إيران لا تسقط بكلام الصعاليك الصغار!

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

مؤتمر لـ «المقاومة الإيرانية» في الخارج مدعوم من دولتين عربيتين السعودية والإمارات وبتسهيلات فرنسية، لأنّ المؤتمر أقيم على أرضها وبمظلة أميركية حاضرة عند كلّ اجتماع ونشاط فيه عداء لإيران. مؤتمر للمواجهة والتصعيد في ظروف المنطقة الساخنة ما يعني أنّ المستقبل يحمل معه توتيراً للعلاقات لا تبريداً لها.

لن ندخل في تفاصيل المجموعة المنظّمة المعروفة بـ مجاهدي خلق التي تلطّخت أيديها بدماء آلاف من الإيرانيين منهم علماء دين وعلماء ذرّة ومسؤولون سياسيون وأمنيون، وكان الأبرز في أعمالها الإرهابية تفجير مبنى الشورى الإيراني الذي راح جراءه العشرات من النواب مع مطلع الثورة عام 1979.

ولكن سنسأل عدداً من الأسئلة على هامش هذا المؤتمر الذي أعاد إحياء هذه المجموعة بعدما كانت مصنّفة إرهابية على اللوائح السوداء الأوروبية والأميركية.

أولاً: لماذا تدعم السعودية والإمارات منظمة إرهابية ولا تدعم حركة مقاومة فلسطينية واحدة. فإذا كان السبب كما يزعم البعض هو إيقاف المشروع الإيراني الذي يتمدّد على حساب المشروع العربي الوحدوي، فما بال المشروع «الإسرائيلي» الذي يتمدّد هو أيضاً على حساب المشروع العربي؟ مع فوارق جوهرية هو أنّ المشروع الإيراني قائم على التكامل مع المشروع العربي، فيما المشروع «الإسرائيلي» قائم على تدمير البنية العربية وتقسيم الأمة وإثارة الخلافات والأزمات وإشعال الحروب بين العرب أنفسهم!

ثانياً: إنّ التضامن العربي يفترض الالتزام بالاتفاقات التي وُقّعت بين الدول العربية والتي تقضي بدعم الشعب الفلسطيني لاسترجاع أرضه فأيّهما أولى بالدعم: الشعب الفلسطيني أم منظمة مصنّفة إرهابية!

ثالثاً: ما الذي يضير السعودية والإمارات في دعم أنشطة وفعاليات فلسطينية في الغرب، وإرسال خطباء ومسؤولين سعوديين وإماراتيين إلى هذه التجمّعات والفعاليات ليتحدّثوا عن مظلومية الشعب الفلسطيني وحقه في تحرير أرضه على غرار ما يفعلانه الآن من دعم مجموعة إرهابية إيرانية تتبع للاستكبار الغربي؟

رابعاً: لماذا يتحدّث مسؤول رفيع، وإنْ كان سابقاً، كالأمير تركي الفيصل عن إيران كخطر على المنطقة، فيما عندما يأتي على ذكر الكيان الصهيوني لا يجد في فمه إلا كلمات عن التفاهم والمصالح المشتركة والتعاون الإقليمي؟

خامساً: أيّ عالم إسلامي هذا الذي يقف مع المقاومة الإيرانية ولا يقف مع المقاومة الفلسطينية . هذا التعميم من تركي الفيصل ساذج ولا يمتّ إلى الواقع بصلة. صحيح أنّ العالم الإسلامي يعيش حالة ارتخاء وضعف، ولكن مَن قال إنّ هذا العالم سيقف إلى جانب هوس وجنون النظام السعودي الذي يفتعل الحروب والمشكلات ويعمل على تقسيم العالم الإسلامي على أسس طائفية ومذهبية وعرقية.

خامساً: هل اطلع تركي الفيصل على ما نشرته الصحف الغربية في السنوات الأخيرة، عن أنّ سبب الإرهاب الذي يضجّ منه العالم هو الفكر الوهابي والمال السعودي؟

سادساً: قال تركي الفيصل إنّ «نظام الخميني لم يجلب سوى الدمار والطائفية وسفك الدماء في إيران ودول الشرق الأوسط»، وعلى الرغم من أنّ هذه الاتهامات الباطلة والزائفة لا تنطلي إلا على عمي القلوب والأبصار، فإننا نسأل هل نظام آل سعود جلب العمران والتنمية والاندماج الاجتماعي بين أبناء العروبة، أم أنّ هذا النظام النفطي هو سبب الفقر والحرمان والجوع والجهل والتخلف والتفاوت الطبقي والخلاف بين الدول العربية؟ وهو سبب الفتن في سورية والعراق واليمن وليبيا، وهو سبب دمار تراث أعظم الحضارات التي نشأت في سورية واليمن والعراق بالطائرات الأميركية والأسلحة «الإسرائيلية»، وهو سبب ما يعانيه الفلسطينيون من تمزّق والسوريون من تشظٍّ والعراقيون من اختلاف واليمنيون من تباعد والليبيون من تعصّب واللبنانيون من طائفية والبحرينيون من حرمان؟

سابعاً: لقد قال تركي الفيصل في هذا المؤتمر إنّ «إيران تنتهك الدول بحجّة دعم الضعفاء في العراق ولبنان وسورية واليمن ودعم الجماعات الطائفية».

نعم، إنّ إيران الثورة الإسلامية هي مع المستضعَفين في كلّ بقاع الأرض، هي مع المحرومين والفقراء، هي مع الإنسان المظلوم أينما كان، هي مع تصحيح النظام الإقليمي والدولي ليصبح أكثر عدلاً، هي مع تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، هي مع إزالة «إسرائيل» من الوجود، هي مع كلّ مقاومة شريفة تعمل لكرامة وعزة وحق الإنسان، نعم هي مع الشعوب التي تنادي بالحرية وتعمل على مساعدة كلّ فئة تريد كسر قيود الهيمنة والاستغلال.

أما السعودية فهي مع مَن؟ هل نجيب أم أنّ الكلّ يعرف أنّ السعودية هي مع أميركا بحروبها واستغلالها وتكبّرها وتسلّطها على شعوب الأرض! هي مع الأنظمة الاستبدادية العميلة! هي مع الفئات التقسيمية الطائفية! وهي مع الفكر التكفيري التحريضي الفتنوي! وأخيراً هي مع العدو «الإسرائيلي»، حيث يُعمل هذه الأيام على ترتيب الصيغ السياسية لتطبيع العلاقات معه!

ثامناً: هل قول الأمير تركي «إنّ المعارضة الإيرانية ستحقق مبتغاها في رحيل نظام ولاية الفقيه» هو إعلان حرب مباشرة؟ فإذا كانت السعودية وهي التي تقف على «شفا جرف هارٍ»، أيّ على أرض متزلزلة رخوة غير ثابتة، لم تستطع أن تواجه الشعب اليمني الذي لا يملك من الإمكانيات إلا القليل، فكيف بها تريد مواجهة إيران وهي التي تملك من الصواريخ ما يسوّي عرش آل سعود بالأرض.

في الحقيقة، إنّ كلّ كلام العقل والمنطق لم يُجدِ على مدى السنوات الماضية مع السعودية. هذه المملكة مارست صنوف العداء تجاه إيران فيما القيادة الإيرانية تخاطبها باللين والحكمة والمرونة وتدعوها إلى بناء علاقات متينة قائمة على المصالح المتبادلة والأخوة الإسلامية، لكن لا حياة لمن تنادي!

ركبت السعودية أول موجة للإرهاب، وظلت تدعم الإرهابيين ظناً منها أنّ ذلك سيجعلها زعيمة على العالم الإسلامي، وها هو الإرهاب الذي صنعته ومارسته يرتدّ عليها نكالاً من الله ومن دعاء كلّ مظلوم لحقته ظلامات آل سعود.

إيران التي تريد المملكة السعودية إسقاطها، هي التي وقفت بكلّ شموخ وإباء واقتدار وشجاعة في وجه الدول الاستكبارية، وعلى رأسها أميركا.

هي التي أسقطت خريطة «الشرق الأوسط الإسرائيلي»، هي التي أسّست لحالة استنهاض الأمة على أساس الحق والعدالة والحرية، إيران التي يريد تركي الفيصل إسقاطها ممتدّة كنموذج حضاري إسلامي رائد، ممتدة إلى قلوب الأحرار والشرفاء، ممتدة إلى كلّ بقعة كرامة.

لذلك لا تسقط بكلام الصعاليك الصغار الذين ظنّوا أنّ حصونهم وقصورهم وأموالهم مانعتهم من الله!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى