مرض الرياضة … أنّها في خدمة السياسة!

إبراهيم وزنه

باعتبار أنّ الرياضة وجه من وجوه الحضارة والرّقيّ للمجتمعات، نظراً لما تحتضنه ساحاتها وملاعبها ومدرجاتها من شباب وشابات وطاقات، هم في الواقع يمثّلون العصب الأساسيّ في بناء الأوطان ورسم مستقبلها الزاهر.

انطلاقاً من هذا التعريف المشجّع والمُعطيات المحفّزة، اندفع الرؤساء والأمراء وقادة الأحزاب ومعهم أهل السياسة وأصحاب الطموحات إلى قلب المسابقات والبطولات والأحداث الرياضيّة مواكبين، إمّا لتسويق أفكارهم أو لتسجيل مواقفهم أو لكسب جماهير إضافيّة أو لتلميع صورهم، وكلّ هذه الأهداف لا تتوافق أصلاً مع المفهوم الحقيقيّ للرياضة، لا بل تقف على نقيض تامّ منها ومن غاياتها.

من هذه المشهديّة التي اعتدناها منذ سلّم الدوتشي موسوليني في ثلاثينيّات القرن الماضي كأس المونديال إلى منتخب بلاده، ليتبعه الجنرال الإسباني فرانكو مقلّداً وصولاً إلى «موضة» مواكبة الملوك والرؤساء والأمراء لمنتخبات بلادهم الوطنيّة من على المدرجات، فكرة واحدة تلمع في الأذهان، خلاصتها أنّ الكل يسعى إلى استقطاب الطاقات الشبابيّة والتمثيل على الشعب من خلال صورة يتمّ توزيعها وتكبيرها، إنّه استغلال فاضح وصريح للحياة الرياضيّة.

وبالانتقال إلى «الموضة» المتجدّدة في هذه الأيام، حيث حصاد الزرع السياسي أثمر، وأدّى مع الوقت إلى تحوّل المدرجات إلى منابر للتعبير وإطلاق الشتائم وتسويق الأفكار السياسيّة والحزبيّة والطائفيّة. وهذه، أيّ «الموضة» لفّت ملاعب العالم، ومن ارتداداتها في ملاعبنا المحليّة لجوء الاتحادات إلى اتّخاذ قرارات تمنع الجماهير من المواكبة، حقناً للدماء وصوناً للأعراض وحفظاً للسلم الأهلي!

نعم ومن دون مبالغة، هذه أبرز موجبات اتّخاذ القرارات بحسب التعاميم الرسميّة التي توزّعها الاتحادات الرياضيّة دوريّاً.

مجرّد سؤال، من اندفع نحو الآخر في بلادنا، الرياضة باتّجاه السياسة أو العكس؟ بصراحة، وعلى طريقة الشاعر أحمد شوقي «مشتاقة تسعى إلى مشتاق»، نعم فالأرض خصبة لكل زرع، فالإنجازات غالباً ما تُهدى إلى الزعيم أو القائد أو الرئيس، وأسماء الملاعب بغالبيتها صارت تحمل أسماء قادة الأحزاب ورؤساء التيّارات والشهداء، وإدارات الأندية في مضامينها تراعي تقديم فئة على فئة من منطلقات طائفيّة، لا بل أصبحت الأندية تتّصف بألوان سياسيّة وحزبيّة، وغالباً ما تعتمد ألوان راياتها السياسيّة لوناً لقمصانها، ناهيكم عن المساعدات المالية التي تصل إلى صناديقها من داعميها السياسيّين، فالمال السياسي في خدمة التطوير الرياضي … نعم، هكذا تسير الأمور في بلادنا، ثمّ يأتينا من يدعو إلى فصل السياسة عن الرياضة في العلن، وتراه عينه في السرّ يموّل ويدعم ويواكب من منطلقات سياسيّة وطائفيّة، كفانا تكاذباً، ليتكم تعتمدون سياسة رياضيّة لإنقاذ ما تبقّى من رياضتنا الغارقة في الوحول السياسيّة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى