صغار عمالقة يحترفون الأحلام ويرسمون الأمل

عبير حمدان

يملك الأطفال المقدرة على تطويع الواقع بما يشبه أحلامهم الكبيرة بنقائها، فيصبح اللون عالماً مختلفاً بخطوط مميزة تقارب الاحتراف. لكل طفل موهبته الخاصة، ويكفي أن نأخذ بيده كي يطلق العنان لطاقاته الإيجابية إلى المدى الأبعد… هنا نرى الأطفال نجوماً، ورؤيتهم الفنية هي الحدث.

معرض «أطفال مبدعون» أضحى محطة ثابتة في جدول نشاطات «النادي الثقافي العربي» بإشراف مباشر من مقرّرة اللجنة الفنية فيه الفنانة التشكيلية أُسيمة دمشقية التي تترك دوماً المجال للفنانين الصغار كي يعبّروا عن ذواتهم من خلال لوحاتهم كما يحلو لهم، وبذلك تحثهم على العطاء والتنافس الجميل.

هذه السنة، أتى المعرض بنسخته الرابعة، بإيقاع مختلف، إذ إنّ اللوحات خرجت من إطار الموهبة الفطرية، وأظهرت احترافية عالية وثقة راسخة بما تفعله الفرشاة على القماش. هم محترفون في أحلامهم ومهرجانهم الملوّن، يقدّمون للناظر عالماً مشبعاً بالفرح والحبّ، عالماً يشبههم بما يكتنفه من عفوية وبراءة وأمل بغدٍ أفضل.

لا يحتاج الإبداع الفطري إلى مقدّمات، ولا يمكننا أن نطلب من الأطفال اختيار عباراتهم. يكفي أن نتلقف الشعاع المنبعث من بريق عيونهم، لندرك تفاصيل المكان والزمان على قياس أدوات الرسم ومساحة العرض التي تعبّد لهم طريقهم خارج دائرة الحلم الصغير، إلى فضاء حقيقيّ ممهور بتواقيعهم.

عشرون طفلاً ترواحت أعمارهم بين 4 و14 سنة، قدّموا للمتلقّين عالمهم البهيّ، واستحقوا شهادات التقدير والميداليات التي منحهم إياها النادي. جميعهم يستحقون الذكر في سطورنا، لكن المهنية تحتّم علينا الاختصار.

مكحل والبرجي: موهبة مقترنة بالدراسة

تتعلّق كارين مكحل 11 سنة بالنجوم، فهي تلك الطفلة المتأرجحة بين الموهبة والنضج. وتحدثنا بتلقائية عن خطوطها فتقول: «أحبّ الرسم كثيراً، وأمي أول من اكتشف موهبتي وهي التي شجعتني. أشارك في المعرض بثلاث لوحات، منها لوحة لأمي رسمتها في عيد الأم. وأرسم الطبيعة كما أراها وأحبها».

بدت إحدى لوحات مكحل متقنة وكأنها صورة مطبوعة، ما يُظهر أهمية صقل الموهبة بالدراسة. إذ إنها تتابع دروساً في الرسم. وتؤكد أنها ستكمل في هذا المجال حتى النهاية. وعن الطبيعية التي جسّدتها في لوحتها تقول: «استعملت الألوان الزيتية وما رسمته نابع من خيالي، واخترت أن يكون لون الماء انعكاساً للسماء عند المغيب، إنما يمكنني أيضاً أن أرسم منظراً طبيعياً مرئياً وأظن أن ذلك أسهل».

تضحك مكحل لفكرة أن يكون لها معرضها المنفرد وتجيب بعفوية محبّبة: «شاركت في معرض أقيم في البقاع، واليوم أشارك في هذا المعرض، واقتربت من احتمال أن يكون لدي معرض منفرد».

تحبّ هدى البرجي 7 سنوات أن ترسم اللوحة الأصعب وعن لوحاتها المشاركة في المعرض وتقول: «أحببت أن أرسم لوحة الطائرين لإنها صعبة. وأنا نقلتها عن صورة ولونهما أسود، لإنهما في الظل والشمس خلفهما، ورسمت أيضاً لوحة الشاطئ والمركب ولوحة لأمي».

البرجي تتلقى دروساً في الرسم وتقول إنّ أمها تشجّعها، وهي شاركت في معرض أقامته البلدية في قريتها وتشارك اليوم في معرض «أطفال مبدعون» للمرّة الأولى.

جميل حرب والفرح اللوني الصاخب

برزت مشاركة جميل حرب الطفل الذي يعاني من اضطراب أطياف التوحّد «Autistic spectrum disorders» بشكل كبير. إذ إنّ لوحاته تبعث على الفرح بألوانها الصاخبة والكولاج الذي منحها رونقاً مختلفاً. وقد تحدثت والدته رنا قاروط حرب عن موهبته وكيفية تعاونها معه قائلة: «هذا ليس المعرض الأول الذي يشارك فيه جميل، وهو رسم ونفّذ مئة لوحة خلال شهر واحد، وبدأ بمعرض منفرد في دار المصور. واختارت منها دار الخيّاط الصغير 12 لوحة كبطاقات بريدية. وكتبنا على كل لوحة خاطرة عن جميل».

لكن هل يعبّر جميل عن نفسه من خلال الرسم والكولاج؟ تجيب والدته: «لا أقدر أن أقول أموراً معقدة عن جميل، وهذا العمل الذي ترينه أمامك لا يمكنه تنفيذه وحده، أنا أساعده في اختيار أدوات الكولاج والألوان، وهو الذي يعمل على تشكيل اللوحة، ومن يعرف طبيعة الشخص المتوحّد يدرك أنه من الصعب عليه العمل من دون مساعدة، ربما حين يبدأ بالعمل بشكل فردي يمكنني القول إنه تعبير عمّا في داخله».

هيفاء قاصوص الفنانة الصغيرة

هي المشاركة الثانية للطفلة هيفاء قاصوص 5 سنوات ويمكن القول إنها تفوقت على والدها الفنان السوري هادي قاصوص في تشكيل الفكرة التي تشبهها. وقد يصعُب عليها التعبير بالكلام عن موهبتها اللافتة، لكن تكفي بضع كلمات بريئة لهذه الفنانة الصغيرة لندرك مدى تميّزها حين تقول: «رسمت الأعشاب والشمس والجبل والفراشات، وأنا أرسم أحسن من بابا، وهذا بيتنا الذي نعيش فيه…».

بدا بيت قاصوص كالقصص الخرافية التي يحبّها كل الأطفال بلونه الأحمر ومحيطه الأخضر، تظلله زرقة السماء الممتزجة باللون الأبيض، براءتها حجبت كل الغيوم وجعلت الحلم ممكناً. ولم تنسَ هيفاء الإشارة إلى أنها وحدها ترث موهبة والدها «أختي لا تعرف أن ترسم، وتوسّخ ملابستها، أما أنا فلا أوسّخ ثيابي بالألوان».

تاج الدين: الفن موهبة والرسم دراسة

يفخر الفنان السوري بشار تاج الدين بالنتيجة التي حققها تلامذته وتجلت بشكل واضح من خلال اللوحات التي توزعت على جدران قاعة العرض. ونسأله بشكل سريع عن أهمية تحصين الموهبة لدى من يملكها فيقول: «الطفل فنان بالفطرة، ولكن لا يكفي أن يملك الموهبة ليحقق الاستمرارية. أنا أحب أن أوضّح وبشكل مباشر أن الرسم يتطوّر من خلال الدراسة، والفن موهبة لمن يملكها، وهي تظهر في عمر مبكر. كل الأطفال يحبون الرسم، ودور الأهل مهم في هذا الإطار، ثم يأتي دور المعاهد والاساتذة لتلقينهم الأساسيات التقنية وكيفية وضع الظلال والمسافة، ولاحقاً يتم إطلاعهم على المدارس الفنية الموجودة، وهي مراحل ضرورية. وبعد ذلك قد يصبح لكلّ منهم أسلوبه الخاص. وفي ظل هذا الزمن المحكوم بالتطوّر، يمكن القول إن كل فنان مدرسة بحدّ ذاته، وأنا أرى في هؤلاء المبدعين الصغار المستقبل الواعد».

يُختَتَم معرض «أطفال مبدعون ـ 4» اليوم، حاملاً معه باقة من الأمل الطفولي المشبع بفرح اللون، باقة ستعود لتتفتح في السنة المقبلة، وربما تضمّ المزيد من المبدعين. يُذكر أن المشاركين في المعرض هم: أمير جمعة، جمانة الرفاعي، حمزة كايد، جميل حرب، راما حرب، سيليا بدران، سارة حسن، صبا حمّود، كارين المكحل، ليا شداد، لين عبد الله، لين أورفلي، لين فقيه، مروان لبنان، مريم حمدان، نينا لبنان، هبة حرب، هيفاء قاصوص، هدى البرجي، وياسمينا قدوحة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى