقتراح أو تعديل التخطيط المدني والاجتماعي والاقتصادي والإشراف على تطبيقه بالمشاركة في الترخيص لمؤسسات تنشئها أو تديرها أو ترعاها أو تشرف عليها: اقتصادية، تربوية، اجتماعية، صناعية، سياحية، حرفية، تأهيلية، رعوية، طبية وعلمية..

البلدية «دولة» تنموية مصغّرة لا حدود للفرص التي توفرها لتطوير المتحد المحلي المدني والاجتماعي، عندما يتمّ تشريكها بالقطاع الخاص والعام، وتحفيز الجهد التعاوني والمدني الشبابي، بخاصة المصرفي منه لتوفير القروض الميسّرة والمديدة التقسيط لتتمكن المؤسسات التي تنشئها أو تدعمها من النهوض.

بالبلدية يمكن أن يصبح كلّ مواطن في نطاقها منتجاً بشكل من الأشكال. الزوجة والعانس في المنزل وخارجه، المقعد والمقعدة في سريرهما، الراشد والراشدة، مَن يعرف ومَن لا يعرف فيتمّ تعليمه وتأهيله. البلدية حجة على ناسها بأنفسهم إن أحسنوا توظيفها لتنمية بلدهم وإن لم يحسنوا كان وبالاً عليهم وحكماً على تخلفهم العائلي والتعصبي والمدني والمجموعي أنهم ما زالوا إما قطيعاً مسوقاً بمنافع لا تعني حياته، وإما فسيفساء بشرية لا شخصية لها ولا إرادة فتتفتت عند أي استحقاق وتتذرّر بلا أي نتيجة تتقدّم بها إلى الأفضل.

البلدية، إنْ أحسنتم توظيفها، كانت أداة تطور وتطوير بلا حدود.

البلدية، خطة نهوض عام، إنْ أحسنتم توظيفها.

البلدية، شخصية عامة لمتحدكم، إنْ أحسنتم توظيفها.

البلدية، مصنعكم الذي يصنّع إنتاج قريتكم وأرضكم، إنْ أحسنتم توظيفها.

البلدية، مسوّق ومروّج إنتاجكم الحرفي التي تحيكه أنامل بناتكم وسيدات بيوتكم لسترة الأسرة، إن أحسنتم توظيفها.

البلدية، مسرح فنكم وفولكلوركم وذوقكم التراثي ووجهكم السياحي وحافظة هذه الروح الوطنية، إنْ أحسنتم توظيفها.

البلدية، كرامة عاملكم وفلاحكم ومسنّكم وشيخكم وأمل طفلكم ودواء مريضكم وعزاء عانسكم وأرملتكم، إنْ أحسنتم توظيفها.

البلدية، مدرستكم التي لا تبتزّكم بدم قلوبكم وأقساط جيوبكم والتي لا تقفل في أول الصيف، إنْ أحسنتم توظيفها.

البلدية، بيتكم المفتوح وصالون الشرف ووجهكم وعنوانكم الأول عندما يريد زائر أن يستدل إليكم، فدعوها تليق بما فيكم من أصالة، إنْ أحسنتم توظيفها.

فلماذا تستفيق الذات العائلية، والذات الطائفية، والذات الحزبية، وذوات الوجهاء ومفاتيح «الانتخابات» تقرأ انتحابات قبيل كل استحقاق لتفقدها وظيفتها الإصلاحية وتُلهي الناس بمسكّن الحصة الفئوية. حصة العائلة والحزب والطائفة والحيّ والجبّ من الشخصية العامة أو بمورفين التوافق بين النافذين أو القوى السياسية أو المذهبية للتجديد للفساد أو لحمايته؟

البلدية قيادة تعبير عن بلدة. قيادة عصرية منتجة فيلزمها علم، كفاءة، تخصص، إرادة عمل، روح مواطنية للتقدّم، وجدان انتماء، مواكبة العصر واستقراء حب الشخصية العامة بكلّ مكوّناتها والانتماء لها، تطوّع للعطاء وللخير العمومي، لماذا ما يهمّنا أن يكون المرشح رئيساً أو عضواً أو ابن عمنا أو جارنا ورفيقنا في الحزب، بل المهم أن يكون الصالح للمتحد كله، النظيف، العاقل، المتوازن، الوطني، المحب، المعطاء، الجلود على هموم الناس، الملحّ في مطالبهم، القدامي في التطلع والرؤيا والمنظم في الخطة والعمل!

كفى أن تغطي الأحزاب والطوائف والعائلات مرشحيها العاطلين عن العمل، المتضخّمي الفرديات، الوجهاء للصفوف الأمامية! كفى أن تتدخل القوى السياسية الطائفية في هذا الاستحقاق التنموي للتحاصص فتسمّمه بمحادلها! وتحاصصها تعطيل له وتوظيفه سياسياً ضدّ المتحد كله ومستقبله ولذلك «بلدياتنا بلواتنا»!

يترشّحون لرئاسات البلديات. ويقولون «بدنا نعمل كذا وكذا وكيت وكيت».

يغيب عن بالهم أنّ رئاسة البلدية ليست سلطنة عثمانية وليست مشيخة قبيلة! أي رئيس بلدية يدّعي ما يريد أن يفعل فردياً هو جاهل طبيعة تكوين البلدية وواجبات الرئيس ولم يكلف نفسه عناء اطلاع على تكوين بلدية وأجهزتها!

فالمادة 7 من قانون البلديات تنص على أن «يتألف جهاز البلدية من سلطة تقريرية وسلطة تنفيذية». والمادة 8 منه تنص على أن «يتولى السلطة التقريرية المجلس البلدي». والمادة 67 منه تنص على أن «يتولى السلطة التنفيذية في البلدية رئيس المجلس البلدي، وفي بلدية بيروت يتولاها المحافظ».

كيف يدّعي الرئيس أنه سيعمل؟ مَن يقرّر هو المجلس البلدي فقط والرئيس ينفذ؟ حتى الآن معظم معضلات البلديات وتعطيلها هي هنا. استثناء الرئيس للمجلس البلدي وإرادته! فيتّهمه بالتعطيل أي تعطيل إرادة الرئيس الفردية وهذا حق قانوني للمجلس كإرادة مؤسسة عامة، لأنّ الرئيس يتخطّى صلاحياته ويطلق الوعود بلا دراية فيضطر للإيفاء بها للهدر بقرارات رئاسية معلومة المقدار ولكن لا ضابط لعددها.

وفي مواجهة الخيارات السيئة التي يتورّط بها الناخبون لا يبقى أمامهم إلا الصبر حتى تستحق فرصة إعادة الثقة، حسب المادة 11 بند 5 منه تنص على أن «للمجلس البلدي، بعد ثلاثة أعوام من انتخاب الرئيس ونائبه، وفي أول جلسة يعقدها أن ينزع الثقة منهما أو من أحدهما، بالأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه، وذلك بناء على عريضة يوقعها ربع هؤلاء الأعضاء.

ما إن تدق لحظة الحقيقة لأول جرعة من الحساب، حتى تثور البلديات فقد تنقسم أو تنتفض أو تتشلّع أو تتوقف عن العمل أو تتعطل أو يعتكف أعضاؤها، فيتدخل الرعاة مجدّداً لسترة الملفات التي والصفقات التي أبرمت خلالها وحفظ ماء وجه الحزب أو السياسي أو الطائفة… ونادراً ما تمّت المحاسبة الفعلية لتكون عبرة وأمثولة!

البلديات معهد تطوير وإعداد رجال ومواطنين مدنيين وصالحين إنْ أحسنت رعايتها فعلاً، من بلدية باريس انطلق جاك شيراك، ومن بلدية طهران أتى محمود أحمدي نجاد وغيرهما كثر. والأهمّ أن يمكن أن تستفيد منها القوى الحزبية في معهد تدرج لقادتها ورجال سياستها ومرشحيها للنيابة والوزارة في علاقتهم بالشأن العام… ولكن!

في الحرب علينا إرهاباً وتكفيراً واغتصاباً وتشويهاً.. دعونا لا نحارب أنفسنا أكثر! لنتقن الانتخاب بحب وحكمة!

«مَن ولي على عددٍ من الرجال كان له عقل الكلّ» أي منكم هذا!

باحث وناشر موقع حرمون

haramoon.org/ar

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى