في ذلك العشاء… حزب الله الأكثر حضوراً

روزانا رمّال

الخطوات السعودية في لبنان منذ ما يقارب الشهرين تنحصر ضمن أجندة أساسية تبنّت موقفاً متشنّجاً من حزب الله خاضت على أساسه حرباً في كافة المحافل القادرة على تشويه وعزل وإقصاء الحزب في المنطقة، وهذا الموقف استعر بشكل أكبر وبرز بعد اشتداد الأزمة السورية كأساس أزمة مفتوحة في المنطقة سجّلت تحوّلات جدية أولاً وثانياً إثر حرب اليمن والموقف الذي جاهر فيه حزب الله، وكان الأكثر استفزازاً للمملكة ونقطة بداية التصعيد، وهو تبني الحزب دعم اللجان الشعبية وأنصار الله في وجه التدخل السعودي، إضافة إلى رفع الحرب باليمن إلى مصاف مشروع أميركي «إسرائيلي» سعودي مشترك من دون بذل جهد كبير للحفاظ على أفضل العلاقات مع السعودية أو دبلوماسيتها في لبنان، بالإضافة إلى تبني الحزب سقفاً أعلى مما كانت تتوقعه العائلة الحاكمة في الرياض، وهو اعتبارها أحد أبرز الجهات المموّلة لـ«داعش» والقوى التكفيرية في المنطقة وأهمّ شركاء واشنطن وتل أبيب فيها.

مسألة تأييد الحزب للشعب اليمني مسألة مبدئية لم يكن مستعداً للمسايرة فيها، حتى ولو كلف هذا الأمر انتكاسة في العلاقة مع السعودية وحلفائها، وكشف ترابط أزمات المنطقة ببعضها وتأثيرها على مواقف الحزب داخلياً.

قرّرت السعودية عزل حزب الله محلياً بشكل مباشر عبر استراتيجية جديدة نجحت في بث الريبة في صفوف الحلف الواحد لدى طرفي النزاع في لبنان، واستطاعت بشكل خاص رسم أسئلة في صفوف 8 آذار حول صحتها وظروفها. وهنا تأتي مبادرة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وهو الاسم الثاني القوي الذي ظهر بين صفوف الحلف الواحد على شكل مرشح حليف لحزب الله، لكنه ليس مرشحاً رسمياً من قبله، فوقع التباس كبير بين الأحزاب المسيحية من الصف نفسه خصوصاً لجهة اعتبار قبول فرنجية لمبدأ ترشيحه من قبل الحريري أمراً ليس محبّذاً في وقت يطرح فيه حزب الله زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون مرشحاً أوحد لرئاسة الجمهورية.

رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من جهته فرض حضوراً أكبر للخلاف بترشيحه العماد عون للرئاسة بعد البت في ملف المصالحة العالق منذ سنوات طويلة، وهنا بات حزب الله أمام امتحان أراد الخصوم وضعه إزاءه، فكان أول حديث تلفزيوني لجعجع بعد دعمه ترشيح عون يتمحور حول تساؤلات عن عدم مضيّ حزب الله ونزوله إلى مجلس النواب لانتخاب عون رئيساً طارحاً مصداقية الحزب أمام اللبنانيين ومشكّكاً فيها.

عزل حزب الله محلياً لوحظ بتوجه خصومه نحو حلفائه المسيحيين بمحاولة لتكريسه في خانة أكثر تطرفاً وانعزالية وسحب قدرته على الحسم وتعريته أمام حلفاء كان من المفترض أن يتخلّوا عنه بالمفهوم المعمول فيه من قبل الأطراف الإقليمية التي خططت لدعم ترشيحين كشفت التطورات ضلوع الغرب والسعودية فيهما نتيجة أو تنسيقاً، فاعتبار ترشيح فرنجية ارتجالاً حريرياً غير وارد عند اللبنانيين في أكثر الأحوال تفاؤلاً.

عزل حزب الله عربياً وإقليمياً في المحافل الدبلوماسية والسياسية توالى بمسعى سعودي لتصنيفه إرهابياً خصص لهذا الغرض مساحة كبرى من الجهد واللقاءات الكفيلة في خلق أجواء الحرب المفتوحة عليه عربياً. كلّ هذا استتبع بخنق وسائل إعلام حزب الله وحجبها أو إنزالها عن الأقمار الصناعية المملوكة أو المموّلة سعودياً.

كلّ هذا بدا تضييقاً سعودياً مباشراً وحرباً مدروسة مع حزب الله حتى لحظة ظهور اليد الأميركية في ملف العقوبات المصرفية والمالية عليه، وهنا تقدّم مصارف لبنانية نموذجاً من الانخراط الكامل بالمطلوب أميركياً، وجزء منها على علاقة جيدة بحلفاء المملكة في بيروت.

علي عواض عسيري… سفير السعودية في لبنان يتصدّر الحدث اللبناني بمشهد فيه الكثير من التملّق والغموض السعوديين استغلت فيه الرياض توق اللبنانيين لمشهد جامع في ظلّ التباعد الذي أنتجه الفراغ الرئاسي، فاستضاف أغلب القيادات اللبنانية الرئيسية على مأدبة عشاء في مقرّ إقامته، حضرها رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلاً بالوزير علي حسن خليل، رئيس الحكومة تمام سلام، الرؤساء السابقون أمين الجميّل، ميشال سليمان، سعد الحريري، ميشال عون، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، ووزراء ونواب حاليون وسابقون، إضافة إلى رئيس حزب القوات سمير جعجع، ورجال دين من مختلف الطوائف والمذاهب.

أرادت السعودية تقديم مشهد «أفلاطوني» عن لبنان يحكي الكثير من نيات عزل واضحة لحزب الله، فالمملكة أرادت إظهار أنّ البلد بألف خير، وأنّ كلّ الأفرقاء قادرون على التلاقي «لولا» حزب الله، مكرّسة فكرة تغييب حزب الله كفريق أساسي لبناني يمثل شريحة أساسية واسعة، حاولت تهميشها وتأكيد أنها لا تنسجم مع كلّ القوى المجتمعة التي مثلت إلى حدّ كبير جداً معظم اللبنانيين بشتى انتماءاتهم سياسياً ودينياً.

«لولا حزب الله، كلّ شيء كان ليكون بألف خير»! هذا ما تحاول الرياض أن تسوّقه… فالمفاوضات معها ممكنة والحوار قادر على إنتاج حلّ، لكن كلّ ما هو مطلوب إظهار المزيد من تباعد الأفرقاء عن حزب الله وهي مستعدّة للاقتراب أكثر وتظهير الحزب خارج الانتماء اللبناني ذا أجندة إقليمية لا تنسجم مع نسيجه. تستغلّ السعودية «غايات محلية في نفس يعقوب» بين رئاسية ومالية وثقافية… وتدّعي قربها من كلّ اللبنانيين باستثناء حزب الله في حرب أعلنتها بكلّ ظروفها من دون أن تثمر نجاحاً يبنى عليه.

عشاء «عزل حزب الله»… سقطة سعودية جديدة وسلة فارغة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى