حلب… خلفيات خرق الهدنة وسعي واشنطن إلى إحيائها

حسن حردان

بات من الواضح أنّ الأنظار كلها تتجه إلى الميدان الحلبي حيث تدور المعركة بين قوى الإرهاب المدعومة أميركياً وتركياً وسعودياً من جهة، وبين الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة ثانية.

ويبدو جلياً أنّ واشنطن وحلفاءها خائفون وقلقون من أن يبدأ الجيش السوري وحلفاؤه الهجوم المنتظر لإطباق الحصار على الجماعات الإرهابية المسلحة في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وبالتالي إقفال كلّ طرق الإمداد المتبقية لديهم، والتي تقوم تركيا عبرها بمواصلة دعم هذه الجماعات بالسلاح والذخيرة والمال والمسلحين الذين يجري تجنيدهم وتدريبهم في الخارج وإرسالهم إلى سورية عبر الحدود التركية.

ومصدر قلق واشنطن وتركيا والسعودية من نجاح الجيش السوري في تحقيق هذا الإنجاز الميداني ينبع من أنه سيضع المسلحين أمام ثلاث خيارات أحلاها مرّ:

الخيار الأول: الفرار إلى المناطق الشمالية المحاذية للحدود مع تركيا، تجنّباً للوقوع في دائرة الحصار الخانق.

الخيار الثاني: استسلام هؤلاء المسلحين لعدم القدرة على الاستمرار في تأمين إمداداتهم من السلاح والذخيرة والغذاء تماماً كما حصل للمسلحين في بعض أحياء حمص القديمة.

الخيار الثالث: القتال اليائس حتى الموت.

وبات معلوماً أنّ هذه المعركة الفاصلة قاب قوسين أو أدنى بعد أن خرقت الجماعات المسلحة بالاتفاق مع جبهة النصرة الهدنة وشنّت هجمات عديدة في محاولة لاستعادة المناطق التي استعادها الجيش والسوري مؤخراً، وبالتالي تعديل موازين القوى، بما يمكّن واشنطن وتركيا والسعودية من تحسين الموقف التفاوض للقوى التابعة لها في مؤتمر جنيف، وفي هذا السياق يمكن تفسير أسباب رفض هذه القوى الالتزام بمقرّرات فيينا ومجلس الأمن، والتي عقد المؤتمر على أساسها، وبالتالي تعطيل محادثات جنيف لأنّ هذه القوى تدرك جيداً أنّ السير في الحلّ بناء على هذه المقرّرات سوف يؤدي إلى كشف هزالة تمثيلها في الشارع السوري لدى إجراء الانتخابات النيابية، وهو ما لا تريد الوقوع فيه، ولهذا تسعى بتحريض أميركي إلى تعطيل الحلّ المذكور، ومحاولة الرهان على تبدّل موازين القوى في الميدان لفرض حلّ بقوة الدعم الخارجي يمكنها من الاشتراك بالسلطة بوزن يتجاوز حجمها بكثير.

ولهذا فإنّ معركة حلب باتت معركة أساسية في الصراع العسكري والسياسي في آن، لأنه على ضوء نتائج المعركة في الميدان سوف تتقرّر طبيعة المسار السياسي في جنيف.

في المقابل فإنّ الجيش السوري وحلفاءه أصبحوا بحلّ من اتفاق التهدئة وقرّروا الاستعداد لاستكمال معركة حلب التي توقفت في أعقاب التهدئة، وبالتالي وضع حدّ لمناورات الجماعات المسلحة ومحاولاتها عبر جبهة النصرة تغيير موازين القوى لمصلحتها، بعد الدعم العسكري بالسلاح والمسلحين، الذي تلقته من تركيا وبإيعاز من أميركا، وبالتالي وضع نهاية لابتزاز واشنطن الذي مارسته من خلال دفع الفريق التابع لها في جنيف إلى التعنّت في موافقة ورفع سقف الشروط، ورفض الفصل بين جبهة النصرة والجماعات المسلحة الأخرى التي ادّعت موافقتها على وقف العمليات العسكرية.

انطلاقاً من ذلك فإنّ واشنطن تحاول الضغط لإحياء اتفاق التهدئة في حلب لقطع الطريق على هجوم الجيش السوري لإطباق الحصار على أحياء حلب الشرقية.

وفي المقابل فإنّ سورية وحلفاءها، ولا سيما روسيا، يسعون إلى التصدّي لهجمات المسلحين والابتزاز الأميركي عبر ربط أيّ تهدئة جديدة، بالفصل بين الجماعات المسلحة وجبهة النصرة التي اتفق على تصنيفها مع داعش منظمة إرهابية، وبالتالي رفع الغطاء عن كلّ من يرفض الانسحاب من مناطق سيطرة النصرة، وتوفير الغطاء الكامل لقيام الجيش السوري بالحسم العسكري ضدّ النصرة في المناطق التي تسيطر عليها.

طبعاً هذا الأمر ليس من مصلحة أميركا لأنّ حسم المعركة مع النصرة سوف يؤدّي عملياً إلى جعل الجماعات المسلحة المتبقية فاقدة أيّ قدرة فعلية على مواجهة الجيش السوري، وبالتالي سيكون هناك المزيد من التغيير الجذري في موازين القوى في الميدان، لمحصلة الدولة الوطنية السورية، وما يعنيه ذلك من نهاية للحلم التركي الأردوغاني الذي ارتبط تحقيقه منذ بداية الأزمة السورية بالرهان على السيطرة على مدينة حلب وسلخ الشمال السوري بالكامل عن الدولة المركزية السورية، وكذلك نهاية سياسة الابتزاز الأميركية التي تستخدم الخطر الإرهابي وتسعى إلى منع الحسم ضدّه وإطالة أمد استنزاف سورية بواسطة النصرة وداعش حتى تتمكّن من انتزاع مكاسب سياسية تنتقص من السيادة السورية، وهذا ما يفسّر سعي وزير الخارجية الأميركي إلى إعادة إحياء اتفاق التهدئة من دون أن يتمّ الفصل بين النصرة وباقي المجموعات المسلحة التي تدين بالولاء لواشنطن وتركيا والسعودية.

من هنا فإنّ القضاء على جبهة النصرة في حلب يجعل الطريق ممهّدة أيضاً لتسريع المعركة النهائية مع داعش في دير الزور والرقة، وعندها فإنّ الإدارة الأميركية لا تستطيع الاعتراض، في وقت تزعم فيه محاربة داعش.

بموازاة ذلك، فإنّ مثل هذا الحسم في حلب سوف يجعل الاستمرار بالمناورات السياسية وتعطيل الحلّ السياسي وفق مقرّرات فيينا ومجلس الأمن غير ممكن، وتصبح واشنطن أمام، إما التسليم بالحلّ على قاعدة احترام السيادة السورية والاحتكام إلى قرار الشعب السوري في اختيار من يمثله في البرلمان ومن يكون رئيس بلاده، أو الامتناع عن ذلك، وبالتالي الخروج مهزومة بدون حتى حفظ ماء الوجه.

ويبدو أنّ كلام جون كيري بالأمس بأنه على المعارضة السورية أن تكون أكثر مسؤولية وتساهم في تثبيت وقف العمليات القتالية مؤشر على أنّ واشنطن لم تعد قادرة على الاستمرار في سياسة محاباة الجماعات المسلحة التي ترفض الفصل بينها وبين جبهة النصرة.

وإذا ما تمّ ذلك فعلاً على أرض الواقع هذا الفصل فإنّ الطريق ستكون مفتوحة أمام الجيش السوري وحلفائه للحسم العسكري في المناطق التي يسيطر عليها مسلحو النصرة الأمر الذي سيسرّع عندها مسار حلّ الأزمة.

أما إذا ما جرى الإصرار على عدم الفصل فإنّ الجيش السوري وحلفاءه سيكونون في حلّ من أيّ اتفاق للتهدئة ولن يكون أمامهم من خيار سوى استئناف هجومهم في حلب لإنهاء وجود الجماعات الإرهابية المسلحة وتخليص أهالي حلب من معاناتهم ومن المجازر التي ترتكبها هذه الجماعات يومياً بحقهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى