محمد بن نايف ملك قادم؟

ناصر قنديل

– في ذروة الانهماك السعودي في حروب المنطقة والاستماتة لإثبات مكانة الدولة الإقليمية القادرة على تغيير وجهة الأحداث، وصاحبة المكانة المدللة في واشنطن، والتي لا يمكن إغضابها، تدخل الأميركيون مرتين في السنة الأخيرة من عهد الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز وفي مطلع عهد الملك سلمان بن عبد العزيز بصورة فظة ولافتة في رسم هيكلية العرش السعودية. الأولى لتثبيت الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً لولي العهد في زمن عبدالله عشية زيارة للرئيس الأميركي باراك اوباما للمملكة، والثانية في تعيين مماثل للأمير محمد بن نايف في المنصب نفسه، ولي ولي العهد، بعدما صار الأمير مقرن ولياً للعهد بغياب الملك عبدالله وتولي الملك سلمان للعرش. وكانت الخطوتان اللتان أقدم عليهما الملك سلمان من خارج جدول الأعمال الأميركي، إعفاء الأمير مقرن الصديق الموثوق للأميركيين كرجل مخابرات، ليصعد الأمير محمد بن نايف رجل الأميركيين الأول في الرياض لمرتبة ولي العهد أملاً بأن تغطي خطوة على خطوة، لتمرير الخطوة الثانية برضا أميركي بتعيين نجله محمد بن سلمان ولياً لولي العهد.

– منذ ذلك التاريخ بدا أن مغامرة سلمانية يضع الملك الأب ووزير دفاعه نجله ولي ولي العهد مصيرهما في كفة موازية لها، يتوقف تفوقهم على نجاحها، ويدفعون الثمن في حال فشلها، فكانت حرب اليمن وكان التصعيد في سوريا، والحرب المعلنة على التفاهم النووي مع إيران، واستنهاض كل حلفاء واشنطن المتذمرين مما يسمونه التخاذل الأميركي، والانهزام أمام روسيا وإيران، ودعوتهم لتشكيل جبهة سياسية ميدانية تعطل مسارات التسويات وتقدم لواشنطن الوقائع التي تقول إن الصورة ليست سوداء وإن الحرب لم تنته، وإنه لا يزال بالمستطاع فعل الكثير. وفي قلب هذا السعي ولد التحالف الثلاثي المعلن للسعودية وتركيا و«إسرائيل» مع تنظيم القاعدة، وولدت الحرب الساخنة على روسيا وإيران. فأسقط الأتراك الطائرة الروسية فوق الأجواء السورية، وأقدم السعوديون على قتل الحجاج الإيرانيين وإعدام رجل الدين المعارض الشيخ نمر النمر، وتمت عمليات الملاحقة «الإسرائيلية» السعودية التركية لقيادات حزب الله، وفي كل هذه المرحلة بدا أن ولي العهد الأمير محمد بن نايف يترك القيادة للملك ونجله ويعتكف جانباً بصمت، لا يتحدث إلا نادراً، وإن تحدث فبكلام عمومي لا يعبر عن أكثر من الخطوط العريضة لسياسات الرياض.

– خاضت السلمانية مشوارها حتى النهاية ووصلت إلى الطريق المسدود في حربي اليمن وسوريا، وفشل الحلف الثلاثي وحليفه الرابع تنظيم القاعدة في تقديم ما يكفي ليغير الأميركيون سياساتهم، رغم تمنيات واشنطن بنجاح الرهان على الحضور في الميدان من قبل الحلفاء، لكن ما جرى كانت رياحه عكس سفنهم، فتثبتت المعادلات التي أرادوا التمرد عليها وتشجيع واشنطن على مجاراتهم بذلك، وصارت أشد رسوخاً، سواء بالفشل التركي بوجه روسيا ومواصلة موسكو سياساتها الساخنة في سوريا وإمساكها بزمام المبادرة، أو بمواصلة إيران تقدّمها الإقليمي الهادئ رغم الاستفزازات السعودية، وبلوغ الحربين السورية واليمنية ما يستدعي مراجعة السياسات ومراعاة المعادلات التي فرضها الحلف الروسي الإيراني السوري وحليفهم الرابع حزب الله، من قواعد ميدانية لا تترك مجالاً لهوامش المناورة، فإما التقيد بالضوابط المرسومة من موسكو للشراكة في التسويات والحرب على الإرهاب، أو الوقوف خارج الحلبة، فأذعنت واشنطن لما هو متاح وارتضت السيئ تفادياً للأسوأ، كما سبق وفعلت بقبول التفاهم حول الملف النووي الإيراني، وبدأت السعودية تتبعها بخجل، سواء بقبول الانخراط في مسار التسوية اليمنية، أو بتلبيتها التدريجية لشروط موسكو حول الحرب على جبهة النصرة وتشكيل الوفد المفاوض في جنيف باسم المعارضة السورية.

– في لحظة الانعطاف وما تتضمّنه من إقرار ضمني بالفشل الذريع للسلمانية، وعواصف حزمها، وبعد تضييعها فرصة ذهبية روسية لحوار سعودي سوري، جمعت ولي ولي العهد محمد بن سلمان برئيس مجلس الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك، ومثلها تضييع فرصة ذهبية أميركية روسية حملتها باكستان وأندونيسيا، لحوار سعودي إيراني بدلاً من قطع العلاقات الدبلوماسية، يخيم الصمت على معسكر السلمانية، فلا كلام من الملك أو نجله، ليخرج ولي العهد الأمير محمد بن نايف عن صمته ويتكلم ويستفيض في لقاء تشاوري على هامش اجتماع لمجلس التعاون الخليجي، ويقول إن فشلاً أصاب السياسات السعودية في حربي اليمن وسوريا، ويلقي باللائمة على الحلفاء الذين لم يفوا بتعهداتهم، في حرب اليمن، ولم يصدقوا في ضماناتهم في حرب سوريا، وأن الأمر يستدعي إعادة الحسابات وتقييم السياسات والقبول بتقديم تنازلات مؤلمة. وخلال ساعات من نقل الكلام الذي قاله ولي العهد ونشره على موقع الوطن أونلاين السعودي، يُحذف الكلام ويتوقف الموقع.

– مشاركون في الحوار الذي تحدّث فيه ولي العهد، أكدوا بتغريدات حساباتهم على موقع تويتر، وفي تصريحات لصحف غربية صحة كلام الأمير محمد بن نايف، وبالتالي لم يعُد للحذف وتوقف الوطن أونلاين معنى في تثبيت أو نفي صحة الكلام، بل في التأشير على تداعياته وتردداته داخل البيت السعودي، سواء كان سبب الحذف والتوقف مبادرة من ولي العهد لحصر الكلام في البيت الداخلي، أو كان حصيلة صراع نشب داخل هذا البيت. لكن الأكيد صار أن الكلام قد قيل وأن ولي العهد قرر الخروج عن صمته، وقال ما كان يجب أن يقوله لإعلان بداية المرحلة الجديدة، التي مهما تم السعي للتستر على مساراتها ومعالمها، فهي فك وتركيب في السياسات والمواقع، ستحمل في حصيلتها حسماً للرهان في الجواب عن سؤال، لمن سيتنحى الملك سلمان لنجله بعد إعفاء ولي العهد الأمير محمد بن نايف كما أعفى سلفه الأمير مقرن من ولاية العهد وقرّب بن نايف خطوة من العرش ليفسح المجال لنجله محمد بن سلمان أن يقترب خطوتين، أم سيتنحّى وفقط ويصبح ولي العهد الأمير محمد بن نايف ملكاً، ينحي بدوره ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، نجل سلفه الملك الذي افتتح سابقة تنحية ولي العهد فدارت الأزمان ونالت السابقة من نجله؟

– مسارات الأحداث هي التي تقرّر وليست الرغبات. فرغبة الملك سلمان واضحة، كانت بتسليم نجله العرش قبل رحيله، والطريق الانتصار في اليمن وسوريا، وامتلاك مكانة لا تُنازع في واشنطن، وصولاً لتمرير تنحية ولي العهد الأمير محمد بن نايف بلا اعتراض أميركي، وإلا فالفشل وإعادة النظر في السياسات والاستعداد لتنازلات مؤلمة، بدأت وبشر بها كسياسة ولي العهد في كلامه المحذوف، فتعني سقوط السلمانية ومرشحها للعرش وزير الدفاع وولي ولي العهد، وتهيؤ الأمير محمد بن نايف للعرش في يوم ليس ببعيد، بعدما كانت حروب الملك ونجله في سوريا واليمن ذات وجه آخر يستهدف تنحيته، من دون أن يعني ذلك أن الملك الجديد العتيد أقل منهما حماسة للعداء لقوى محور المقاومة… لكنها السياسة!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى