كتب المحرّر السياسي

يبدو وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بمظهر «المايسترو» الذي يُمسك بالنوتة والعصا لإدارة الفرقة الدولية الإقليمية المبعثرة، أمام مشهد دموي قاتم يسيطر على مدينة حلب وسائر مناطق شمال سورية، معلوم لدى الجميع، أنه آخر ما تبقى من أوراق بيد تنظيم القاعدة، الذي فقد الاندفاعة الأميركية التي وفرت له غطاء حروب القتل في سورية خلال سنوات. فجبهة النصرة التي تشكل الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة مولودة على يد الجنرال ديفيد بتريوس خلال احتلال العراق لتكون الاستثمار المشترك للمخابرات الأميركية وأيمن الظواهري، منذ اغتيال أبي مصعب الزرقاوي وبعده أسامة بن لادن، بالتعاون بين الفريقين، ووضع جدول أعمال التعاون عبر أنقرة والرياض والدوحة، لحروب «الفوضى البناءة» ومخاض الشرق الأوسط الجديد، التي أخفقت في بلوغ أهدافها من فوهات المدافع في حروب العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين، فعادت من بوابة «الربيع العربي» بشراكة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة، ورعاية تركية وسعودية بالتناوب مرة والتعاون مرات، وها هي تبلغ مراحلها الأخيرة، وتستقرّ في شمال سورية، بعدما تمكّنت الدولة السورية من صمود أسطوري، ونجحت المقاومة اللبنانية بتأمين شراكة الوفاء، ونهض الحليفان الروسي والإيراني بموجباتهما بما فاجأ حلف الحرب على سورية وقلب حساباته وجدول أعماله.

نجح الروس تدريجياً بدفع الأميركيين خارج حلبة الحرب المباشرة، ووضعوا معهم صيغة «رابح رابح»، رغم مرارة حرب أوكرانيا، لضمان تموضعهم على ضفة التسويات، وكسب الوقت، منذ التفاهم على السلاح الكيميائي السوري، وبعده التفاهم على الملف النووي الإيراني، وتذوّق الأميركيون حلاوة التفاهمات، وتركوا لحلفائهم العاجزين خيبات الخسائر، وتقدّمت الحرب على الإرهاب كوصفة مربحة لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على أبواب الانتخابات الرئاسية، فروسيا وإيران وسورية وحلفاؤهم يتولون ما لا تقدر عليه أميركا في هذه الحرب التي ضربت في أوروبا وتهدّد بالمزيد، وجاءت معارك تدمر بوجه النسخة المنقحة من القاعدة التي يمثلها داعش لتقدّم وصفة النصر، لتنتقل موسكو إلى الحلقة الأهم. وهي حلقة الحسم مع جبهة النصرة ومن خلفها التموضع التركي في المعادلة السورية، والتلاعب السعودي بأوراق المعارضة.

هي حرب النصرة، كما قال لافروف، والهدنة معيارها توفير الغطاء للحرب على داعش والنصرة، كي يتم تحييد الفصائل المنخرطة بأحكامها والمشتركة في محادثات جنيف. والنصرة هي القاعدة، فمن يقف معها فليقل، ومن يُرِدْ قتالها فليقل، ولم يعد ممكناً قبول المراوغة والنفاق والتلاعب بالكلمات. والكلّ يعلم أنّ الجزء الخارج عن سيطرة الدولة من شمال سورية يخضع لسيطرة النصرة ويقدم له الغطاء من جماعة الرياض والجماعات المسلحة المنضوية فيها كجيش الإسلام وأحرار الشام ووراءهما تركيا والسعودية.

النصرة تخوض حرب حلب، والهدنة يمكن أن تعود إذا حدّدت مناطق سيطرة النصرة وخرجت منها قوى تحسب نفسها على العملية السياسية، وحُرمت النصرة من أي غطاء سوري وإقليمي ودولي، وتوقف الجميع عن توصيف الحرب معها كحرب على المعارضة، وانتهاكاً للهدنة. لذلك وضع لافروف الشروط بوضوح، إغلاق الحدود التركية مع سورية، وخروج فصائل المعارضة من مناطق سيطرة النصرة، وتكون العودة للهدنة خلال ساعات.

ساعات لافروف المشروطة قد تصير أياماً وأسابيع بقدر ما يتباطأ الآخرون، وكما يبدو من كلام كيري المتلعثم بعد قصف النصرة لمشفى حلب الخامس في أيام، أن التردد مستمرّ والساعات ستطول، رغم إعلان لافروف عن تشكيل غرفة مراقبة عسكرية روسية أميركية مشتركة في جنيف، علم أنها ستعمل على تحميل مواقع ومناطق سيطرة النصرة على خرائط تعتمد لتطبيق الهدنة، فيرفض كل كلام عن انتهاك للهدنة مبني على وقائع مواجهة مع مواقع النصرة، مع مطالبة الفصائل بالانسحاب منها، رغم يقين موسكو بتصنيف جيش الإسلام وأحرار الشام كقوى إرهابية.

حرب النصرة وحرب حلب المتداخلتان في حلقة حاسمة خلال أيام، تتبلور بعدها صورة الميدان، لتكون لها الكلمة الفصل وفقاً للمتابعين، وتكون محادثات جنيف خياراً متروكاً لجماعة الرياض التي انسحبت تضامناً مع النصرة، إن أرادت الالتزام بموجبات مساري الهدنة والعملية السياسية.

لبنانياً، مع اقتراب الانتخابات البلدية وتبلور لوائحها، يبدأ مطلع الشهر المقبل العدّ التنازلي للولاية الممددة للمجلس النيابي، التي يتبقى منها عام واحد، يثق الجميع باستحالة تمديدها مجدداً، وحتمية مواجهة الاستحقاقات المؤجلة خلال هذا العام، فلا بديل من السعي لتوافق ينتهي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بدلاً من ترحيل الاستحقاق لمجلس جديد مجهول التوازنات، وسواء جاء المجلس الجديد وفقاً لقانون الانتخابات الحالي، بعدما تغيّرت الخريطة السياسية، والتحالفات داخل الطوائف وخارجها، خصوصاً بتحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وانعكاسه الحتمي على أحجام كتل المستقبل والاشتراكي، فسيكون مجهول الأحجام ومقلقاً للممسكين بناصية القرار في المجلس الحالي، أو سواء ذهب أصحاب الحل والربط نحو قانون جديد بات مستحيلاً تفادي النسبية كأساس قانوني فيه، فذلك يستدعي التوافق لإنتاج القانون من جهة، وللتحالفات التي تواكب الانتخابات منعاً للمفاجآت من جهة أخرى، ليصير التوافق والإسراع في مد الجسور قدراً لا مفرّ منه، مع تسارع الوقت، فيما تقدم اجتماعات اللجان النيابية لمناقشة قانون الانتخاب منصة مناسبة لاختبار فرص هذا السعي التوافقي، ومنحه سياقاً يحتاجه الجميع إذا انتبهوا وأقاموا الحسابات الصحيحة.

أسبوع مثقل بالإستحقاقات

إنطلق الإسبوع الأول من شهر أيار المثقل بالملفات الساخنة والإستحقاقات بدءاً من موضوع الجلسات التشريعية مع انعقاد اللجان النيابية المشتركة أمس في المجلس النيابي والتي ناقشت قوانين الإنتخابات النيابية على أن يشهد يوم الخميس جلسة للجنة الإعلام والإتصالات للإطلاع على أخر التحقيقات في فضيحة الأنترنت غير الشرعي تليها جلسة عادية لمجلس الوزراء عصراً لتبدأ الأحد الجولة الأولى من الإنتخابات البلدية في محافظتي بيروت والبقاع.

السفراء العرب في بكركي

في غضون ذلك، ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي في بكركي اجتماعاً لسفراء الدول العربية المعتمدين في لبنان للبحث في الشؤون الراهنة في لبنان والمنطقة بحضور السفير السوري علي عبد الكريم علي.

وأشار الراعي خلال كلمة له أمام الوفد إلى أن «إيقاف الحروب والحل السياسي وإحلال السلام هي شروط ضرورية بل إلزامية من أجل واجب عودة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم وأوطانهم، حفاظاً على هويتهم وثقافتهم الوطنية وحضارتهم». ولفت إلى أن «لبنان من جهته يرزح تحت عبء المليوني لاجئ ونازح من فلسطين وسورية والعراق، اقتصادياً ومعيشياً وسياسياً وأمنياً، متسائلاً: لماذا على لبنان أن يتحمل نتائج هذه الحروب والنزاعات على كل صعيد؟ إن استمرارية هذه الحالة تشكل خطراً كبيراً على لبنان ومؤسساته وكيانه وشعبه».

صياح لـ«البناء»:العرب عاجزون عن تقديم مبادرات

وأوضح النائب البطريركي العام المطران بولس صياح لـ«البناء» أن «أجواء اللقاء كانت إيجابية وأثنى السفراء على المبادرة التي طرحها البطريرك الراعي في جمع السفراء، وتمحور اللقاء حول موضوع النازحين السوريين والملف الرئاسي»، وشدد صياح على أن «البطريرك الراعي طرح أمام الوفد الملف الرئاسي لكنه لم يطلب منهم تدخلهم في هذا الشأن لأن البطريرك يعرف والجميع بأن العرب في الوقت الراهن لا يستطيعون تقديم مبادرات في الملف الرئاسي بسبب الأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة عموماً والوضع الداخلي المعقد لكل دولة، بل سألهم البطريرك ما يستطيعون فعله للضغط باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، كما سمع الراعي من السفراء تمنيهم وتشديدهم على ضرورة انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن».

وشددت مصادر بكركي لـ«البناء» على أن «الراعي طرح موضوع النازحين السوريين على السفراء فرد السفير السوري مؤكداً أن كل النازحين يريدون العودة الى بلادهم وليس البقاء في لبنان لكنه شدد على ضرورة توقف الحرب في سورية كمدخل لحل أزمة النازحين من جهة ومكافحة الإرهاب وإنهاء وجوده وبالتالي خطره على لبنان وسورية والمنطقة من جهة ثانية».

لا جديد رئاسياً

وقالت المصادر أن «البطريرك لم يقدم أي جديد في الشأن الرئاسي بل طلب من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارته الى لبنان مساعدة فرنسا على هذا الصعيد وتلقى وعوداً من هولاند ببذل الجهود مع الدول الإقليمية المؤثرة في الساحة اللبنانية لانتخاب رئيس»، لكن المصادر أكدت «أن أي نتيجة لم تظهر حتى الآن والملف الرئاسي يرواح مكانه ولا يبدو في الأفق أي حل».

وقالت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن «لا شيئ جديد على الصعيد الرئاسي، بل إن الموضوع مرتبط بملفات المنطقة لا سيما ما يحصل في مفاوضات جينيف السوري والمعارك في سورية»، وأوضحت أن «أي تقدم إيجابي على صعيد مفاوضات جينيف السورية أو على صعيد المفاوضات اليمنية المينية، سيكون له انعكاسات إيجابية على الساحة الداخلية بموضوع الرئاسة». ونفت أي تواصل جدي بين الرابية وبيت الوسط حول الملف الرئاسي، كما نفت أن تكون الرابية قد تلقت عرضاً في ما خص الرئاسة.

جلسة للإتصالات بلا يوسف؟

على صعيد آخر، تعقد لجنة الإعلام والإتصالات جلسة صباح الخميس للإستماع من الأجهزة القضائية ووزارة الداخلية الى المعلومات التي توفرت لديها من خلال التحقيقات التي أجرتها بحضور مدعي العام المالي ومدعي عام التمييز وممثلين عن الجيش وقوى الأمن الداخلي».

وتوقعت مصادر في اللجنة في حديث لـ«البناء» أن تقدم الأجهزة القضائية والأمنية معلومات عن شبكات الأنترنت الممدودة في المناطق والأحياء فقط ولائحة تتضمن أسماء أشخاص متورطين وتم إلقاء القبض عليهم»، لكن المصادر شددت على أن «اللجنة لن تكتفي بذلك بل ستطالب الأجهزة بتقديم معلومات عن المحطات الكبيرة التي استثمرت الأنترنت غير الشرعي وقامت يتوزيعه على الشبكات الصغيرة وستطالب بالكشف عن الرؤوس الكبيرة المشغلة لهذه الشبكات والتحقيق معها».

وأضافت المصادر: «كما ستسأل اللجنة الأجهزة القضائية عن المعطيات التي تكونت لديها حتى الآن عن كيفية إدخال الأجهزة والمعدات التي استعملت بتشغيل شبكات الانترنت الغير شرعي وحجم تورط بعض الأجهزة الأمنية بذلك لا سيما الجمارك وقوى الأمن الداخلي».

ولفتت المصادر على أن «جميع القوى السياسية مصممة على معرفة الحقيقة كاملة وبعدم توفير الغطاء لأي جهة متورطة»، مستبعدة حصول خلافات ومشادات كما حصل في الجلسة الماضية». ورجحت أن لا يحضر مدير عام هيئة اوجيرو عبد المنعم يوسف الجلسة»، وأوضحت أن اللجنة وجهت الدعوة إلى وزير الإتصالات بطرس حرب الذي يعود له الحق بأن يحضر معه من يشاء من مستشاري وموظفي الوزارة لكن الوزير لن يطلب من يوسف مرافقته بسبب ما حصل في الجلسة الماضية».

.. وجلسة حكومية غداً

حكومياً، يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية الخميس المقبل في السراي الحكومي وعلى جدول أعماله ما يقارب 176 بنداً من ضمنها البنود المؤجلة من الجلسة السابقة التي لم يبت بها بالإضافة الى بنود جديدة عادية لا تشكل مشاريع خلافية، بينما لم تدرج أزمة أمن الدولة على الجدول في انتظار الجهود التي يبذلها رئيس الحكومة تمام سلام لإيجاد حل لهذا الملف.

.. وجلسة لللجان المشتركة

وانعقدت اللجان النيابية المشتركة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري وحددت موعداً لجولة جديدة الاثنين المقبل بعدما انحصر النقاش امس بعدد النواب وحجم الدوائر ونوعية النظام، أكثري نسبي او مختلط. واعلن مكاري ان القانون الأرثوذكسي تمت الموافقة عليه من قبل اللجان، وسيتم التعامل معه كأي مشروع آخر»، مشيراً الى انه اقترح «البدء في البحث في القانون المختلط بما أنه حظي بموافقة العدد الأكبر من القوى السياسية، ومؤكداً ان هناك شبه إجماع لدى الفرقاء السياسيين على عقد جلسات «الضرورة»، وكون قانون الإنتخاب من قوانين الضرورة، فلا بد من عقد جلسة.

وأكد تكتل التغيير والإصلاح» خلال اجتماعه الأسبوعي في الرابية، بأن «قانون الانتخاب ليس صفقة ولا يرتبط بتنازلات شخصية او حزبية او طائفية، بل هو كناية عن حقوق تندرج تحت سقف الدستور والميثاق. وبالتالي فمن المفترض تطبيق القاعدة الميثاقية والدستورية، بأن ما من شيء يحمي الوحدة الوطنية والعيش المشترك الا تأمين المناصفة الفعلية التي من خلالها تتحقق الشراكة الإسلامية المسيحية».

بيروت وزحلة الى المعارك…

وينطلق الإستحقاق البلدي الأحد المقبل في محافظتي بيروت والبقاع، ومن المتوقع أن تشهد بيروت وزحلة معارك إنتخابية محتدمة في ظل تنافس عدد من اللائحات، وعلى الصعيد الزحلاوي أعلنت رئيسة الكتلة الشعبية ميريم سكاف لائحة «زحلة الأمانة»، وأكدت سكاف أن «أننا استطعنا الاتفاق على لائحة تمثل قرار المدينة ومن داخل المدينة ولم نستشر احداً من خارجها»، وهاجمت سكاف الاحزاب المسيحية الثلاثة «لانها لم تكن حريصة على الوفاق ولا على المدينة وهموم اهلها وناسها على عكس الكتلة الشعبية الحريصة على قرار المدينة وهموم المدينة وانمائها وتطورها».

نرفض وضع العائلات مقابل الأحزاب

ورفضت مصادر في التيار الوطني الحر الحديث عن صراع بين الأحزاب والعائلات في زحلة، معتبرة أن «زحلة كباقي المناطق تتكون من مجموعة عائلات تنتمي معظمها الى أحزاب التيار والقوات والكتائب الذين لا يهدفون إلى إلغاء دور العائلات لكن نرفض سياسة البعض بوضع العائلات في وجه الأحزاب»، ولفتت إلى أن «التيار سعى الى التحالف مع بعض العائلات في زحلة على قاعدة التوازن بين الأحزاب والعائلات ومراعاة الأوضاع العائلية لكن المحاولات فشلت»، وأعلنت المصادر استعداد التيار لخوض معركة زحلة وأي معركة تفرض عليه في كل المناطق».

في سياق آخر، أشارت المصادر إلى أن «الإنتخابات البلدية تشكل امتحاناً واختباراً للعلاقة بين التيار والقوات ولمدى الجدية والقدرة على التكيف بينهما ودس نبض الشارع المسيحي بعد إعلان النوايا والتحالف بين الطرفين رغم أن التيارات الحزبية تدفع أحياناً في بعض المناطق لمراعاة التركيبات العائلية والقروية».

واعتبرت أن «التعاون بين الطرفين لن يظهر في الوقت الحالي بل في أقلام الإقتراع وبعد فرز الأصوات»، وتحدثت المصادر عن اجتماعات مكثفة لقيادات من التيار و«القوات» للتوفيق بين اللوائح في المناطق».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى