مختصر مفيد تركيا تفقد ورقة «داعش»… والسعودية تفقد «النصرة»

تتيح نظرة متفحّصة للحركة التي تختطّها كلّ من موسكو وواشنطن في سورية، إلى أنّ الاصطفاف الأصليّ على ضفتين مختلفتين لكلّ منهما، لا يزال قائماً وحاكماً لمواقف وسياسات كلّ منهما. لكنها تشير إلى نقطة تقاطع ترسم إطار الحركة المشتركة التي لا تظهر على السطح، ويكاد البعض يعتبر ما هو متضمّن في البيانات المشتركة، مجرّد نشاط إعلاميّ مخادع للإيحاء بالتفاهم منعاً للانفجار الكبير الناتج عن التباين الأكبر. لكنّ التفحّص الأعمق يكشف أن تطوّر نصوص التفاهمات يجعل مسيرتها الحلزونية المتصاعدة تدريجياً تعبيراً عن تراكمات تبني هيكلاً يشاد منه طابق جديد بعد كلّ جولة ميدان ترسم حقائق وموازين قوى جديدة.

مثلما شكّلت عاصفة السوخوي أساساً لسحب مصير الرئاسة السورية من التداول كبند دوليّ إقليميّ في التسوية السورية، وجعلته شأناً سورياً خالصاً للتفاوض أو للانتخاب، وذلك ضمن تسوية تفضي إلى حكومة سورية موحّدة يتشارك فيها من يقبلون أولوية الحرب على الإرهاب. شكّلت الوجبة الثانية للسوخوي أساساً لطابق ثانٍ يشاد عليه، هو تحديد أطراف العملية السياسية المنشودة بمن يشتركون بهدنة تستثني أحكامها «داعش» و«النصرة». وجاءت الجولة الثالثة بعد نصر تدمر لتنتج الطابق الثالث من التسوية وعنوانه ترجمة استثناء «النصرة» بالفصل الجغرافي بين الجماعات الراغبة في التسوية و«النصرة».

الأميركيون الراغبون بتسوية كبديل وحيد لعدم تفرّد خصومهم بسورية وإمساكهم بورقة الحرب على الإرهاب، والفوز بها وبسورية معاً، يجتهدون لضمان يدٍ لهم في الجغرافيا السوريّة تمنحهم وزناً في التسوية. ولذلك يقودون حملة الرقّة على «داعش» مع من حضر معهم من قوى سورية كردية وعربية، ويسلسون للروس حملتهم لفصل «النصرة» عن «المعارضات» التي ترعاها السعودية وتركيا، أملاً بحفظ هذه «المعارضات». وبالحصيلة، عين الأميركيين على صيغة حكم جديد لسورية يخوضونها انتخابياً على الرئاسة، ويخوضونها قبلها عسكرياً على «داعش»، وبينهما سياسياً على مضمون الدستور الجديد والعبث بمضامين توزيع الصلاحيات والمناصب وزجّ الطائفية فيها، لكن شرط ذلك أن تخسر السعودية «النصرة» وأن تخسر تركيا «داعش».

سورية وحلفاؤها واثقون من أن سقوط «النصرة» و«داعش» نصف حرب سورية. وواثقون من أنه من دونهما سيسقط حصان الرهان على العبث السياسي والأمني والعسكري وكذلك الانتخابي، ولا يخشون بعدها من عملية سياسية تنتهي في صناديق الاستفتاء على دستور جديد، والاقتراع لرئيس وبرلمان. فالشعب السوري الذي يخوض الحرب وراء جيشه ورئيسه ودولته المدنية سيعرف كيف يحفظهم ويتمسّك بهم في وجه الخداع والمؤامرات والتلاعب الإعلامي.

ناصر قنديل

ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى