مصير «داعش» يُحسَمُ في سورية … وكذلك مخططات شركائه؟

د. عصام نعمان

لفظ فلاديمير بوتين حكمه على «داعش»: حسم مصيره في سورية ميدانياً. حيثيات الحكم الضمنية وفيرة:

ـ كَبُر «داعش» وتجبّر وأصبحت له ذراع طويلة تطاول كبرى العواصم والمرافق في شتى أنحاء العالم.

ـ لديه أسلحة نوعية متطوّرة وفتّاكة: كيميائية وصاروخية ومضادة للطائرات.

ـ له شركاء دوليون وإقليميون أقوياء وأثرياء يزوّدونه المال والسلاح والدعم السياسي.

استمرارُ «داعش» في اعتماد نهج «إدارة التوحش» من خلال عمليات عنف أعمى بالغة الهَتك والفتك والتدمير يؤدّي الى تعاظم مردود عملية اجتذاب وتجنيد وتدريب وزجّ آلاف الفتيان الانتحاريين المغسولي الأدمغة في عمليات إرهابية مدوّية ومدمّرة في شتى أصقاع الدنيا.

استوقفت بوتين، بلا شك، واقعة أخيرة لافتة: ثلاثة من «أبطال» عملية مطار أتاتورك الرهيبة في اسطنبول جاؤوا من قلب روسيا ومن حديقتها الخلفية في آسيا الوسطى: القوقاز وأوزبكستان وقرغيزيستان. كم سيكون مخيفاً ومؤذياً لو نجح الداعشيون في اجتذاب المزيد من هؤلاء والزجّ بهم في عمليات مروّعة في قلب موسكو وبطرسبرغ؟

ثم، ليس سراً أنّ التعاون قائم ومتفاقم بين «داعش» والولايات المتحدة وتركيا. هؤلاء باتوا شركاء في توليف وتنفيذ مخططات وعمليات في عمق سورية والعراق. ألم تتحوّل الحدود التركية السورية على مدى نحو 900 كيلومتر مدخلاً لإمرار الرجال والسلاح والعتاد لتنظيمات شتى تقاتل جيشيْ سورية والعراق؟

موسكو ندّدت مراراً بهذا الخلل المتمادي. شعرت بأنّ الغاية من ورائه ليست استنزاف جيشيْ سورية والعراق فحسب، بل استنزافها هي تحديداً بعدما أصبحت شريكة دمشق في مقاتلة «داعش» و»النصرة». في هذا السياق، حاولت أنقرة تشديد الاستنزاف لحمل موسكو على التراجع عن العقوبات التي فرضتها عليها عقب إسقاط الطائرة الروسية فوق سورية في خريف العام الماضي. موسكو لم تتراجع عن تدابيرها العقابية، فكان لا بدّ لأنقرة من أن تتراجع عن تواطئها مع «داعش» لاسترضاء موسكو بغية رفع العقوبات.

«داعش» أحسّت بالخطر. أمرت مجموعاتها الانتحارية بتنفيذ عمليات إرهابية على حدود تركيا مع سورية وفي قلب أنقرة، وبعدها في مطار اتاتورك الدولي في اسطنبول. كلّ ذلك من أجل تخويفها وردعها عن الاسترسال في سياسة استرضاء روسيا لترفع عنها العقوبات.

أردوغان حزم أمره أخيراً. قدّم اعتذاره علناً لبوتين عن إسقاط الطائرة الحربية. ووعد سراً بتنازلات أخرى وازنة ليس أقلها إغلاق حدود بلاده مع سورية، فلا تبقى ممراً آمناً للرجال والسلاح والعتاد المرسل الى تنظيمات الإرهاب. لو لم يحصل بوتين على تعهّدٍ من أردوغان بهذا المستوى الرفيع والوازن لما وافق على رفع العقوبات، السياحية منها بخاصة، عن جارته المتضرّرة.

وقْفُ تدفق الرجال والسلاح عبر الحدود التركية الى سورية والعراق عدّل ميزان القوى لمصلحة دمشق وحلفائها، فأصبح في وسع بوتين أن يعلن، بثقة وارتياح، عزمه على حسم مصير «داعش» في سورية.

ما مفاعيل هذا الموقف الروسي الصارم وتداعياته؟

سيَحدثُ انخراطٌ روسيّ متزايد في معمعة الحرب في سورية وعليها، سياسياً وعسكرياً، وتعاونٌ أوسع على هذين الصعيدين مع سائر أطراف محور المقاومة. بوادرُ التعاون لم تتأخر في الظهور. فقد أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أنّ طهران وموسكو ودمشق اتفقت على تشكيل مجموعة خاصة بمراقبة الأوضاع في سورية. أوضح أنّ قرار إنشاء المجموعة الثلاثية جرى اتخاذه خلال محادثاته الأخيرة في موسكو مع أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي بارتروشيف، وأنّ مهمتها مناقشة المسائل السياسية وقضايا الأمن في سورية من مسافة قريبة.

واشنطن أحسّت بدورها بأنّ موسكو عازمة على انتهاج سياسة أكثر حزماً في سورية ضدّ تنظيمات الإرهاب بما فيها تنظيمات المعارضة السورية «المعتدلة» المتعاونة مع جبهة «النصرة». لذا بادرت إدارة أوباما، بحسب صحيفة «واشنطن بوست»، الى اقتراح إنشاء «شركة عسكرية جديدة في سورية» على موسكو. مضمون الاقتراح يتمثل في وعد من واشنطن بتوحيد الجهود مع القوات الجوية والفضائية الروسية لتبادل المعطيات عن الأهداف وتنسيق حملة موسعة لقصف جبهة «النصرة» المصنّفة إرهابية في مقابل أن تضغط موسكو على حكومة الرئيس بشار الأسد لوقف قصف مجموعات معينة من المعارضة السورية المسلحة لا تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية.

موسكو لن ترفض، مبدئياً، هذا الاقتراح. لكنها ستشترط بالتأكيد خروج تنظيمات المعارضة السورية «المعتدلة» من مناطق سيطرة «النصرة» لتأمن عدم قصفها. سبق لموسكو أن طالبت واشنطن بتنفيذ هذا الإجراء لضمان ترسيخ الهدنة المعلنة في شمال سورية. واشنطن لم تنجح في تنفيذ هذا الشرط. ولعلها لم توافق عليه أصلاً. ذلك أنّ سياسة إدارة أوباما كانت دائماً الحدّ من نشاط التنظيمات الإرهابية شرط عدم استفادة حكومة الأسد من إضعافها.

واشنطن اليوم ربما أصبحت أكثر استعداداً لتنفيذ الشرط الروسي. فقد أخفقت في مساعيها الرامية إلى بناء وتسليح تنظيمات فاعلة للمعارضة السورية «المعتدلة». ذلك أنّ السلاح المرسل إليها كثيراً ما كان يقع في أيدي «داعش» و»النصرة»، وأنّ ما يتبقى منه في أيديها لا يكفي أو لا تُحسن استعماله فتكون النتيجة كارثية على الطرفين الأميركي والسوري «المعتدل». أليست هذه الأمثولة المستخلصة من الهجمة الفاشلة قبل أيام على مطار البوكمال؟

ثم هناك إشكالية أخرى بالغة التعقيد. فقد تبيّن أنّ السبب الرئيس، وليس الوحيد، لوقوف إدارة أوباما موقفاً معادياً لحكومة الأسد هو رغبتها في تعويض «إسرائيل» خسائرها جرّاء اتفاقها النووي مع إيران ومخاطره على أمنها القومي. التعويض يكون في محاولة إضعاف حلفاء إيران، سورية وحزب الله اللبناني، بطريق إدامة الحرب في بلاد الشام لاستنزاف مكوّناتها الوطنية والاقتصادية والعسكرية وصولاً الى تقسيمها، إذا أمكن.

إدارة أوباما لاحظت، على ما يبدو، صعوبة الاستمرار في مجاراة «إسرائيل» في مخططها الآنف الذكر. لذلك تراها تعتمد مقاربة جديدة قوامها تعويض خسائر الكيان الصهيوني جراء الاتفاق النووي بمضاعفة تسليحه بأسلحة متطوّرة من جهة وبزيادة المساعدات المالية السنوية التي تغدقها عليه من جهة أخرى.

في سياق هذه المقاربة، جرى تظهير اقتراح «الشركة العسكرية الجديدة» بين أميركا وروسيا. فهل يتشارك القطبان الدوليان لحسم مصير «داعش» في سورية؟

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى