اللجان تبدأ بقوانين الانتخاب… ومساعٍ لتشكيل قوة ضغط موحَّدة للنسبية

كتب المحرّر السياسي

بعد أيام من التشاور والتجاذبات وضعت موسكو وواشنطن أرضية اتفاق الحدّ الأدنى لتثبيت الهدنة في سورية ومنع انهيارها، كما ورد في المواقف المعمّمة من وزارتي الخارجية الروسية والأميركية في ملخصاتهما لمحادثات الوزيرين سيرغي لافروف وجون كيري، ومن دون وضوح حجم قدرة واشنطن على إلزام حلفائها الإقليميين بالتفاهم الجديد، مع إعلان سوري روسي عن التقيّد بأحكامه، يقوم التفاهم على وضع خاص لحلب على تحييد الأماكن المدنية إلى أقصى درجة ممكنة عن نتائج الحرب التي تشكل «جبهة النصرة» محورها، ومنح واشنطن فرصة إقناع حلفائها لفصل مناطق انتشار الجماعات التي يفترض أنها شريك في الهدنة عن مناطق سيطرة «جبهة النصرة»، والإجابة عن سؤال يتصل بمدى تبنّيهم أحكام الهدنة التي تستثني «النصرة» بصفتها تنظيماً إرهابياً، وبموجب الوضع الخاص لحلب لن يسري عليها وقف النار الذي يبدأ فجر اليوم، ويفترض سريانه على جبهات ريف اللاذقية وأرياف دمشق، خصوصاً غوطتها الشرقية، إذا التزمت به الجماعات المسلحة التي كانت أبلغت غرفة حميميم انضمامها إلى أحكام الهدنة وأغلبها ممثل في جماعة الرياض ومشارك في محادثات جنيف.

لم تضع موسكو على الطاولة كلّ القضايا العالقة من تصنيف «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» على لوائح الإرهاب دون أن تتراجع عن رؤيتها أو عن مطلبها، لكنها منحت فرصة التفاهم مع واشنطن المزيد من الحظوظ والوقت عبر حصر التفاوض الراهن بتطبيق التفاهمات السابقة المنطلقة من تصنيف «النصرة» إرهاباً، ودعوتها إلى ممارسة الضغوط اللازمة على حليفيها التركي والسعودي لحسم موقفيهما من الرهان على «النصرة»، ودعوتهما لفرض أداء على الجماعات التي تحظى برعاية ودعم أنقرة والرياض ينسجم مع أحكام الهدنة.

بقدر الغموض المحيط بحجم الحركة الأميركية تجاه أنقرة والرياض ودرجة قوة الضغط، غموض في درجة التجاوب التركي السعودي، في ظلّ انخراط كامل لهما في مقتضيات حرب «النصرة»، واندماج الجماعات المدعومة منهما مع وحدات «جبهة النصرة»، بحيث سيتقرّر على نتائج ما سيجري في حلب خلال الأيام القليلة المقبلة الكثير من المترتبات السياسية الخاصة بمحادثات جنيف ومَن سيحضرها، وما إذا كانت ستوجّه دعوة جديدة لعقدها، وكذلك في ما يخصّ مكانة تركيا والسعودية في الخريطة العسكرية والسياسية السورية، طالما أنّ كلّ المؤشرات تقول إنهما اختارتا طريق حرب «النصرة» وليس التشجيع على التسوية والوقوف على ضفافها.

مشهد استجماع حلفاء تركيا والسعودية في أنقرة للقاء الرئيس التركي ورئيس حكومته وأركان جيشه، يدلّ على درجة التموضع وخيارات التصعيد، فليس صدفة أن يتجمّع في توقيت واحد رئيس جماعة الرياض السورية رياض حجاب ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ولو جيء بكلّ منهم لمناسبة، يبدو التجميع مدروساً ومقصوداً.

لبنانياً، تبدأ بعد العطلة اجتماعات اللجان النيابية المشتركة لمناقشة مشاريع واقتراحات قوانين الانتخابات النيابية، وسط منطق يعتبر الاجتماعات ملئاً للوقت الضائع بلا طائل ولا نتيجة، انطلاقاً من أنّ قانون الانتخابات شأن سياسي بامتياز وليس شأناً قانونياً تقنياً يحله النقاش، مقابل مساعٍ جدية تدعو إلى تحويل المناسبة إلى ورشة عمل وطنية للإفادة من الفرصة وما يسمّيه الوقت الضائع لاكتشاف ما هو ممكن من مشتركات في المقاربات التي يكون تباعدها نتيجة سوء فهم أو خطأ في الحسابات في كثير من الأحيان وفي هذا السياق يجهد عدد من الكتل التي تتبنّى قانون انتخاب يعتمد النسبية، إلى تشكيل فرق ضغط موحّدة تتولى تبيان المصالح الجامعة للكتل بالسير بقانون يعتمد النسبية، وتكشف بالوقائع والأرقام حجم الضمانات التي يقدّمها للجميع، خصوصاً للمتخوّفين من اعتماده.

الحريري التقى أردوغان

مع دخول البلاد في عطلة الأعياد والمراوحة التي تطغى على المشهد السياسي في ظل عجز الدولة عن حل الملفات الاقتصادية والحياتية والأمنية واقتراب مضي العام الثاني على الفراغ الرئاسي، يملأ بعض السياسيين الوقت الضائع بالتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول وإطلاق الاتهامات من بعض عواصم التآمر على سورية ضد رئيسها المنتخب من شعبه، بينما يتهمون خصمهم السياسي الداخلي الذي حمى لبنان من خطر الإرهاب بإقحام لبنان في الأزمة السورية.

الرئيس سعد الحريري الغارق في مشاكله المالية والمنشغل في معالجة أزمة تياره السياسي التي ظهّرها الاستحقاق البلدي بتعدد اللوائح الانتخابية التنافسية داخل «البيت المستقبلي»، يطلق المواقف من تركيا ضد الرئيس بشار الأسد بينما الحريّ به معالجة الأزمات التي يعاني منها الشعب اللبناني.

وتزامنت زيارة الحريري إلى تركيا مع تواجد رئيس وفد معارضة الرياض رياض حجاب ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في اسطنبول الذين التقيا رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو.

والتقى الحريري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعرض معه التطورات في لبنان والمستجدات في المنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين. وأكد الحريري أنه لم يزر موسكو وتركيا من أجل تسويق مرشح لرئاسة الجمهورية بل لشرح مخاطر الفراغ الرئاسي، وقال بعد لقائه أردوغان: «لم يفاتحني أحد بطرح انتخاب رئيس لفترة انتقالية ولا علم لي من أين أتى هذا الطرح، ودستورنا واضح بأن الولاية الرئاسية هي ست سنوات». وأشار إلى أنه بحث مع أردوغان في التدخل الإيراني السلبي في المنطقة والحاجة لمساعدة لبنان في أزمة النازحين.

الزيارة تخدم التصعيد في المنطقة

وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إن «تركيا من خلال هذه الاستقبالات تحاول أن تظهر نفسها كعنصر استقطاب لقوى إقليمية ودولة مؤثرة في أزمات المنطقة، سواء من خلال زيارة مشعل لا سيما أن تركيا تطل على الملف الفلسطيني من مشعل «الإخوان المسلمين»، ويهمها أن تبقى الحاضن الأول للمشروع الإخواني ببعده الحمساوي، أما معارضة الرياض فهي شكلاً موجودة في السعودية، لكن مضمونها في اسطنبول والإخوان المسلمين داخل ما يُسمّى الائتلاف الوطني هو المؤثر الأول».

وأضافت المصادر: «أما في ما يتعلق بزيارة الحريري، فرئيس تيار المستقبل يهمه أن يظهر في هذه اللحظة في قلب المشهد التركي في ظل زعامة تركية مؤثرة، لكن الأهم في توقيت زيارات هذه الشخصيات الثلاث أنها تأتي مع نذر تصعيدية تتحضّر المنطقة لاستقبالها تعبر عنها إرادة نسف مفاوضات جنيف بقرار من الأتراك والمجازر التي ترتكبها المجموعات المسلحة في حلب وعملية التعمية التي يقوم بها الإعلام الخليجي والفضائيات المستأجرة من هذا الإعلام على ما ترتكبه تلك المجموعات وتحميل الدولة السورية المسؤولية».

وأشارت المصادر إلى أن «حركة هذه الشخصيات إلى اسطنبول ومواقفها وبخاصة الحريري تأتي لتخدم اللحظة التصعيدية المقبلة، لكن الخطير لبنانياً أن مواقف الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط كجزءٍ من الكورس الإقليمي تحمل لبنان تبعات وأعباء وتؤكد أن قياداته سواء بتصريحاتهم أو بتوقيت زياراتهم هم جزء من اللعبة المستخدمة في لعبة التصعيد الأكبر ضمن جولة الصراعات الإقليمية التي تستعدّ المنطقة للدخول فيها».

ما حقيقة الصحوة المفاجئة؟

وكشفت أوساط سياسية لـ«البناء» أن «الولايات المتحدة الأميركية طلبت من تركيا والسعودية تحشيد القوى إلى الحد الأقصى ضد مكوّنات ودول محور المقاومة مواكبة مع الهجوم على الحكومة السورية والتمسك بمقولة لا حل مع الأسد وتفجير الوضع الأمني في سورية وعرقلة مفاوضات جنيف وهذا الذي تمّ حتى الآن».

وأشارت إلى أن «أطرافاً سياسية لبنانية وعوداً على بدء انخرطت في الخطة خاصة الحريري وجنبلاط وعادت إلى الأدوار التي حدّدت لهم مع بداية العدوان على سورية، سواء بالنبرة الإعلامية والهجوم على الدولة السورية أو بالسلوك العملي، ويندرج ذلك تحت هذا العنوان الصحوة المفاجئة للحريري وجنبلاط للهجوم على الرئيس الأسد واستدعاء الحريري إلى تركيا بصورة فورية في زيارة لا علاقة لها بالشأن السياسي اللبناني لا من قريب ولا من بعيد».

وأبدت الأوساط خشيتها من أن «تكون لزيارة الحريري صلة بالوضع الأمني اللبناني».

صراع قوانين انتخاب

نيابياً، تعقد اللجان النيابية المشتركة اجتماعاً بدعوة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الثلاثاء المقبل لدرس مشاريع واقتراحات القوانين المتعلقة بقانون الانتخابات النيابية، ومن المتوقع أن تشهد الجلسة نقاشات حادة وصراعاً حول قوانين الانتخاب بين الأطراف السياسية لن تفضي إلى نتيجة خلال شهر أيار المقبل.

وأوضحت مصادر كتلة الوفاء للمقاومة أنها لا ترفض قانون الرئيس بري الأكثري والنسبي ومنفتحة على كل الطروحات، لكنها تفضل قانون النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة، لأنه يخرج لبنان من دوامة الأزمات ويعبر عن حقيقة توجهات جميع الشرائح الشعبية وينتج شخصيات جديدة بعيدة عن الاصطفافات الطائفية والمذهبية».

وشددت المصادر على ضرورة الإسراع في دراسة القوانين والمشاريع المطروحة والتوصل إلى تفاهم حول قانون موحّد لإقراره خلال شهر أيار الحالي قبل انتهاء العقد العادي للمجلس، لأن انعقاده لاحقاً يحتاج إلى عقد استثنائي بموافقة الحكومة وإمضاء 24 وزيراً أو انتظار العقد العادي في تشرين الأول المقبل».

ولفتت إلى أن «تيار المستقبل لا يريد قانون النسبية بل يريد نسبية جزئية من خلال فرض تقسيم الدوائر، وفقاً لمصلحته ومتمسك بالقانون المختلط الذي تبناه مع القوات والاشتراكي».

العقدة بين «التيار» و«القوات»؟

وقالت مصادر في «التيار الوطني الحر» لـ«البناء» إن «التيار سيشارك في اجتماع اللجان المشتركة بذهنية منفتحة ونية مسبقة للتفاهم على قانون بين جميع الأطراف، لكنه سيطرح القانون الذي يراه مناسباً وهو تقسيم لبنان إلى 15 دائرة على قاعدة النسبية».

ولفتت إلى أن «التيار متمسك بالنسبية، لكنه لا يمانع بحث تقسيم الدوائر»، وشككت المصادر بالتوصل إلى قانون موحّد خلال شهر أيار، «لأن هذا الأمر ليس تقنياً بقدر ما هو سياسي وكل طرف يريد قانوناً وفق مصالحه السياسية والانتخابية».

وكشفت المصادر أن «النقاش مستمر مع القوات للتوصل إلى صيغة مشتركة لقانون انتخاب، لكنه لم يصل إلى نتيجة حتى الآن، والعقدة تكمن برفض القوات قانون النسبية الذي يتمسّك به التيار وتفضل القانون المختلط والدوائر الفردية».

المصارف تتقيّد باللائحة فقط

على صعيد آخر، وبعد أن أوضح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن لبنان سيلتزم بالمراسيم التطبيقية الصادرة عن الخزينة الأميركية وأن مصرف لبنان سيصدر تعميماً يلزم خلاله المصارف اللبنانية التقيد بذلك، يتوجّه مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب دانيال غلايزر إلى لبنان في النصف الثاني من أيار الحالي لمتابعة الإجراءات التطبيقية للقرار الأميركي.

وأوضح الخبير المالي والاقتصادي الدكتور غازي وزني لـ«البناء» أن «لبنان سيلتزم التزاماً كلياً بتطبيق المراسيم التطبيقية الصادرة عن الولايات المتحدة وبالتالي ستتقيد جميع المصارف اللبنانية بتعميم المصرف المركزي الذي سيصدر قريباً، موضحاً أن «المصارف ستتوقف عن التعامل مع الأشخاص والشركات الواردة في اللائحة الصادرة عن الولايات المتحدة في كل العملات وليس فقط في الدولار بل كل الحسابات المودعة باليورو والليرة اللبنانية العائدة لها».

ولفت وزني إلى أنه «لا يحق للمصارف إقفال حسابات أو وقف التعامل مع أي شخص أو شركة غير مدرجة على قائمة الأسماء والشركات، وأي عمليات مالية كبيرة تعتبر مشبوهة لا تعود لأسماء أو شركات في اللائحة سترفعها إلى هيئة التحقيق في المصرف المركزي للبت فيها».

وحزب الله لن يتأثر

وقالت مصادر مالية لـ«البناء» إلى أن «المصارف ستدقق على العمليات المالية المهمة فقط، وبالتالي لن تطال إجراءاتها رواتب نواب حزب الله»، وأوضحت أن «هذه الإجراءات لن تؤثر على الوضع الاقتصادي العام في لبنان كما لن تؤثر على حزب الله الذي لا يملك حسابات في المصارف وليس لديه عمليات مصرفية، كما لا يجري تحويلات مالية عبر المصارف من الداخل إلى الخارج وبالعكس، بل من سيتضرر هي بعض المؤسسات كالمنار وإذاعة النور التي ترتبط مباشرة بحزب الله، وبالتالي المصارف ستغلق أي حسابات مالية لهذه الشركات وحسابات موظفيها أيضاً، وبالتالي ستعمد هذه الشركات إلى تسليم رواتب موظفيها نقداً وليس عبر المصارف».

وأشارت إلى أن «هدف زيارة المسؤول الأميركي دانيال غلايزر إلى لبنان هو إبلاغ لبنان بالمراسيم التطبيقية وبلائحة الأسماء والشركات التي تطالها وضرورة الالتزام بها ومراقبة تطبيقها والاطلاع على إجراءات المصرف المركزي في هذا الشأن وطمأنة لبنان وتأكيد حرص الولايات المتحدة على استقراره الاقتصادي».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى