لا تطلقوا النار..

هاني الحلبي

تحتل عادة إطلاق النار بمناسبة وبغير مناسبة اهتماماً لبنانياً رسمياً وشعبياً وأمنياً، بعد تكاثر حوادث مميتة أودت بأرواح أبرياء يستحقون الحياة.

ومن أبرز المواقف الحاسمة والفاعلة، كعادته حيث يجب وضع السيف في موضعه وحيث يجب وضع الندى في موضعه، تطرَّق الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله أمس، في إطلالته القيّمة لموضوع إطلاق النار عشوائياً في مناسبات اللبنانيين.

واللافت في موقفه تقريره اتخاذ إجراءات حاسمة تطرق إليها تفصيلياً بحق المخلين من المنتمين لحزب الله، ودعا أجهزة الدولة لاتخاذ إجراءات حاسمة في حق مرتكبي جرم إطلاق النار.

وشدد على أن مواجهة هذه الظاهرة القاتلة لا تتم فقط بإجراءات أمنية ومذكرات جلب ودوريات عسكرية ولا باستدعاءات قضائية، بل بحملة متكاملة أمنياً وتربوياً وثقافياً واجتماعياً وإجرائياً.

يطلقون الرصاص فرحاً وابتهاجاً. يطلقونه حزناً على ميت. يطلقونه وداعاً لشهيد كبير! متى تصبح هذه العادة اللبنانية القميئة فعلاً مقاوماً، فلا يُطلق رصاصنا إلا في صدر عدو الهوية والأرض والوجود، ومَن يتواطأ معه علينا؟

مازال إرث القبيلة المقاتلة موغلاً في معظم نفوس مواطنينا، يخافون فتح أبوابهم ليلاً إن لم يكن مسدس ملقَّم جاهز للرمي على الطارق!

ما زال السيف، أو البارودة، معلقاً كلٌّ منهما في الجدار، ليوحي بأمَارات القوة والمهابة والنتيجة المتوقعة إن سوَّلت نفس الآخر إليه بالضرر والأذى.. الحتف أقرب إليه من أن يلوث شرف العائلة بضرٍّ!

ما زالت مواكبنا مدجَّجة بصنوف السلاح يحملونه خفية، لمن لا ظهر لهم ولا سند من نائب نافذ أو وزير قشعم، أو جهاراً للمحظوظين حزبياً أو طائفياً أو شخصياً أو لمن لديهم رعاية أمنية وازنة!

ما زالت أعراسنا لا تكتمل إن لم تلعلع رصاصات العريس في مقدمة الموكب أن الرجال جاهزون لنحر الخراف والبشر، إن اقتضى الأمر وأخلت العروس وذووها بالعقد، بتسليم عنقها للذكر المقدام. ثقافة العنف اغتصاباً باسم العرف!

ما زالت نجاحاتنا انكسارات روح عامة. نفرح كأفراد. وإن حقق أحدنا أو ابن أو بنت أحدنا نجاحاً ما، لامس بعلامات المساعدة أعلى سقف المعدل، أقيمت مهرجانات الحي وصعق الجيران باحتفالات الزفة.. «ابن الجيران أخذ الشهادة». إما إن أخذتها بنت الجيران، فسرعان ما يلحظ اسمها في قائمة الخطّابات لأنها فكّت الحرف وكفى المتعلمات شر العلم وإفساد أخلاقهن!

نجاحاتنا الفردية يسهل تعميمها، فتصبح بمنزل عرس قومي أو إنجاز وطني. كمن يعمّم الخاص على العام. أو كمن يختزل العام في الخاص. يصبح القائد أباً للشعب ومطالبه الخاصة قضايا قومية ومزاجه ذوقاً عاماً وتيار موضة وصرعة شعبية.

ما كانت عاداتنا تنحدر إلى هذه الموحلة المتراكمة خفة وعنفاً واستخفافاً بقيم الحياة والسلامة والتقدم والاحترام لو كانت لنا دولة ناظمة فعاليات هذه الحياة بمبدأي الثواب والعقاب، حسب قانون عام صارم وعادل.

ما دام الجاني لا يتم عقابه فيتم إطلاق سراحه واعتقال المجني عليه ليتم دفنه وعفا الدولة عن واجباتها، فإن السلاح زينة البيوت الفاسدة تربيتُها!

مادام الشرطي يرعى المخالفة ولا يهتم سوى بالسائقات اللواتي رفعن فساتينهن أو عرّيْن معظم صدورهن، ولأجل عيونهن الحوراء ينام قانون السير وتُطفأ كاميرات المراقبة عن المتابعة والتصوير وفتح عين الشرطي على ما يلذ ويطيب، فإن النظام العام صريع المزاج الفردي وسوء مراقبة أداء الشرطي والجندي ورجل الأمن، الذي يُلقى عليه واجب الانضباط قبل الضبط.

ما دامت البلديات، التي تسلقت صناديق الاقتراع تستند لحمايات سياسية وتغطيات طائفية ومرجعيات حزبية كبيرة، فالقانون عندها مجرد ذريعة للاقتصاص من الخصوم أو الفقراء الذين ليس في جيوبهم شروى نقير، بينما تتقاعس عن جباية رسومها من الأقوياء النافذين فتتواطأ معهم بلا إنذار وبلا إجراء وبلا دعوى بيع بالمزاد بعد التمنع المطلق عن الدفع، فإن النظام البلدي لن يكون راعياً لقيم مواطنة صالحة وحارساً سلامة المواطنين وعاملاً على ترقية الوسط المدني والبيئي كما يلزم.

والأسلحة التي يتم اقتناؤها في البيوت، على اختلاف عياراتها ومقاييسها وأحجامها ليس بذات وزن في معارك المصير، بل هي خطر جسيم في نزاعات الجيرة ومناكفات الداخل المحلي في لحظة تخلٍّ لتحوّل أي عراك أخوي مجزرة فكم من زوجة قتلت بلحظة غضب زوج غيور؟ كم من ابن قتل والدته أو والده في مطالبته بحصته الإرثية لرفع ظلم لحق به؟ كم من جيران تحوّلت جيرتهم إلى عداوات داحس والغبراء.. فلا صلح حتى ينبت الشَّعر في بواطن الأكف؟!

واجب المؤسسات المعنية، رسمياً وسياسياً وبلدياً، والمنظمات الشبابية والكشفية والمدنية كافة، الانخراط في الحرب على العنف، في الحرب على السلاح البيتي ليسود سلام بيتي وبلدي ووطني، أساسه الحوار، التفاعل البناء لإنتاج الأفضل.

إن أفضل ما يمكن أن نقدمه بعد الامتناع عن التسييس في علاقاتنا الاجتماعية والنفسية هو رسالة إخاء وطني حقيقي تبلور حضور الشخصية العامة في قيمنا وسلوكنا، وأول قيم هذه الشخصية هو الوجدان القومي.

الوجدان القومي هو الحبّ. أن تضيف لشخصيتك وشعورك بها إدراكك انتماءك حقيقة حياة وسلوكاً يومياً بلا تفاوت ولا انقطاع.

«أحبوا بعضكم بعضاً» و«لبنان يحيا بالمحبة ويفنى بالبغضاء». قاعدتان قيمتان لا حاجة فيهما إلا لذخيرة الأخلاق العملية لسمو مجتمع جديد.

باحث وناشر موقع حرمون haramoon.org/ar

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى