الخرق الأمني في سورية…

rozana ramma updated

روزانا رمّال



ليس حذر الكرملين الشديد اللهجة وتعبيره عن الاستنكار الواسع للهجمات الإرهابية التي تعرّض لها الساحل السوري يوم امس 23 أيار إلا دليلاً على دقة الرسالة التي أرادت الاستخبارات الدولية إيصالها للسلطات السورية وحلفائها بالمنطقة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسارع للتأكيد على استعداده لمواصلة التصدّي «للتهديدات الإرهابية» إلى جانب شركائه السوريين مقدّماً تعازيَه للرئيس السوري بشار الأسد. الهجمات حملت أثراً بالغاً ومتعدّد التفسيرات، لكنها من دون شك استنفرت حلفاء الرئيس السوري بشكل أوسع من تلك التي كانت تتعرّض لها مختلف المناطق السورية منذ خمس سنوات وهي عمر الأزمة او «الفوضى» السورية. فالأرض باتت ملعباً لكلّ أجهزة استخبارات الدول والتطرف فعلى ما يبدو تتمادى الدول الداعمة في فرد مساحة هامة لدعم هذه القوى كي تحقق نتائج جديدة ومحرجة على الأرض. وهنا يتكشف الزخم المستجدّ الذي بثته الدول الداعمة للإرهاب منذ شهرين تقريباً والتي قدّمت أكثر من نموذج ورسالة في الوقت نفسه لتؤكد على عدم الاستسلام أمام تقدّم الجيش السوري من جهة وأمام العمليات العسكرية الروسية التي قلبت الوضع في أغلب مناطق مشاركتها لصالح الحكومة السورية، مؤكدة نجاح مهمتها في حماية النظام.

تنقل وسائل إعلام دولية كبرى مثل «رويترز» أخبار التفجيرات المتتالية مستخدمة تعبير معقل الأسد الساحلي على المناطق المستهدفة، بالإضافة إلى التذكير برمزية الوجود الروسي. فالهجمات هي الأولى من نوعها في طرطوس، حيث توجد منشأة بحرية لروسيا «حليفة الأسد»، وفي جبلة الواقعة بمحافظة اللاذقية قرب قاعدة جوية تتولى روسيا إدارتها. وهنا فإذا كانت رسالة الاستخبارات الدولية واضحة المعالم لجهة اعتبارها نقطة في مرمى الأسد، فإنّ الهدف المزدوج في بث حالة إرباك بين الحلفين الروسي والسوري واضحة المعالم، خصوصاً لجهة رسالة الخرق الأمني الذي أرادته القوى الإقليمية والدولية المنسقة والمخططة للتفجير وغيره من الرسائل التي سبقته فمؤشر نجاح أكثر من تفجير في أوقات متقاربة وما يعنيه هذا من الفوضى الناتجة عن تنسيق وتخطيط دؤوب لنجاح المهمة التي لم يواجه مثلها الساحل السوري منذ الثمانينيات يعني حضور خصوم الأسد في تلك المنطقة أو على الأقلّ قدرة على التحرك وتحقيق أهداف مباشرة.

وزارة الخارجية السورية أرسلت خطاباً للأمم المتحدة تقول فيه «إنّ التفجيرات تعدّ تصعيداً خطيراً من جانب الأنظمة المتطرفة والمعادية في الرياض وأنقرة والدوحة».

تتحدّث دمشق هنا مباشرة عن دور إقليمي وتحضير مسبق، وتؤكد على الجهة الفاعلة، ومن جهتها تعلن «داعش» مسؤوليتها عن الهجمات في المدينتين. وقال «التنظيم» إنه «استهدف أبناء الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد».

تتحدّث التقارير الأمنية عن «منطقة نجت حتى الآن» من أهوال الصراع الدائر في البلاد والمقصود الساحل السوري المستهدف، ما يدلّ على اعتبارها إنجازاً أو حدثاً غير عابر من عمر الأزمة السورية. وبمتابعة سير الأحداث الأمنية والدبلوماسية في سورية، فإن التناقض الذي يشوب العمليتين يشرح التصعيد غير المسبوق التي تعيشه مجمل المحافظات السورية والضغط على الأسد وحلفائه قبل جولة جنيف المقبلة بدا في أشدّه، فالأمر لا يتوقف على انفجارات الساحل بل يتعداه لكونه أحد عناصر سلسلة متكاملة من الحضور الدولي الاستخباري الكثيف الذي لم تشهده سورية. وهنا يأتي الحديث عن الخرق الآخر الذي يتمثل النجاح في استهداف القائد في حزب الله مصطفى بدر الدين فتكتمل سطور الرسالة.

عرين الأسد الذي أرادت مجموعات التكفير والدول المموّلة اعتباره ساحة مفتوحة قابلة للانزلاق أكثر في دوامة الدماء واغتيال بدر الدين في أوقات متقاربة سيؤسسان لخطوات مفصلية ومواقف تحتم إنتاج عناصر جديدة في الصراع وإلغاء أخرى، وهنا فإنّ التطور الأمني والخسائر التي عاشتها المعارضة في غوطة دمشق الأسبوع الماضي تؤكد على عدم تراجع النظام وحلفائه تحت أيّ ضغوط أو شروط، ويشير إلى اعتبار كلّ الأطراف المشاركة على الأرض السورية أكان حزب الله أو سورية أو إيران أي خسارة مهما كان حجمها على أنها واحدة من أشكال فاتورة التصدي للمؤامرة التي يعيشها هذا الحلف حسب مفهومه وانخراطه فيها منذ اللحظة الأولى لانكشاف نيات عدم التراجع الذي لم يحصل حتى الساعة عند الجهات التكفيرية ما يعين عدم القدرة على حسم الأمور سياسياً لجهة اعتبار المشهد الدبلوماسي القادم واعداً أو منتجاً، فالأرض تشتدّ سخونة ويبدو الصيف الحار أكثر حضوراً منه إلى الهدوء، لكن هذا وعلى الرغم من سواده قد لا يكون إلا مؤشراً على ضغط يسرّع الانفراجات، وهذا غالباً ما يحدث أو يسبق الحلول.

تراجع الأسد عن أيّ بند يضع سورية أمام حالة تدويل تنسف تضحيات أو إنجازات الجيش السوري غير وارد، وهذا ما تدركه المجموعات وداعموها، لكنها بالوقت عينه غير قادرة على الانكسار والخضوع لمبدأ تقدّم الأسد وحلفائه أو التسليم بالأمر الواقع من دون الرهان على أكبر قدر ممكن من الأذى المعنوي والمادي وتبدو أجواء التصعيد المقابل تتصدّر الأيام المقبلة، فوزارة الدفاع الروسية تنشر معلومات عن نيات جبهة النصرة الهجوم على دمشق ومحاصرة الجيش السوري في حلب. ومن غير المستبعَد هنا أن يكون هذا التصريح مقدّمة تبرّر الهجوم المرتقب الذي وعد به محور سورية وروسيا وإيران ومعهم حزب الله والمخطط الذي جهدت القوى الدولية لنسفه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى