هل من صفقة روسية- أميركية في المنطقة؟

حميدي العبدالله

ثمة كثير من التحليلات التي تشكك بمقاصد السياسة الروسية، ولا سيما في سورية، ويذهب البعض بعيداً عندما يتحدّثون عن وجود اتفاق أميركي- روسي يقوم على تقاسم النفوذ بين واشنطن وموسكو في سورية قد يقود إلى تقسيمها، فهل من وجود فعلي لمثل هذه الصفقة؟

لا شك أنّ مروّجي مثل هذه التحليلات ليسوا فقط من المعسكر المعادي، بل إنّ مثل هذه الأفكار والأسئلة المقلقة يجري تداولها من قبل مؤيدين متحمّسين للدولة السورية. ولكن مجرد التوصل إلى تفاهمات بين موسكو وواشنطن حول بعض القضايا المتصلة بالأوضاع السورية يفسّر ذلك على النحو الذي تذهب إليه بعض التحليلات. لكن في واقع الأمر أنّ روسيا ليست في وارد اقتسام النفوذ مع الولايات المتحدة في سورية، ولو كانت توافق على ذلك لأنجزت اتفاقاً مع واشنطن في ظروف ملائمة سواء في حزيران عام 2013 أو في أيلول عام 2013.

لكن روسيا أصرّت منذ ذلك التاريخ على مفهوم لحلّ الأزمة السورية يلتقي تماماً مع مفهوم الدولة السورية، وكلّ من إيران وحزب الله، ويتعارض تماماً مع مفهوم الولايات المتحدة وحلفائها، هذا المفهوم يقوم على قاعدة التمسك بالحق الحصري للسوريين في تقرير المستقبل السياسي لبلادهم وتحديد من يكون ومن لا يكون في سدّة المسؤولية، وقد عارضت موسكو بحزم وعلى أعلى المستويات، وفي مناسبات عدة، السياسة الأميركية الهادفة إلى إيجاد حلّ على قاعدة إبعاد الرئيس بشار الأسد عن سدّة المسؤولية، وإعادة صياغة مؤسسات الدولة السورية وفقاً لتفاهم أميركي- روسي، ورفضت مبدأ قبول الخوض بهذا الشأن، ولأنّ الولايات المتحدة لم تلتزم بذلك وأصرّت على المضيّ في حرب الاستنزاف ضدّ الدولة السورية، حتى من خلال التعاون مع الإرهاب قرّرت موسكو التدخل العسكري والإسهام إلى جانب الجيش السوري في محاربة الإرهاب، عندما أدركت أنّ أخطار الإرهاب بعد الدعم الدولي والإقليمي له فاقت قدرة الجيش السوري بمفرده على قهره وإلحاق الهزيمة به.

خلفيات السياسة الروسية والتدخل الروسي في سورية، ورفض أيّ تقاسم للنفوذ مع الولايات المتحدة في بلاد الشام يعكسها هذا المقطع الذي جاء في بحث أعدّه «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» وكتبه مدير المركز الباحث الأميركي المعروف «انتوني إتش كوردسمان» الذي قال عن هذه المسألة «من غير الواضح بأنّ الولايات المتحدة راعت بصورة جدية إمكانية التدخل الروسي في سورية حتى حدوثه»، ويضيف «إنّ ردّ فعل روسيا تجاه الأحداث في ليبيا، وما يسمّى الدعم الأميركي للثورات من أجل الهيمنة على الدول الجديدة بالشرق الأوسط، إلى جانب ردّ فعل الرئيس بوتين تجاه حلف الناتو والتوسع الأوروبي في مناطق سيطرة الاتحاد السوفياتي السابق، وتعامل الولايات المتحدة وأوروبا مع التدخل الروسي في أوكرانيا، فضلاً عن نشاط الناتو المضاف في بولندا ودول البلطيق، ورد فعل روسيا تجاه قيام الولايات المتحدة بأيّ عمل في سورية، قاعدتها الوحيدة المتبقية في الشرق الأوسط، كلّ ذلك لم يجعل من الضروري التدخل الروسي في سورية الذي يبدو محتملاً، وإنما جعله ممكناً بصورة مؤكدة».

كلّ هذه القضايا تجعل من المستحيل حصول الصفقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى