أردوغان.. وخيال الفيلة

نظام مارديني

هل يحتاج أردوغان لتعديل الدستور كي ينتقل إلى النظام الرئاسي، الذي يلهث وراءه منذ سنوات؟

ولكن هل لهذا السؤال أسبابه ودوافعه أم أنه شيء من الترف الذهني والبعد عن الواقع؟

أحد المسؤولين الأتراك يقول بوضوح لقد «دخلنا فترة نظام رئاسي «فعلي» ستنفذ فيه سياسات أردوغان بكل وضوح»، ومن هنا ولأجل تحقيق مصالح شخصية وتطلعات قيادية وبأي أسلوب، لا يمانع أردوغان وحزبه من نشر الخطاب العنصري والطائفي حتى لو أدى إلى انقسام مجتمعي تركي، خصوصاً إذا علمنا أن خياله أقرب ما يكون إلى خيال الفيلة، حيث تحطيم كل شيء للحصول على لا شيء.

موسكو تسخر كثيراً حين يتحدّث أردوغان عن الديمقراطية والعنف في سورية، وهو الذي يقتل الأكراد داخل بلاده بالشوكة والسكين، وهناك من همس لنا أن أردوغان «يهتز طرباً كلما وضعت على مكتبه لائحة بعدد القتلى الأكراد في ديار بكر وغيرها».

فإلى أين تسير تركيا تحت قيادة أردوغان؟ هذا السؤال يطرحه كل مهتمّ بشؤون الشرق الأوسط، الذي يلعب أردوغان فيها دوراً أساسياً، ما يذكّرنا برواية «البطّ» للتشيكي ميلان كونديرا، حيث يقول: «لا غد، لا جمهور.. أرجوك يا صديقي كن سعيداً! لديّ إحساس غامض أن أملنا الوحيد معلق على قدرتك أن تكون سعيداً».

الدور التركي في سورية يبدو كحالة مقامر يزيد من رهانه كلما مُني بخسارة جديدة على طاولة القمار. وفي كل مرة يزيد فيها الرهان أملاً في استرجاع ما خسره، تزيد الخسارة. وليس هناك أمل في الفوز أو التعويض حتى الآن.

من المفارقة أن أردوغان، بسياسته التي تفتقد أي بعد استراتيجي في التورط في المشاكل الإقليمية، بدأ يشكل عبئاً على منجزاته الاقتصادية والسياسية. وأهم نجاحاته الآن تتمثل في تحويل تركيا إلى مسار دولة شمولية تختنق فيها الحريات، ويحتكر السلطة فيها حزب واحد، وتتزايد فيها معدلات الفساد.

وإذا أردنا الآن أن نتوقف قليلاً، لنضع كشف حساب، فسنرى تراجعات خطيرة تعصف بكل تلك التوقعات المتفائلة عن رخاء اقتصادي تركي يصونه نظام سياسي ديمقراطي شفّاف، تقوم فيه المؤسسات بدورها في توزيع السلطة والمحاسبة والرقابة.

ففي تقرير لمجموعة كريدت سويس المالية عام 2014، يتضح أن 10 من السكان يمتلكون 78 من ثروة البلاد، بينما يزداد الفقراء فقراً. وهذه الفجوة تبدو في ازدياد، ما جعل تركيا تحتلّ المرتبة الثالثة بين الدول ذات الفجوة الاقتصادية الأكبر بين الفقراء والأغنياء، في مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.

يقول الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي «حين يروي لك العراقي نكتة لا تدري أتجهش في الضحك أم تجهش في البكاء؟»،السبب في ذلك هو «ميتولوجيا الأنهار».. في مصر «مثلاً» حيث المواويل الجذلى، يفيض النيل في شهر آذار حاملاً معه الطمي والخير إلى الفلاحين الذين يرقصون على ضفافه، أما في العراق فيفيض دجلة في تموز، ويخرّب المحاصيل. ينتحب الفلاحون وينتحب معهم الملوك، منذ المرثيات السومرية الكبرى وحتى اليوم.

ما ينطبق على العراقيين ينطبق على الأتراك، مع أن بلاد الأناضول تضج بالخيرات.. هكذا خلقهم الله ومعهم تلك «التكشيرة المقدسة»، بحسب وصف يشار كمال. لا لغة لديهم سوى السيف وسوى الشاربين اللذين يدور حولهما التاريخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى