العراق ينتصر في الفلوجة والساسة يشغلهم الفساد!

مصطفى حكمت العراقي

تدخل معارك تحرير الفلوجة مراحل متقدّمة لجهة تحرير القضاء الأخطر والأهمّ بالنسبة «لداعش» في العراق لجهة وجود اعتى القادة من التنظيم الإرهابي في هذا القضاء، إضافة إلى موقعه الاستراتيجي المهمّ، إذ يعتبر خاصرة بغداد الغربية ويمتدّ لجنوب العراق فضلاً عن وصوله إلى مناطق في محافظة صلاح الدين المحاذية للموصل في شمال العراق، لذلك يمثل القضاء هدفاً مصيرياً ومحدّداً لبقاء «داعش» في العراق من عدمه كما شكل قلعة حصينة للتنظيم الارهابي بعد سقوط الموصل قبل عامين، لأنّ القضاء لم يسقط فعلياً بيد «داعش» قبل سنتين من الآن، بل شكل القضاء مركزاً لكلّ التنظيمات الإرهابية منذ الاحتلال وإلى الآن كما تبنّت معظم مساجده الخطاب التكفيري التصعيدي ضدّ باقي مكونات الشعب العراقي، فسابقاً جماعة التوحيد والجهاد وبعدها القاعدة والآن «داعش»… كلها اتخذت من الفلوجة عاصمة فعلية لحكمها الإرهابي في العراق فلم تبسط الدولة العراقية سيطرتها على القضاء بشكل كامل في كلّ هذه السنوات، وكان أمن القضاء موكلا لقيادات محلية في الأغلب هي مرتبطة خارجياً، وبالأخص مع الولايات المتحدة وبعض دول الخليج وتركيا، إضافة إلى انتفاعها المالي من هذه الدول والتي شكلت الأساس في تكوين جميع التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية، وهو ما جعل القضاء كالخنجر في ظهر بغداد لطعن العاصمة متى ما يشاء الإرهاب وصانعوه لتحقيق أهداف سياسية معينة، لذلك اصبحت العاصمة العراقية هدفاً بسيطاً في مرمى التفجيرات الإرهابية التي ازدادت حدّتها في الأيام القليلة الماضية كعملية وقائية اتبعها التنظيم الإرهابي لمنع حصول معارك تحرير الفلوجة أو تأخيرها بشكل أقلّ وهو ما أبلغته واشنطن نيابة عن التنظيم الإرهابي للقيادات بقولها صراحة أنّ تحرير الموصل أهمّ من تحرير الفلوجة في هذا الوقت لأنّ تحرير الأخيرة سيؤدّي لحصول أعمال إرهابية عديدة في العراق وهو ما حصل فعلاً قبل أيام وكأنّ واشنطن تقول إنّ داعش في الفلوجة مسيطر عليها من قبلنا وسنحرّكها إنْ اقتربتم منها، فتمّ تحريكها وسقطت الدماء تباعاً ولم يكترث لها أحد من سياسيّي العراق، ولم تساءل واشنطن عن إيحاءات كبار مسؤوليها بحدوث هذه الأعمال الإجرامية قبل حصولها بل اكتفى ساسة العراق بالاستنكار والشجب وكأنّ الدماء التي سقطت هي من فيتنام أو المكسيك وليست من العراق، لذلك تصاعدت الأصوات الشعبية الرافضة لسياسة الحكومة العراقية المنبطحة والسائرة خلف واشنطن وحلفها في المنطقة وكثرت الاحتجاجات الشعبية العارمة والتي عجلت بانطلاق عمليات التحرير بعدما كان الفيتو الأميركي هو السائد والمؤجل لهذه العمليات، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ القبول الأميركي بهذه العمليات جاء مرغماً لا اختياراً فالدخول الأخير من قبل المتظاهرين إلى المنطقة الخضراء واجتياح مكتب رئاسة الوزراء كان مختلفاً عن كلّ الاحتجاجات السابقة، فما سبق كان بدافع إصلاحي وكان موجّهاً من قبل تيارات سياسية معيّنة، أما الاجتياح الأخير فكان من أهالي ضحايا التفجيرات الأخيرة في بغداد والمحافظات، بدليل عدم تبنّي أحد هذا الاجتياح وهو ما يؤشر إلى أنّ نمط التفكير الشعبي قد اختلف، فمن طالب بالإصلاح سابقاً بدأ يطالب بإيقاف نزيف الدم ايضاً بعدما شبع الشعب العراقي من الدماء المتساقطة في كلّ السنين الماضية، وهو ما تلقفته إدارة أوباما جيداً، إذ أنّ من البديهي أصبح لكلّ متابع بأنّ بقاء الفلوجة بيد الإرهاب يمهّد لعمليات إرهابية جديدة في بغداد وباقي المحافظات العراقية والتي إن حصلت ستخلّف احتجاجات أكبر قد تعصف بكامل العملية السياسية في العراق والتي تحاول إدارة اوباما جاهدة الحفاظ على استقرارها قبل حصول الانتخابات الرئاسية الأميركية، كلّ ذلك أجبر واشنطن على القبول بتجرّع مرارة الانتصار المرتقب لحلف المقاومة متمثلاً بالحشد الشعبي والمستشارين الإيرانيين والذين يتزعّمهم قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني والذي يترأس غرفة عمليات تحرير الفلوجة، وعدم المشاركة في هذه العمليات والتوجّه نحو دعم العشائر السورية والقوات الكردية، لبدء عمليات تحرير الرقة السورية لرسم انتصار مناظر لانتصار الحلف الإيراني في العراق. أما حلفاء واشنطن فكان الدور السعودي في الفلوجة حاضراً وبقوة لجهة الاستصراخ والعويل على من اسموهم بالمدنيين والحفاظ على حقوق الإنسان داخل القضاء وهم يسعون بذلك إلى إيقاف تحقيق هذا الانتصار ومنع حصوله، ولكن ما إن انجلى الغبار وكشف النقاب عن موقف سيّدهم الأميركي حتى وجدنا الرياض تسير خلف سيدها وتغيّر موقفها تدريجياً إذ نشر المغرّد السعودي الشهير «مجتهد» تغريدة على «تويتر» تدلّ إلى تغيّر الموقف السعودي من العمليات العسكرية الجارية في العراق لتحرير قضاء الفلوجة من جماعة داعش الإرهابية. وقال مجتهد في تغريدته «انّ هناك تعليمات من الديوان الملكي لرؤساء التحرير في الصحف السعودية باستخدام تعبير تحرير الفلوجة من قبضة داعش في الحديث عن معارك الفلوجة… هذا التغيّر الحكومي السعودي ترافق مع تصعيد من شيوخ الفتنة في الرياض والذين طالبوا بإسناد الإرهابيين علناً للوقوف بوجه التمدّد الصفوي بحسب زعمهم في إشارة إلى مشاركة قوات الحشد الشعبي… في المجمل فإنّ تحرير الفلوجة يشكل نقلة نوعية في مسار تحرير العراق بشكل كامل من دنس الإرهاب المستوطن في الأراضي العراقية منذ عامين، كما أنّ وحدة مكونات الشعب العراقي خلف هذه المعارك يجب أن تكون درساً لسياسيّي العراق، الذين أوغلوا في الفساد ولم يكتفوا بـ1000 مليار دولار ذهبت هدراً في السنوات الماضية، بل لجأوا إلى 13 مليار دولار أخذت كقرض خارجي وبدأوا يتصارعون على تقسيمها في ما بينهم وكأنهم يقولون في العراق شعب يقاتل الأرهاب وساسة يسرقون…!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى