عن القيمة الاستراتيجية لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة

شارل أبي نادر

ليس بالسهل ما يجري حولنا حيث المحيط يغلي، فجيوش تقاتل وتواجه في معارك ميدانية وفي عمليات عسكرية وأمنية. جحافل لا تحصى ولا تعدّ من الارهابيين المدعومين من دول ومن منظمات عالمية وإقليمية بالمال والسلاح والإعلام والتقنيات، حيث بدا الإرهابيون وكأنهم لا يُقهرون وخاصة في عملياتهم الإجرامية الدموية التي تطال كلّ مكان إجمالاً وتثير الرعب والخوف والدمار، لنجد وحيث يمكننا أن نقول، مع بعض الحذر، إنّ لبنان محصّن ومحميّ الى حدّ ما في هذه المواجهة الدموية الواسعة.

طبعاً، تتعرّض الساحة اللبنانية من وقت إلى آخر لعمليات إرهابية محدودة، حيث تعيش هذه الساحة أجواء ضاغطة وغير بعيدة عن التشنّج والخوف بسبب ما يتمّ تداوله من أخبار ومعلومات عن توقيفات متواصلة لشبكات إرهابية ولخلايا نائمة، كشفت التحقيقات التي تناولتها خطورة وحساسية وفظاعة الأهداف المكلفة بتنفيذها، والتي تعمل عليها بتصميم وتركيز واضحين من قيادات هذه التنظيمات الإرهابية وخاصة داعش.

في الحقيقة، ومقارنة مع ما يجري في الدول المحيطة، حيث تطالعنا وسائل الإعلام الواسعة الانتشار ووسائل التواصل الاجتماعي الناشطة بأخبار وأخبار عن عمليات إرهابية دموية، انتحارية وغير انتحارية، تعجز في أغلب الأوقات أجهزة تلك الدول العسكرية او الأمنية عن مواجهتها والحدّ من انتشارها، ليس عن تقصير او عن تلكؤ بل بسبب كثافة هذه العمليات وفعاليتها وقدرة منفذيها على الإفلات من رقابة تلك الأجهزة تخطيطاً وتحضيراً وتنفيذاً، لنجد انّ الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية تتمتع بدرجة عالية من النجاح في تنفيذ عمليات نوعية من خلال مواجهات استباقية مع تلك الشبكات الخطرة والخلايا النائمة، وحيث نجد من ناحية أخرى أنها ارتفعت مؤخراً نسبة الخلايا والشبكات الإرهابية التي يتمّ إلقاء القبض عليها في لبنان، وذلك في مراحل مختلفة تمتدّ في بعضها من بدايات تكوّن هذه الخلايا ونشوئها، وفي بعضها الآخر خلال مراحل متقدّمة من نشاطها وعملها في التخطيط والتحضير وعلى مقربة زمنية قصيرة من مرحلة التنفيذ النهائية. وهذا النجاح يتمّ بالرغم من السجالات السياسية المختلفة حول أمور عديدة في إدارة السلطة وأيضاً بالرغم من النظرة العامة حول هشاشة هذه السلطة وضياعها وعدم توازنها.

يتبيّن من خلال متابعة عمل هذه الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية أنها تستفيد من بيئة حاضنة بالكامل تشمل أغلب المناطق اللبنانية، تساعد على كشف تلك الشبكات ومتابعتها على كامل الساحة الداخلية، ومعادلة كلّ مواطن خفير مطبّقة بامتياز من قبل الشعب الذي برهن عن وعي لافت، حيث صَعّب على تلك الخلايا التمدّد والانتشار بسهولة، فبقيت معزولة وخائفة، وبالتالي أضعف فعاليتها وتأثيرها، حيث إنّ الكمّ الهائل من المخبرين المجنّدين والمتطوّعين، والتي تضع بتصرف الأجهزة كافة المعطيات والوقائع والمعلومات التي تمتلكها ليس بالصدفة فقط، بل نتيجة التزام مسؤول ومتواصل، تشكل مادّة أولية مهمة تستند إليها وتؤسّس من خلال تحليلها ومتابعتها من قبل اختصاصيّي وخبراء هذه الأجهزة الى امتلاك الأخيرة قاعدة معلومات موثوقة جاهزة لتكون نواة خطة محكمة يتمّ عبرها توقيف تلك الخلايا والشبكات ومتابعتها وملاحقتها بطريقة صاعقة تصدمها وتجعلها تستسلم أمام المحققين، فتبوح بكلّ المعلومات عن أهداف الشبكات الإرهابية وطريقة عمل. وهذا دائماً يفتح أبواباً واسعة ترشد الأجهزة الى خلايا نائمة أخرى والى مخططات أكبر وأوسع وأخطر.

من ناحية أخرى، لا شك في انّ للمقاومة دوراً واسعاً واساسياً في تثبيت هذه البيئة الحاضنة وتقويتها وتوعيتها، خاصة في المجتمع القريب منها جغرافياً وتوجّهاً، والذي لا شك في أنه يمتدّ الى مناطق واسعة ومختلفة في لبنان، وايضاً في التواصل الفاعل والمنتج مع أجهزة الأمن اللبنانية، حيث يلعب جهاز أمن المقاومة والذي برهن من خلال أكثر من مناسبة وخاصة في حربه المفتوحة ضدّ أجهزة العدو ومخابراته محلياً ودولياً، أنه جهاز فاعل وقادر وهو ينسق بالكامل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية ويضع بتصرفها دائماً كافة المعلومات القيمة التي ساهمت الى حدّ كبير في متابعة عناصر شبكات إرهابية عديدة ورصدهم وكشفهم وتوقيفهم، وتكمن قيمة وحساسية هذه المعلومات أنه حصل ويحصل عليها من الميدان الداخلي طبعاً. والأهمّ هو في تلك التي يحصل عليها من موقوفين وأسرى يقعون في قبضته في الميدان المحيط وخاصة السوري حيث يوجد تأثير ليس ببسيط لأجهزة أمن العدو «الإسرائيلي» تمارسه عبر تجنيدها عدداً كبيراً من المقاتلين الإرهابيين، او من خلال التأثير الخليجي على قسم كبير من هؤلاء وما لتلك المعلومات من ترابط مباشر مع الشبكات الإرهابية غير البعيدة عن التأثير الخليجي وخاصة السعودي.

هذه الفعالية الأمنية التي تمتلكها المقاومة بسبب الالتزام الكامل من بيئتها ومجتمعها بمحاربة الإرهاب أمنياً وعسكرياً، تدعمها الأخيرة وتثبتها أيضاً من خلال حضورها الواسع في الميدان جنوباً في مواجهة العدو «الإسرائيلي»، حيث تقف الى جانب الجيش اللبناني وخلفه وأمامه أحياناً، حيث تتطلب خصوصية مواجهة العدو ذلك، وأيضاً من خلال حضورها الفاعل والاستراتيجي عبر انتشارها بين الحدود الشمالية والشمالية الشرقية وامتداداً الى الداخل السوري بين القصيْر شمالاً والقلمون الغربي وسطاً والزبداني وطريق بيروت الشام جنوباً، حيث يشكل هذا الانتشار الميداني حزام أمان متقدّماً يحقق حماية استباقية لمواقع الجيش اللبناني على الحدود، وبالتالي يؤمّن حماية واسعة للداخل اللبناني من الناحية الأمنية بإبعاد خطر الإرهاب وسياراته المفخخة وأحزمته الناسفة، ومن الناحية الميدانية والعسكرية بإشغال ومواجهة العناصر والمجموعات الإرهابية التي لم تتخلّ عن هدفها الدائم بالحصول على حضور ميداني يشكل مواقع إمارات يحلم بها مع امتداد جغرافي يربط مراكزه في الداخل السوري مع البحر المتوسط في شمال لبنان.

وأخيراً… إنها المعادلة الذهبية والتي تزداد توهّجاً وحضوراً وتماسكاً يوماً بعد يوم، وكلما اقترب وتصاعد خطر العدو «الإسرائيلي» او الخطر الإرهابي التكفيري على لبنان بكافة مناطقه ومكوناته، كلما ظهرت الحاجة والضرورة لتقوية هذه المعادلة وتوسّعها، وعلى المشككين بصحة هذه المعادلة بالرغم من أنهم يتناقصون يوماً بعد يوم، أن يلتحقوا بركب من سبقهم مِن الذين فهموها وحضنوها وآمنوا بها والذين اكتشفوا ولمسوا لمس اليد وبعد أن عايشوا الأخطار المذكورة وعانوا منها ما عانوا أن في ثبات هذه الثلاثية وفي امتدادها خلاصاً للوطن وللشعب وللدولة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى