خلاصات وسياسة: «مرّت على خير» ولكن!

روزانا رمّال

كلّ شيء كان تحت السيطرة وكلّ شيء كان ممكناً معالجته، هذا ما يقوله وزير الداخلية نهاد المشنوق، فيسجل إنجازاً للحكومة ورئيسها في إجراء الانتخابات البلدية خلال الحديث عن إنجاز الاستحقاق الشمالي، حيث ختام المعارك البلدية.

في الواقع لا يبدو المشهد، كما هو عليه لجهة ارتياح القوى الحزبية والسياسية للإنجاز الديمقراطي المنتظر كما «تتغنى الداخلية بالإنجاز، «فالحساب الذي صار بين أيدي القوى السياسية اليوم وهو الأول منذ الأزمة السورية أي بعد انقلاب المشهد في المنطقة برمتها وما كان للازمة السورية من تأثير على تغيير الواقع النفسي للناخب بتشعباتها وبالاصطفافات التي أرستها وتأثيرها على أمزجة الناس يختلف عن كل السنوات السابقة حيث خاض اللبنانيون هذا الانجاز، فمفاعيل أزمات الجوار استطاعت أن تبلور من التحالفات والتفاهمات التي استقدمت كمخارج من «خارج الحدود» ما يكفي لقلب كل شيء.

قياس الانتخابات النيابية بعد إقفال صناديق الاقتراع يبدأ من هذا النهار، حيث ستعيد كل القوى السياسية المحلية والدولية حساباتها لكن ابرز ما لفت او نتج عن هذه التجربة هو انخفاض ملحوظ في نسب المشاركة بكل المحافظات اللبنانية. فقد كانت نسبة الحضور والمشاركة اكثر من الذي عاشته البلاد في أيار هذه السنة وبغض النظر عن اهمية نسبة المشاركة من عدمها، فان الظواهر السياسية والعناصر الجديدة التي دخلت على خط النتائج تبقى أكثر ما يهم المعنيين.

تحضر المصالحة المسيحية هنا كأهمّ هذه العناصر والتي كان من المتوقع أن تدخل في مختبر الاستحقاق البلدي للتأكد من متانتها وللبناء على أساسها «مشاريع تحالفات مستقبلية»، لتبين أن التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية «موضعي» ففي الأماكن التي تتواجد فيها مصلحة مشتركة للطرفين، فإن التفاهم يسود المشهد أما في المكان الذي يحتاج الى «تضحية» جونيه، الحدث – فقد كان هذا التفاهم ينسف فيصحّ فيه القول إنه مصالحة وليس تحالفاً، على غرار التحالفات المعروفة سياسياً مهما حاول الطرفان تسويق صحة الخيارات المطروحة ليتبيّن أنّ التحالفات الوحيدة المتماسكة هي بين حزب الله وأمل، وحزب الله والتيار الوطني الحر، وحزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث، حيث لم تتوفر فرصة التحدي أو خوض معارك انتخابية ولم يقدموا على هذا الأمر بأيّ منطقة او محافظة.

لم تتوفر فرصة إنجاح محاولات تقديم العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر على أساس اهتزاز شابها جراء الطروحات والترشيحات الرئاسية، وهو أمر عوّلت عليه قوى داخلية وخارجية من دون أن ينجز ففي الحدث ظهر اختبار تأثير قوة التحالف بين حزب الله والتيار وبين الأخير والقوات ليتضح العكس، حيث ترك العونيون القوات اللبنانية وصوّتوا لصالح التحالف الأساسي ايّ صوتوا لحزب الله.

امّا تيار المستقبل فقد اتضحت صورة حضوره بشكل اكبر وبدا من دون ايّ حليف في هذه الانتخابات فهو خاض الاستحقاق على اساس حسابات توافق فقط، فبدا متجهاً نحو التعاون مع كل «القوى السنية» في مناطق مفترض ان تكون حاضنته او ركيزة اساسية لتفوّقه بين القوى وغيرها من الشخصيات والأسماء الحاضرة. فتحالف تارة مع الوزير عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي، وأخرى مع عبد الرحمن البزري والجماعة الاسلامية في صيدا، وطوراً مع حركة امل وحزب الكتائب وفؤاد مخزومي في بيروت، ومع الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين فيصل كرامي ومحمد الصفدي في طرابلس. كلّ هذا كان دليلاً على ان تيار المستقبل بات تياراً انتخابياً وليس تياراً سياسياً ما كشف عن ضعف بارز ومستجدّ.

الأمر نفسه ينطبق على القوات اللبنانية التي بدت ايضا بدون حلفاء، بل تفاهمات مناطقية لإثبات الحضور والقوة.

يبدو التيار الوطني الحر «مخلصاً» للتحالفات، لكنه مربك بحلفين متناقضين حزب الله القوات، اما جمهوره فيقول في الصناديق انه متفهّم ومتمسك بالتحالف مع حزب الله، لكنه «فرح» بالمصالحة مع القوات.

سياسياً، تظهر الخلاصات والنتائج بشكلها النهائي ويبدو حزب الله بعدها الحزب الوحيد المحكوم فعلياً بالسياسة ومفاعيلها وكلّ ما يترتب عليها من تماسك مبدئي قد يعني أيّ تحوّل فيه أو تراجع تحوّل بميزان القوى ويبدو العماد ميشال عون الزعيم الأقوى مسيحياً بتحالف متين وصلب مع حزب الله عكس محاولات تجريده منه بعنصر الرئاسة الذي كاد يشكل في أذهان خصومه فرصة مؤاتية لكشف «ادّعاءات» حزب الله كما يصفونها بتمسكه بترشيح عون للرئاسة، فقدّمت الانتخابات البلدية رسالة جدية للمعنيين أو المراقبين دولياً وإقليمياً بعبثية الاعتماد على هذا العنصر في معرض البحث في سبل عزل حزب الله وتكريسه حزباً يذوب بتفاصيل طائفية وعقائدية من جهة أخرى، يتعرّف اللبنانيون اليوم على تيار المستقبل الجديد الفاقد للحيوية، «المحتاج» لتحالفات وليس «صانعها» بقوته ويبدو التيار «ملتحقاً بالغير» في مشهد يفسّر ببعده الإقليمي بامتياز وهو يوضع في إطار فشل الحرب الناعمة والسياسة السعودية في لبنان. فلا عزل حزب الله نجح ولا كبر العداء له شعبياً ولا تم ّتفكيك الارتباط بينه وبين حلفائه المسيحيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى