المنتقل من مهنة الفقر إلى مهنة الكتابة

سمير حمّاد

رحل ياسين رفاعية، الشاميّ الأصيل كما كان يسمّيه بعض أصدقائه، ويطرَب هو للتسمية… ياسين رفاعية قامة أدبية سورية هامة، وعلامة فارقة في الأدب العربي المعاصر عموماً وفي السوري خصوصاً. بدأ كاتباً للقصة القصيرة، والذي كان يعتبر فيها ندّاً لصديقه وابن بيئته وطبقته زكريا تامر.

ما هو لافت في ياسين رفاعية في ذلك الوقت المبكر من حياته، إصراره على إبراز الهمّ السوري والظروف المأسوية التي عاشها من بداية حياته، حيث اضطره الفقر لترك التعليم والمدرسة، والعمل «حذّاءً» ثم بائعاً للكعك، أو مع والده في أحد أفران دمشق القديمة. وقد انتقل من مهنة الفقر هذه إلى مهنة الكتابة حيث تجرّأ ونشر مجموعته القصصية الأولى «الحزن في كلّ مكان» عام 1960، مصوّراً فيها ببساطة سردية أحزان جيله وخيبات مجتمعه. وبعدئذٍ انطلق في عالم الصحافة والأدب والنشر في سورية ثم غادر إلى لبنان إلى ساعة وافاه الأجل.

وظّف الكاتب الراحل ذكرياته وهمومه في عوالمه الكتابية مقالاته ومجموعاته القصصية التالية «الرجال الخطرون» و«العالم يغرق» و«العصافير». وهذه الأخيرة اعتبرها جبرا ابراهيم جبرا من أهمّ المجموعات القصصية التي قرأها في حينها.

عمل رفاعية في الصحافة، محرّراً أدبياً في جريدة «الثورة» وملحقها الثقافي. وفي مجلة «المعرفة» السورية، وفي «الرأي العام» الكويتية في مكتبها في دمشق. وأسس مجلة «سامر» للأطفال وترأس تحريرها لسنتين. وكتب الكثير من القصص للأطفال مظهراً مهارة فائقة في هذا المضمار. فالراحل ترك عدّة مجموعات قصصية للأطفال «العصافير تبحث عن وطن»، و«الورود الصغيرة» وغيرها، وقد لاقت إعجاباً ورواجاً كبيرين.

حاول في كلّ ما كتب أن يرسّخ فنّ القصّ بلغة بسيطة وسلسة. كتب ثلاث عشرة رواية أهمها: «أهداب»، «ياسمين»، «حياة من خرم الإبرة»، «سوريو جسر الكولا»، «مصرع الماس»، «أسرار النرجس»، وفي رواياته «أول قبلة أول حبّ»، ثم رواية «رأس بيروت» التي يتحدث فيها عن بائع الكعك الذي صار كاتباً من غير ان يستهدف ذلك 1992، وقد صوّر في بعض هذه الروايات الحرب اللبنانية التي عاش فصولها وألهمته في ميدان القصّ والشعر والأطفال. ولا غرابة فهو أمضى جلّ حياته في بيروت.

كما أنّ الكاتب رفاعية كانت له تجربته في كتابة الشعر، إذ كتب دواوين شعرية عدّة، لكنها لم تلاقِ نجاحاً وذيوعاً كما لاقت قصصه ورواياته، وأهم ما نشر منها دواوين: «جراح»، «حبّ شديد اللهجة»، و«العاشق»… وهي دواوين رومنسية تنتمي بخطابها إلى جيل الستينات.

أخيراً، أختم بما قاله الروائي نبيل سليمان: روايات ياسين رفاعية الثلاث عشرة لم تثر من اهتمام النقد إلا قليلاً، فهل يحضّ الموتُ النقدَ على أن يعوّض ما فات؟

شاعر وكاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى