بين لقاء البابا فرنسيس وشيخ الأزهر… هل ثبتت مذهبية الصراع؟

روزانا رمّال

يُشيد رئيس مجلس النواب نبيه بري باللقاء الذي جمع بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر والذي تمّ في الفاتيكان قبل يومين، لما له من تأثير على بثّ روحية التلاقي والمحبة والتعاون بين الأديان، خصوصاً في هذه الأوقات… الأكيد أنّ الرئيس بري لا يغفل عن الكثير من الأمور التي باتت ترتسم كعلامات استفهام على وجوه شعوب المنطقة، فكلّ الدماء التي تسيل من الساحل السوري حتى حلب وصولاً إلى العراق وليبيا واليمن، إذا لم تكن دماء مذهبية ودينية فما هي إذاً؟

تتحدّث التقارير الأمنية الأميركية، منذ ما بعد حادثة 11 أيلول/ سبتمبر 2001 عن صراع سنيّ شيعيّ في المنطقة يُعمل معه على أجندة تهجير منظمة للمسيحيين فيها حتى تبقى خالية من أيّ عنصر يترك حرجاً ما في المجتمع الدولي، فالمسيحيون في الشرق يشكلون للحكومات الأجنبية حجر عثرة لتنفيذ المشاريع التي من المفترض أن تقوم على أساس طائفي يسهّل قيام الكيانات الموعودة، والتي على أساسها قام مشروع «تنظيم الدولة ـــ داعش» أو «النصرة» وأخواتهما من بقية القوى التكفيرية.

يكاد لا يغيب ملف الصراع الطائفي عن أبرز الملفات المطروحة في معهد واشنطن للدراسات أو ندوات رئيسية مثل جامعات كامبريدج وندوات شهرية تعقدها مجلات كبرى معنية بسياسات الشرق الأوسط، مثل فورين بوليسي، وهي غالباً تستضيف ديبلوماسيين ووزراء خارجية حاليين وسابقين عايشوا فترة هامة من عمر الصراع وعاينوها عن قرب بالشرق الأوسط، أو في التجمّعات واللوبيات الإسرائيلية في الولايات المتحدة التي تُعقد للغرض عينه مثل «معهد الأمن القومي الإسرائيلي» وغيرها من المهتمين وهذا الإجماع الأكاديمي على تعزيز حضور الصراع في المطبوعات والمنشورات والوثائق يدلّ على اعتبار العنصر المتمثل بالخلافات داخل الدين الواحد عنصراً أساسياً لا يجب سحبه من التداول كركيزة لخرق مجتمعات المنطقة العربية وتنفيذ المشاريع الممكنة فيها، وهنا فإنّ الحديث عن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 كنقطة بداية للمجاهرة بالمخاوف الغربية من التطرف الإسلامي لا يبدو أنه انتهى عند الأميركيين الذين يشكلون مثالاً واضحاً على نيات إبقاء روح التطلع لكشف الحقيقة حتى لا يُغلق الملف أو الصراع، وها هو يصوّت اليوم مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على ما أسماه «قانون العدالة ضدّ رعاة الإرهاب» ليفتح مواجهة محتومة مع السعودية إذا «مرّ» من دون اعتراض الرئيس أوباما الذي يعد بإيقافه. وهي نفسها هنا المواجهة التي كان قد تمّ فتحها مع العراق إبان حكم صدام حسين.

لا يهمّ هنا نيات الأميركيين بمحاسبة السعودية جدياً، لكن الأهمّ هنا وضوح استخدام هذه الفزاعة للتلويح في كلّ مرة أرادت واشنطن تهديد دول شرق أوسطية أو كـ «فركة اذن» يمكنها أن تقلب مواقف حلفائها لصالحها. فهذا الأمر يشكل هاجساً كبيراً عند السعوديين اليوم الذين يخشون مثل هذا التبنّي، وعلى هذا الأساس تمرّر المشاريع الغربية بالمنطقة بين ابتزاز واستدراج وتلويح بفزاعة التطرف. فالاتهام الذي وجّهه أوباما، في «عقيدته» المنشورة في مجلة «أتلانتيك»، إلى السعودية بتغذية الإرهاب هو احد ابرز اتهاماتها بالتطرف والمذهبية واستخدام الاسلوب نفسه لاتهام قوى معادية لإيران بتغذية الإرهاب أيضاً، كلها تصبّ في خانة استخدام الملفات الدينية المعدّة سلفاً لأجل هذه الغاية.

السؤال هنا يناقض نفسه بطبيعة الحال، فمثلاً اذا كان الصراع في الشرق الاوسط مذهبياً بامتياز، لماذا لا تشكل لقاءات من هذا النوع بمستوى لقاء شيخ الأزهر وبابا روما محطة أساسية تؤثر على تنفيس الاحتقان المذهبي او الديني بين الغرب والشرق؟ لماذا تمرّ زيارات كهذه اليوم على أنها «الأضعف»، بعدما كانت تشكل زيارات كبرى برمزيتها وتداعياتها التي غالباً ما كان يبنى على أساسها أجندة عمل وتعاون وتقريب بين المذاهب والشعوب لإرساء السلام والمحبة؟

إذا كانت الدماء التي تسيل في المنطقة هي دماء مذهبية بامتياز، لماذا لا تشكل لقاءات بعض القوى الإسلامية السنية والشيعية في مؤتمرات شرق أوسطية، بغضّ النظر عن التشنّج الحاصل فيها مثل مؤتمر الدول الإسلامية، حيث تحضر فيها ايران بكلّ رمزيتها الشيعية ومعها العالم السني برمزيته، أيّ دفعة باتجاه تأسيس مؤتمر شيعي – سني جامع في المنطقة، أو حتى لماذا لا تؤثر على إرخاء أجواء من الطمأنينة في نفوس مسلمي المنطقة؟ وبالعكس، إذا تمّ التسليم جدلاً بفكرة أنّ مسألة انعدام وجود قمم روحية سنية شيعية مشتركة كبرى هو الذي يساهم في التباعد الديني والطائفي في المنطقة، فإن الجواب هو أساس البحث برمته لأنه يصبّ في خانة اعتبار هذا الرفض لمثل هذه المؤتمرات الدينية الكبرى نتاج تباعد سياسي غير قادر أن يكون تابعاً للسلطة الدينية أو للشرع الإسلامي الذي يدعو للوحدة والمثال هنا العلاقات السيئة الإيرانية السعودية التي تحول دون عقد لقاءات كهذه مع مرجعيات كبرى من الطرفين، يضاف إليهما آخرون من العالمين العربي والإسلامي، فتبرز العقدة الأساسية، حيث يخفت حضور السلطة الدينية مقابل السلطة السياسية بعكس ما يروّج عن انتشار حرب مذهبية لم تحصل حتى الساعة بدليل التماسك الذي يكشفه لبنان كمصغّر عن تفاهمات سنية شيعية مسيحية داخل محور موالٍ لإيران من جهة، وتفاهمات سنية شيعية مسيحية داخل محور موالٍ للسعودية من جهة أخرى.

زيارة شيخ الأزهر للبابا فرنسيس على أهميتها تفقد اليوم للأسف قدرتها على التأثير وخلق أيّ جو من أجواء السلام المنشود، فالمشروع الغربي سياسي بامتياز لم ينجح حتى الساعة بمذهبة الصراع ورفعه عن الحساب السياسي البحت، بدليل انكفاء التطرف وتقليص حضوره بمجرد توقيع تسويات دولية وإغلاق الملفات سياسياً!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى