نصرالله: الأزمة لم تخلق حواجز بين السوريين والتكفيريون أعداء المسلمين قبل المسيحيين

حاوره سعدالله الخليل

أشار المهندس باسل قس نصرالله مستشار مفتي الجمهورية العربية السورية إلى «قوة أهالي حلب وصبرهم على مواجهة الملمّات والأزمات»، مستشهداً بما قاله الشاعر شبلي الملاط حين كُرِّم في حلب عام 1934 حين قال: «سأخبر أنّ في حلب أسوداً سأعلم أنّ في الشهباء رجالاً». وأضاف خلال لقاء مشترك مع «البناء» و«توب نيوز»: «الوضع في حلب لا يمكن أن يتحمله إلا الرجال فمنذ أربع سنوات عندما بدأ انقطاع التيار الكهربائي 3 ساعات تذمّر الحلبيون أما اليوم فهم لا يرون الكهرباء أكثر من 3 ساعات».

ونوّه نصر الله بصمود أهالي حلب «رغم ما يلاقوه من منغّصات، كغياب العدالة والمساواة في خدمات الحياة اليومية»، لافتاً إلى «أنّ ما يحدث في حلب وتساقط القذائف في كلّ مكان جعل من كلّ مواطن في المدينة مشروع شهيد». وقال: «قبل أيام سقطت قذيفة على دير الأرض المقدسة والذي يضمّ العجزة الذين ترعاهم جمعية مار منصور واستشهدت إحدى النزيلات وللأسف حتى الآن هناك من لا يدرك معاناة الحلبيين».

وأضاف: «حين تلقي الدوائر الغربية التُّهم على الحكومة باستهداف المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، تغضّ تلك الدوائر الطرف عن سلوك الطرف الآخر المسلح الذي يقصف أغلب المناطق التي لا تحوي أي منشآت عسكرية. وحين يُضرَب مركز شرطة وهو المسؤول عن تنظيم الأمور المدنية كما حدث في العزيزية، فإنّ المدنيين يدفعون الثمن إصابات وشهداء بالعشرات».

محطّ أطماع الغزاة

وأكد نصر الله «أنّ حلب لطالما كانت محطّ أنظار الغزاة الذين أدركوا تاريخياً أهمية السيطرة على مفاتيح مهمّة فيها، فحلب مدينة الصناعة ومحطة أساسية في طريق الحرير ولطالما كانت من أهم المراكز المأهولة التي تضاهي كبريات المدن تاريخياً، كلندن وفينيسيا. وبناء عليه فإنّنا نتلمس في ما يحدث اليوم في حلب الرغبة التركية في الهيمنة عليها كترجمة فعلية لأفكار أحمد داوود أوغلو في كتابه العمق الاستراتيجي، وأذكر عندما التقيته في فيينا، وكان حينها ممثلاً ومستشاراً لأردوغان على هامش أحد المؤتمرات، كان مبتسماً وبارداً ويعطيك من طرف اللسان حلاوة».

وأضاف: «بقيت حلب لقرون عدة موضع صراع بين قوتين هما الحثيين والميتادين فراعنة مصر ، فقد كانوا يتسابقون إلى احتلالها بفضل موقعها ومركزها الاستراتيجي وقد دخلها فرعون مصر تحوتمس عام 1473 قبل الميلاد فأصبحت جزءاً من الممالك الآرامية ودمُرت أكثر من مرة عام 853 قبل الميلاد على يد شلمنصة الآشوري ودخلها الكلدانيون عام 612 ثم الفرس الأخمينيون الذين دمّروها عام 540 وهكذا بقيت حلب تحت السيادة الفارسية حتى عصر الإغريقيين عام 332 قبل الميلاد. وقد أطلق الإغريقيون عليها تسمية «بيروية» وتعاقبت عليها الإمبراطوريات. وبالتالي، لطالما شكلت حلب نقطة صراع فهي أول مدينة في العالم وقّعت بيانات وعلاقات تجارية مع أوروبا».

تردّي الخدمات

وشكّك نصر الله في دقة الرواية التي تقول إنّ ما تشهده المدينة اليوم هو انتقام من أهالي الريف الحلبي والإدلبي لمظلومية مارسها تجار حلب وكبار صناعييها على مدى عقود في حقهم. وقال: «المسلحون ليسوا بعيدين عن أطراف الريف الحلبي وإنّ التغلغل الإرهابي في الريف الحلبي يثير الاهتمام في المدينة الكبيرة وليس دقيقاً القول إنّ التجار مارسوا على أبناء الريف جشع تملكهم».

وحول قدرة حلب على العودة إلى لعب دورها الرائد، أشار نصر الله إلى عدد المرات التي دُمّرت فيها مدينة حلب آخرها عام 1130 وكان دمارها جراء زلزال مات بسببه نصف سكانها وعادت لكنها نهضت، واصفاً مدينة حلب بـ«طائر الفينيق».

وأضاف: «منذ عام ألقيتُ مداخلة في حضور البطريرك الماروني قلت فيها إننا نرفض أن نموت وسنبقى نرسل أولادنا إلى المدارس والجامعات ونحن نرفض الموت، وعُرضت علي الكثير من الإغراءات للسفر ورفضت بالرغم من الحياة المعيشية الصعبة من عدم توفر الماء والكهرباء وتراجع قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وهذه هي رسالة كلّ الحلبيين الصابرين».

وحول تردّي الواقع المعيشي في حلب، نقل قس نصر الله مطالبة أهالي حلب «بأن لا يكذب المسؤولون وأنّ تكون زياراتهم للمدينة فعالة وليس فقط لإطلاق الوعود من دون أي خطوات فعلية لتحسين الأوضاع، خصوصاً الكهرباء». وأضاف: «أقدّر اعتراف بعض المسؤولين بأنّ تحسن الخدمات ليس في يده، وأهالي حلب يقدّرون ويوافقون على إعطاء المشافي الكهرباء حتى لو حصلنا على أقلّ مدة. أما أن يضخّ المسؤول المياه لأحياء أصدقائه وتجاوز القوانين فهذا معيب جداً، ونحن في حلب لم نكن نتكلم عن تلك التجاوزات ولكن علينا أن نعلن اليوم ما يتوجّب علينا إعلانه».

الخدمة العامة والأتاوات

وشدّد نصر الله على «أنّ من يريد أن يخدم الوطن لا يجب أن ينتظر أي مقابل». وقال: «هنا أقدم تحياتي للدكتور نبيل أنطاكي أحد أبرز أطباء الهضمية في سورية الذي ترك وزوجته السيدة ليلى أعمالهما وأغلق عيادته لمساعدة النازحين، وقد التحقا بفريق الإخوة المريميين مع الأخ جورج سبع. ما يقوم به هؤلاء من أعمال جبارة لا ينتظرون أي شكر عكس الكثيرين الذين عملوا وكانت أعمالهم جزءاً من حملة انتخابية لمجلس الشعب».

وعن عجز المناطق التي عادت إلى كنف الدولة عن الإقلاع في دورة الحياة بشكل عام والصناعية بشكل خاص، قال نصر الله: «الحلبي يعمل كثيراً فهو نشيط ورغم تدمير مصانعه إلا أنه يريد أن يعطي أولويات مطالباً بالكهرباء والأمان ومنع السرقات التي لا تزال منتشرة بشكل كبير، خصوصاً في مدينة الجلاء». ولفت إلى «ظاهرة دفع الحلبيين الأتاوات على الحواجز مهما كانت صفتهم».

وعن واقع الحلبيين جرّاء وقف العمليات القتالية وفرض الهدنة التي مُدّدت وخُرقت أكثر من مرة، قال نصرالله: «لنفرّق بين العاطفة والعقل في ظلّ المعاناة لن يقبل أحد بأي تفاوض ولكن حين نحكّم العقل قد نجد أنّ أسباباً ما دفعت المسلح إلى حمل السلاح أي أن هناك خللاً ما دفعه إلى حمله، أما بالنسبة إلى وجود التكفيريين، فليتفضل السادة العلماء ويفسّروا لنا هذه الظاهرة ومن الخطأ أن يقولوا إنهم لا يعلمون فالكلّ يعرف منذ سنوات ما هي المساجد التي تدرِّس الفكر الإرهابي».

لا حواجز

واستبعد نصر الله القول إنّ ما يحدث في حلب وسورية وضع حواجز بين المسيحين والمسلمين. وأضاف: «التكفيريون الذين يسيطرون اليوم على الأرض يُخيفنا كثيراً وجودهم المخيف للجميع، فالتكفيريون أشدّ عداوة للمسلمين من عدائهم للمسيحين».

وأضاف: «بالرغم من تراجع الحوار المسيحي مع المسلمين ولكنه حالياً ما زال موجوداً، اليوم نحن مدعوون إلى تقديم شهادة الحياة في الحوار».

الوهّابية سعودية بمباركة بريطانية

وتطرق نصرالله إلى جذور وصول الفكر التكفيري إلى بلادنا، قائلاً: «بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ المسلمون منحيين: منحى أهل الحديث وهو للمدينة وأهل الرأي الذين كانوا أبعد عن المدينة، فاعتمدوا الرأي وهنا تطورت مواضيع السنّة والشيعة والفكر الصوفي، وهنا ظهرت المدارس الإسلامية السنيّة وكلمة «السنّة والجماعة « وكلمة الجماعة أُخذت في الفترة العباسية، وولد الفكر الإسلامي أو المذاهب الكبرى الأربعة الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي». وتابع: «إنّ تبني المذاهب الثلاثة وبقاء المذهب الحنبلي الذي يعتمد على حرفية النصوص ابتعد عن ذاكرة الناس إلى أن وصل إلى ابن تيمية وهو شيخ دار عليه الشكّ وسُجن في دمشق ومصر والإسكندرية وأخيراً نُقل إلى دمشق وسُجن ومات فيها، فتبنّى فكر ابن حنبل وزاد عليه، وأصبح يُكّفر كلّ من يخالف هذا الرأي ولكنه لم ينتقل من المرحلة النظرية إلى المرحلة العملية».

وأوضح نصرالله أنّ فكر ابن تيمية تبناه محمد عبد الوهاب وضمن آل سعود التغطية السياسية وحاولوا الاستيلاء على الجزيرة العربية مرتين وفشلوا وفي المرة الثالثة ساعدهم البريطانيون الذين رفضوا تسليح الشريف حسين وابنه لصالح آل سعود، وقتها انتصر آل سعود».

وأضاف: «السعودية تبنّت الفكر الوهّابي المستند على فكر ابن تيمية الذي بدوره يستند على فكر أحمد بن حنبل، وحين سألوا تركي الفيصل هل أنتم وهابيون؟ ردّ إنّ مذهبنا واضح إلا أنهم لم يقتدوا بإمامهم تماماً بل اقتدوا بدراسات ما بعد إمامهم». وتابع: «تشعّب الفكر الوهابي وأنتج الجماعة الإسلامية في باكستان والشيخ الكوثري وأبو الهدى الصيادي في الخلافة العثمانية والشيخ الكوثري تلميذه كان اسمه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين».

الحوار الصادق

وأكد نصر الله «أنّ ما يحتاجه السوري في الحوار الصدق واحترام الآخرين بعضّ النظر عن انتمائهم السياسي». وقال: «لدي أصدقاء من المعارضة وأنا على ثقة بأنهم لم يستخدموا السلاح وأحترمهم كثيراً، فالأرض السورية للجميع وأنا على قناعة بأنّ ما يحدث ليس وليد الفترة بل وليد سنوات ماضية».

وذكّر نصر الله بما حدث عام 2004 في حزيران أي الذكرى الستين لنزول القوات الأميركية على ساحل النورمندي حين أقام جاك شراك مأدبة عشاء حضرها الرئيس الأميركي حينها جورج بوش، عندها قال جاك شيراك لبوش: «إذا قطعنا العلاقة بين سورية ولبنان يسقط الحكم العلوي»، وهو ما وثّقه الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود حينها ردّ جورج بوش: «إنني معك ونحن وراءك وبعدها اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري».

واختتم نصرالله حواره بالتأكيد «على قدرة سورية على النهوض من جديد بقوة أبنائها وحوارهم لضمان مستقبلهم وفق قاعدة أنّ الأرض السورية لكلّ السوريين».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى