موسكو تل أبيب مضامين «شراكة الضرورة»

مهدي دخل الله

وفق أيّ منهج تحليلي أو منطلق سياسي يمكن النظر إلى العلاقات الروسية الإسرائيلية الراهنة؟ لا شك في أنّ تحليل هذه العلاقات لا يكون صائباً إلا إذا كان موضوعياً، أي إذا نحّينا جانباً العواطف والرغبات والتزمنا بالعناصر الواقعية بكلّ ثقلها باعتبارها مستنداً للتحليل.

أهمّ مستند لهذه العلاقات هو في النهج الذي تبني عليه موسكو علاقاتها مع العالم. إنّ القاعدة الأساسية هنا هي الصداقة مع جميع دول العالم دون تمييز ودون أيّ تقييمات مسبقة، العنصر الثاني هو الشراكة، والثالث هو استخدام معيار توازن المصالح.

المشكلة أنّ المراقبين ما زالوا ينظرون إلى موسكو وكأنها ما زالت عاصمة للاتحاد السوفياتي، معيارهم في هذا أنّ روسيا المعاصرة تحاول بناء امبراطورية أسوة بالاتحاد السوفياتي. الخطأ هنا واضح، إذ أنّ تطلع موسكو لتوسيع دئرة نفوذها وعلاقاتها في العالم ليس مبنياً على التقييم الإيديولوجي المسبق للدول تقييم الأبيض والأسود كما كان الوضع عليه في الاتحاد السوفياتي وكما ما زالت أميركا تفعل حتى اليوم.

لا يوجد لدى موسكو اليوم شيء اسمه محور الشر ولا الدول المارقة ، لذلك فهي تتعامل مع الجميع وفق معيار توازن المصالح استناداً إلى مبادئ القانون الدولي.. بما في ذلك «إسرائيل».

ولا شك في أنّ لروسيا مصالح اقتصادية وبشرية تفرض الاتصال بالدولة الصهيونية. من أهمّها الاتفاق الذي وقعته شركة غاز بروم مع شركة اسرائيلية أميركية للمشاركة في تطوير حقول الغاز في الجرف البحري الاسرائيلي، وتصل هذه الشراكة إلى حدّ /30 /. وقد تعطل هذا الاتفاق وأعلنت غاز بروم انسحابها بسبب قيود تشريعية اسرائيلية، لكن نتنياهو أكد مؤخراً في موسكو أنه ليس هناك أي مشكلة تشريعية في هذا الصدد داعياً روسيا إلى استمرار التعاون.

أما الرابط البشري بين الدولتين فهو مهم بالتأكيد. فالإسرائيليون من القومية الروسية هم ثاني أكبر جالية في «إسرائيل»، واللغة الروسية هي الثانية بعد العبرية ما عدا العربية . هنا توجد مشاكل تمّ البدء بحلها مثل قيام موسكو بتسديد تراكمات التقاعد لبعض هؤلاء المهاجرين عندما كانوا يعملون في الاتحاد السوفياتي. وتطمع «إسرائيل» لجلب المزيد من السياح الروس تعويضاً عن تركيا التي سيخفّ زحف المصطافين الروس إليها.

هذه المصالح الاقتصادية مهمة لكن الأهمّ هي القضايا السياسية التي تطغي على كلّ شيء بسبب الأوضاع الراهنة في المنطقة. وهذه القضايا هي التي حفزت لقاءات غير مسبوقة على مستوى القمة بين البلدين. فمنذ عام 2006 أيّ منذ زمن ميدفيديف وأولمرت حتى اليوم تمّت عشرة لقاءات قمة تقريباً. وفي أقلّ من عام تمّت ثلاث قمم إضافة إلى اللقاء بين بوتين ونتنياهو على هامش قمة المناخ في باريس الخريف الماضي.

المسألة السورية: تحاول موسكو إقناع تل أبيب أنه بعد ست سنوات من الحرب لم تسقط الدولة السورية، لذلك لا بدّ من الاعتراف بالواقع، فالبديل عن الدولة هو الفوضى، وهذا غير مناسب لأمن «إسرائيل» لأنّ الفوضى تجعل حدودها الشمالية والشرقية مفتوحة أمام كلّ الاحتمالات بما في ذلك مقاومة قوية تضاف إلى المقاومة اللبنانية. وتضغط موسكو باتجاه إلغاء وهم تل أبيب بأن يعترف لها العالم بضمّ الجولان تعويضاً عن الاتفاق الإيراني 5+1 أو جائزة لها من الأزمة السورية، لأنّ الجولان في نظر موسكو استناداً إلى القانون الدولي سوري بشكل مطلق ولن ترضى دمشق بأقلّ من عودته كاملاً.

ـ المسألة الفلسطينية: تعمل موسكو على إقناع تل أبيب بإعادة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية باتجاه حلّ الدولتين. وهذا يتفق مع موقف الولايات المتحدة وأوروبا والسعودية ومصر. لأنّ قيام دولة فلسطينية «مسخ» تحت وصاية دفاعية وأمنية «إسرائيلية» يفتح الباب أمام محور سعودي اسرائيلي مع الأردن وربما مصر موالٍ لواشنطن في إطار الشرق الأوسط الجديد. موسكو ترى في حلّ القضية الفلسطينية سبيلاً لتهدئة الأوضاع في بلاد الشام الليفانت القريبة من روسيا، وبالتالي إضعاف إمكانيات جرّ هذه المنطقة إلى مشروع الدرع الصاروخي الذي هدفه تطويق روسيا. إنهاء الصراع تريده أميركا وتريده روسيا مع اختلاف كبير في الأهداف.

وبينما ترى واشنطن أنّ قيام دولة فلسطينية شكلية ينهي أيّ حرج أمام الخليج للتحالف مع الدولة الصهيونية، ترى موسكو أنّ حلّ القضية الفلسطينية يلغي الحاجة للمقاومة خاصة أنه من وجهة نظر استراتيجية لا تحبّذ روسيا رؤية مدنيين اسلاميين يحملون السلاح مهما كانت دوافعهم.

وبالنسبة للجولان فإنّ موسكو سوف تضغط باتجاه الحلّ التفاوضي على أساس عودة الجولان كاملاً إلى سورية وفق قرارات الأمم المتحدة.

ولا شك في أنّ موسكو تشارك الضغوط الأوروبية والأميركية القوية على «إسرائيل» كي تسهم في إنهاء ما يسمّونه بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي لأنّ في ذلك مصلحة للدولة الفلسطينية نفسها لأنها تفاوض عرباً في أضعف حالاتهم ومستعدّين لقبول الفتات، ولأنّ الحلّ سوف يؤسّس لحلف بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية بما يعزز دور تل أبيب في المنطقة.

وتحاول موسكو التوصل إلى أمر آخر في ضغطها باتجاه حلّ الدولتين، وهو خلق بيئة مناسبة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل أيّ إلغاء الترسانة النووية والكيميائية والبيولوجية الاسرائيلية. فموسكو ترى أنّ إنهاء الصراع يلغي أيّ ذريعة اسرائيلية لامتلاك هذه الترسانة.

إنّ «شراكة الضرورة» بين «إسرائيل» وروسيا تؤسّس لتفاهمات حول الأساليب… لكن الأهداف تبقى متعارضة.

وزير وسفير سوري سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى