هل سيُطبّق النموذج الجزائري في سورية أم يكون النموذج الشيشاني نهاية الحلول؟

مهنّد فائز نصرة

لا تقدّم يذكر في الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف الأخيرة ولا موعد يلوح في أفق التسويات للجلسة الرابعة المفترض تحديدها قبل نهاية الجولة الثالثة، أما وقف العمليات العدائية فقد أصبح من الذكريات، فالمعارك استؤنفت والدماء سالت وحلب تستغيث ووجه ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي لا يضخّ تفاؤلاً بالحلّ السياسي. أما طلبه الاجتماع مع القوى العظمى روسيا وأميركا ليحفظ آخر ما تبقّى من احتمالات الحلول السياسية، فهو مؤشر على ما بدت عليه الحال.

ربما خرج وفد الحكومة السورية الذي يترأسه مندوب سورية في الأمم المتحدة السفير بشار الجعفري، فائزاً، كما يُقال، من هذه الجولة لسببين رئيسيين. الأول، كونه لم يقدم أي تنازلات تمسّ السيادة السورية والخطوط الحمراء بما فيها الرئيس بشار الأسد الذي أعلن الوفد الحكومي السوري مراراً وتكراراً أنه ليس على طاولة النقاش لا سرّاً ولا علناً. والثاني، حين أُجبر وفد الرياض على الانسحاب مُحرِجاً إياه بطرحه المقبول للعقل بمناصفة حقائب الحكومة الموسّعة مع المعارضة الداخلية والخارجية، فلم يكن أمام وفد الرياض الذي يحمل اسم العاصمة المؤسِّسة والداعمة سوى الانسحاب بعد أن لاقت مطالبه وخطوطه الحمراء «الأذن الطرشاء» والطلاء الأخضر لتصبح بلون المرور بالنسبة إلى كثير من الدول التي كانت منذ الأيام الأولى تدعم وتموّل وتسلِّح المعارضين وهذه الخيبة ربما جسّدها رئيس الهيئة العليا للتفاوض لوفد الرياض في ندائه الذي أطلقه لمجموعة «أصدقاء سورية»، غافلاً ربما ما أصبح معلوماً عند الجميع بأنّ هذه المجموعة قد ماتت منذ أكثر من عامين وتمّ استبدالها بما يعرف بـ»مجموعة فيينا» التي تضمّ 17 دولة، بما فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحتى الولايات المتحدة الأميركية الحليف الأكبر منذ الأيام الأولى لما يُسمّى «المعارضة» حين كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون تدعو المتظاهرين إلى عدم ترك السلاح، قد سلّمت ببعض القضايا التي فرضها الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري ليخرج أوباما الذي كان يخرج كلّ يوم من أيام الأزمة السورية وحتى وقت قريب يكرّر جملة واحدة «رحيل الأسد» والذي أرسل أيضاً الأسطول البحري الأميركي لإسقاط الدولة السورية، بحجة الأسلحة الكيماوية، قد خرج اليوم ليقول في تصريح لـ BBC أثناء زيارته للعاصمة البريطانية لندن «أنّ إرسال قوة عسكرية برية إلى سورية لقلب نظام الحكم فيها سيكون خطأ وأنّ كلّ ما يمكن فعله فقط هو الضغط على الأطراف المتفاوضة في الساحة السورية للجلوس على مائدة المفاوضات والحلّ العسكري لن يسمح بحلّ المشاكل البعيدة المدى «وهذا يعني أنّ أوباما سلّم بما قالته روسيا بأنّ الحلّ العسكري للأزمة السورية مستحيل وأنّ التفاوض والشراكة مع الأسد هما السبيل الوحيد إلى الحلّ، الامر الذي أدخل معارضة الرياض حالة اكتئاب سياسي مزمن وجعل طموحات أفرادها تتحطم على صخرة الواقع الدولي الجديد الذي رسمه الجيش السوري بصموده الميداني خلال السنوات الخمس الماضية من جهة، ودعم الحلفاء الروس والإيرانيين من جهة أخرى، محطّماً بذلك محاولات الأعداء تطبيق النموذج الليبي أو المصري على الأرض السورية، حين جاءوا ليلقوا صواريخ «الربيع العربي» عليها حيث لم تبق دولة على وجه الأرض تقريباً إلا وأرسلت وموّلت ودعمت المسلحين على امتداد العمر الزمني للأزمة السورية. ونسأل هنا: ما هو النموذج الأفضل والأقرب في التاريخ الذي يمكن إسقاطه على حال الأزمة السورية؟ قد يكون الحلّ الجزائري أقرب إلى العقل حيث أعطى نتائج حقيقية في معالجة التطرف الإسلامي ورسّخ الاستقرار في الجزائر بعد معارك خاضها الجيش الجزائري مدعوماً بقوات الأمن دامت منذ عام 1991 حتى عام 2001 وانتهت بحلّ سياسي أفضى بالسماح للمجموعات الإسلامية بالتمثيل السياسي تحت مظلة الدولة الجزائرية.

الأهم هو أنّ الجيش العربي السوري لا يزال متماسكاً ولم ينشقّ أو يتفكّك، كما راهن الأعداء، ولا يزال يأتمر بأوامر الرئيس بشار الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة. أمّا تفكك المعارضة ومجموعاتها المسلحة وتقاتلها سواء في الميدان أو في السياسة، نتيجة اختلاف مصالح الداعمين، فهو يؤشر فعلياً إلى إمكانية تسليم هذه المجموعات بالحلّ السياسي أو استسلامها وانهيارها في الميدان بعد أن بدأت الدول تنفض من حولها، ولا ترى فيها سوى الإرهاب القادم من الإسلام لبعض الحالات. ومن باب التذكير فإنّ الجيش الجزائري قدّم من التضحيات ما قارب 200 ألف شهيد وهي أرقام تقترب من أرقام وتضحيات الشعب السوري وجيشه في الحرب السورية.

السؤال هنا: هل كانت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للعاصمة الجزائرية تخصّ الحلّ الجزائري للأزمة السورية ؟وهل كان كسرها للحصار المفروض على سورية مجرد صدفة؟

لم تستقبل الجزائر الوزير المعلم في عاصمتها فحسب، بل أرسلت منذ أيام وزير الشؤون المغاربية والأفريقية عبد القادر مساهل المتعدّد المهمّات والحقائب لتكون أول دولة عربية تكسر الحصار المفروض على سورية من جامعة الدول العربية التي تقودها السعودية ودول الخليج، ومن دمشق أكد مساهل أنّ بلاده متضامنة مع سورية في مواجهة الإرهاب، مشدّداً على الحلّ السياسي والوطني الشامل، بحسب قوله.

هل سيتم اعتماد الحلّ الجزائري، أم أنّ تجربة التدمير السجادي كما تعرف في الشيشان والتي اتّبعها الروس سيتم اعتمادها في سورية إذا ما انهارت فرص الحلّ السياسي وسيتم استقدام المزيد من القوة الجوية لدعم الجيش السوري في الحسم الميداني ضدّ الإرهاب، خصوصاً أنّ هناك جماعات تفاوض في جنيف تعتبرها موسكو إرهابية وتطالب مجلس الأمن بشكل دائم بالاعتراف بها كمجموعات إرهابية؟ وهل كان انسحاب القوة الجوية الروسية مع بداية المفاوضات إسقاطاً للحجة كي تستقدم، إذا ما فشل الحوار، القوة الضاربة التي ستساعد الجيش العربي السوري على سحق الإرهاب؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى