خيارات عراقية صعبة.. تتجاوز أمنه الذاتي إلى الإقليم.. وسط مطامع أميركية

محمد شريف الجيوسي

أضحت معركة تحرير الفلوجة بالتنسيق مع التحالف الأميركي بعد حسم الرمادي والرطبة، وبإشتراك أطراف عراقية عديدة على رأسها الجيش العراقي، في حكم المحسومة، ما يتيح تأمين الطريق الدولية مع الأردن وطرد «داعش» والعصابات الإرهابية بعامة من غرب العراق، المحاذي لكلّ من سورية والأردن، الأمر الذي يفترض انعكاسه إيجابياً على الاوضاع الإقتصادية فيهما.

وقد تزامن وسبق إعلان عزم العراق الرسمي حسم هذه المعركة و اجتياح آلاف المتظاهرين العراقيين، للمنطقة الخضراء في بغداد، واقتحام متكرر لمكتب رئيس الوزراء العِبادي، ومطالبات باستقالة جماعية لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس النواب، في خطوة لو تمّت لأحدثت، فراغاً دستورياً، يهدّد بتصدع الدولة العراقية، فوق ما هي عليه من أزمات، و تمدّد الإرهاب وليس فقط إستكمال تحرير غرب العراق.

لا شك أنّ العراق يعيشُ حالياً مرحلة دقيقة، فتحريره من العصابات الإرهابية أولوية رئيسية بالنسبة له، وبدرجة ثانية بالنسبة إلى سورية والأردن، لكن دخول التحالف الدولي الأميركي على هذا الخط، وعقْد اتفاقات مع مؤسسات رأس المال العالمية، سيُسقط الى حدّ كبير الإنجاز الذي حققه العراق بإخراج القوات الأميركية من أراضيه، ويُفرض تبعية جديدة لحلف الناتو ولمؤسسات رأس المال العالمية بكلّ ما يستتبع ذلك من انتقاص في القرار العراقي السياسي والاقتصادي المستقل.

وفي آن، سيتسبّب إيلاء الإصلاحات السياسية الداخلية أولوية على تحرير العراق من العصابات الإرهابية، استقرار هذه العصابات في مناطق سيطرتها واحتمال تقدّمها في مناطق جديدة، واستدراج بطانات حاضنة، وقد يعمد التحالف الدولي إلى إيجاد صيغ تفاهم واقعية معها تحفظ مصالحه في المناطق التي تسيطر عليها، ويتحقق بذلك جعل التقسيم في العراق حقيقة واقعة.

بهذا المعنى فإن العراق يعيش مأزقاً.. ليس سهلاً.. والصحيح أن تولى مهمة تحرير العراق على ما عدا ذلك من خيارات، فالإصلاحات السياسية لا تستقيم مع استمرار احتلال أراض عراقية بما فيها الفلوجة، والإصرار على الإستمرار في التظاهر واستعراض القوة بغض النظر عمن يكون خلفها، وهي لن تثمر غير تعطيل دحر الإرهاب وإسقاط مؤسسات الدولة.

وفي المقابل فإنّ مشاركة التحالف الدولي الأميركي في تحرير العراق من الإرهاب، والتعامل مع مؤسسات رأس المال العالمية سيدخل العراق مجدّداً في متاهة التبعية لهذه المؤسسات وللولايات المتحدة الأميركية وتحالفاتها السياسية والعسكرية، وسيتعدّى هذا الخطر العراق فالأطماع الأميركية لا تُقتصر عليه، بل تتعداه إلى سورية، حيثُ أعلن عن وصول قائد عسكري أميركي كبير إلى شمالي سورية لتكريس ما أطلق عليه تحالف كردي عربي تمهيداً لـ تحريرالرقة خلافاً لرغبة الدولة الوطنية السورية، ودون تنسيق مع روسيا الاتحادية، ما يؤكد أطماع الولايات المتحدة ليس في العراق فحسب وإنما في المنطقة ككل.

لا بدّ أنّ الخيار العراقي الأجدر بالاتباع، تأجيل الإصلاحات التي يحتاجها العراق، وإيلاء تخليصه من العصابات الإرهابية أولوية ولكن بأيد عراقية خالصة، على أن يترافق كلّ تقدّم على الأرض ضدّ الإرهاب، بخطوة إصلاحية جديدة وهكذا.

تبقى الإشارة إلى أنّ الحسم قد ينعكس هجرة واسعة من الإرهابيين الفارين وأسرهم ومناصريهم، من المناطق المحررة والتي يجري تحريرها إلى الأردن، بما يشكل أعباء أمنية حدودية إضافية على الأردن، فضلاً عن احتمالات تسرب إرهابيين عبر اللاجئين وبطرق مختلفة ، كالعبور عبر الحدود السورية المجاورة للأردن إليه، بخاصة أنّ بين إرهابيّي تلك المناطق إرهبيين سوريين سواء كانوا من داعش أو أخواتها، كما قد يحاول بعضهم التسلل إلى شرق سورية وفتح جبهة جديدة هناك، في محاولة للإتصال الجغرافي مع عصابات إرهابية في مناطق مجاورة للجولان العربي السوري المحتل من قبل «إسرائيل».

من هنا، فإنّ معركة تحرير الفلوجة وغرب العراق بعامة، تتخذ طابعاً إقليمياً، سواء سلباً أو إيجابياً، إذ تحاول واشنطن العودة إلى المنطقة بقوة، لكن نجاح العدوان الجديد بثياب القضاء على الإرهاب، لن يُكتب له النجاح غالباً، فالمعنيون بأمن المنطقة الإستراتيجي الحقيقي موجودون على الأرض بفعالية وقوة وعيونهم مفتوحة على الآخر، و بنادقهم جاهزة ومشرعة.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى