الأردن… سياسة تعويم الفاسدين خط أحمر وتفاهمات الرياض ستبقى حبراً على ورق

هشام الهبيشان

تذكرنا الحملة الإعلامية الغير مسبوقة التي بدأها الإعلام الرسمي الأردني للترويج للتفاهمات الاقتصادية «الإعلامية» التي يُقال إنها تمّت بين الأردن الرسمي والنظام السعودي بالحملة التي أطلقها الإعلام الرسمي الأردني عام 2011 تحت عنوان «انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي»، والتي علقتُ عليها حينها ببيت شعر من معلقة طرفة بن العبد «ستُبدي لك الأيامُ ما كنتُ جاهلاً، ويأتيك بالأخبار من لم تزود».

اليوم يقالُ إنّ هناك مجموعة وسطاء ساهموا في هذه التفاهمات التي لا تزال وستبقى، والأيام بيننا، حبراً على ورق، ولنا في الهبة السعودية للجيش اللبناني عبرة وعظة.

وبالعودة إلى هؤلاء الوسطاء الذين يسعى البعض إلى تعويمهم مجدداً في الساحة الاقتصادية والسياسية الأردنية، تتبادر إلى أذهان جميع المواطنين الأردنيين عندما يتذكروا تاريخ بعض هؤلاء الوسطاء، قضايا الفساد التي قتلت غالبية الأردنيين وهم أحياء، فالأردنيون تتوارد إلى خواطرهم مسلسلات الفساد والإفساد، ويتساءلون بألم عن مصير أبطال هذه المسلسلات، هل هم في نيويورك أم لندن؟ في باريس أم في روما، أو منتجعات مضيق البوسفور يمارسون طقوس شهواتهم القذرة على حساب مستقبل الأردنيين. فالأردنيون يتكلمون بألم ويتساءلون عن مصير هؤلاء، يتساءلون عن ثرواتهم التي نُهبت وبيعت، يتساءلون عن مستقبل أبنائهم وبناتهم الذين باتوا عالة عليهم، بعد أن جرّدهم الفاسدون والمفسدون من ثرواتهم. لم يعد الأردن قادراً على توفير أدنى متطلبات الحياة الفضلى للشعب الأردني، وعمّ الفقر والبطالة والتهميش والجوع والإقصاء. هي تركة الفاسدين الثقيلة للأردنيين، من مديونية مرتفعة، يتحمّل عبئها الآن مئات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل أو الذين يعملون بأجور زهيدة جداً. تركة يتحمّل أعباءها شعب يرزح، ليل نهار، تحت ظلم ممنهج فرضته سياسة الإفساد والفساد في هذا البلد.

اليوم هناك مطلب جماعي من كلّ أفراد الشعب العربي الأردني، يتمثل بمحاكمة الفاسدين والمفسدين والمتورطين في قضايا عطاء المطار وأراضي معان وسكن كريم وشركات البوتاس والاتصالات وأمنية والفوسفات والكهرباء والإسمنت وميناء العقبة وأمانة عمان والبلديات والملكية الأردنية، وبيع مبنى مديرية التنمية الاجتماعية، وصفقات دبي كابيتال، وعطاء مصفاة البترول، وشركة توليد الكهرباء وكهرباء إربد، وفضائح الاستثمار وأراضي الديسي والجفر، وحصص الحكومة من الأسهم في كلّ من بنك الإسكان وبنك القاهرة ـ عمان، وبنك الصادرات والتمويل، وبنك الإنماء الصناعي وأراضي الأغوار، ومصنع ربّ البندورة في الأغوار، والألبان الأردنية والبتراء للنقل، والأجواخ الأردنية، والدباغة الأردنية والخزف الأردنية، والعربية الدولية للفنادق، والأردنية لتجهيز الدواجن ومصانع الورق والكرتون، والمؤسسة الصحافية الأردنية، والكازينو ومؤسسة سكة حديد العقبة، وقضايا المخدرات، والرشى، والعطاءات الحكومية، والفساد الإدراي، والتنفيع، واستغلال الوظيفة العامة، إلخ…

ملفات الفساد أعلاه وغيرها الكثير هي التي حطمت مستقبل الشباب الأردني الذي بات يعيش اليوم حالة من الاغتراب عن مجتمعه ووطنه الأم، نتيجة ارتباطه بمتغيرات وإفرازات المجتمع الذي ينشأ فيه، وكلّ ذلك بسبب سياسات الإفساد والفساد، ولا تزال أزمة البطالة تلاحقه في كلّ مكان وهو عاجز عن توفير لقمة العيش والمسكن كي يتزوج أو على الأقلّ أن يؤمن قوت يومه وهذا سبب كاف لزيادة الشعور بالاغتراب داخل الوطن وفي البيئة المجتمعية الحاضنة لهؤلاء الشباب، في ظلّ عدم حدوث أي تغيير حقيقي في ظروفهم الاقتصادية وأحوالهم المعيشية واتساع المسافة بينهم وبين خطط المسؤوليين الفاسدين.

أفرزت قضايا الفساد والإفساد ظواهر خطيرة في صفوف فئات عدة من المجتمع الأردني وهنا تبرز ظاهرة الإحباط والقبول به لدى الشباب وهذا أخطر ما يمكن أن يواجهه المجتمع، نتيجة إفرازات الواقع المُعاش وتراكم الكبت الذي أصبح مركباً ومعقداً للغاية في ظلّ انخفاض العامل الديني الذي يعمل على تحصين المجتمع ويحوله إلى قوة مُمانعة ترفض الفشل، فقد انتشرت بين الكثير من الشباب الأردني حالة الإحباط جراء البطالة والفقر وعدم الاستقرار النفسي، فلا يجد بعضهم وسيلة للخلاص إلا بإلقاء نفسه في النار، ويسهم في ذلك الفراغ الروحي فاليوم نشهد ظاهرة انتشار أفكار التطرف وانتشار آفة المخدارات بين الشباب ولنقس على هذه الظاهره باقي الظواهر «عنف مجتمعي، عنف جامعي، ازدياد حالات الانتحار، الأزمات الأخلاقية إلخ…»، التي أصبحت تنخر جسد المجتمع الأردني، خاصة الشباب، وكل ذلك بسبب سياسة الفاسدين والمفسدين الذين قتلوا وحطموا مستقبل الشباب الأردني.

ختاماً، على النظام الأردني أن يعي جيداً، أنّ أي حديث هدفه السماح بعودة وتبرئة الفاسدين وعودتهم إلى الصف الأول، هو حديث مرفوض من غالبية الشعب الأردني، فالفاسد مكانه الوحيد هو أقبية السجون وأعواد المشانق، وعلى النظام الأردني أن يدرك بشكل كامل، أنّ الدولة الأردنية تعيش اليوم بكلّ مكوناتها وضعاً خطيراً جداً، وسط ظواهر لا يمكن السكوت عنها، لأنّ السكوت عنها في هذه المرحلة، هو خطيئة وجريمة كبرى لا تغتفر بحقّ الأردن وشبابه ومجتمعه وأرضه ومستقبله، وعلى النظام الأردني أن يعلم أنّ الأردنيين طامحون إلى مستقبل أفضل، وإلى حقوق تضمن لهم كرامتهم في وطنهم وتجعلهم يشعرون بالأمان المعيشي الدائم. طامحون إلى التعبير عن آرائهم بحرية، وأن يُعطوا حقوقهم المسلوبة. هم لا يطلبون الكثير وما يريدونه هو فقط أن يتم احتواء مشاكلهم وأفكارهم، ومساعدتهم على تنمية قراراتهم، وتلبية مطالبهم.

إنّ الشعب الأردني بمجموعه ما زال في خندق الدولة ونظامها، لكننا للأسف نرى أنّ بعض دوائر صنع القرار للنظام الأردني بدأت تسعى إلى توسيع الهوّة والفجوة بينها وبين طيف واسع من أبناء الشعب العربي الأردني، وهذه ظاهرة ومشكلة خطيرة تستدعي وقفة تأمل مرحلية ومستقبلية من قبل النظام الأردني، لأنّ الوقت ليس في صالح أحد، ولكلّ بداية نهاية. فاتعظوا يا أولي الألباب…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى