تموز… أبيض – أسود

نظام مارديني

عندما تفتحون نافذة الصباح، سيطلُّ عليكم جنوب لبنان بنهاراته المُعبّأة بعبق الزعتر صارخاً: أنا المستقبل…

عندما ستفتحون بوابات الزهور، وتتنشّقون الأنفاس المقبلة إليكم من جنوب الجنوب، تلك الموصولة بمحطات عديدة من الانكسار والانتصار، ستغرِّدون مع الطيور المهاجرة من جبال كردستان إلى شواطئنا الفلسطينية، أغاني الحرية والسيادة والاستقلال.

عندما ستفتحون أبواب التاريخ، اقرأوه بحقائقه، لا بمراراته فقط، وتذكروا أنّ في مجتمعنا كلّ حقّ وخير وجمال… وحب.

عندما ستفتحون حدقات عيونكم، ستشاهدون في كتاب البداية كيف صُلب الفلسطيني السوري الأول وهو يصرخ في وجه أولاد الأفاعي: اخرجوا من بيت أبي، فهو بيت للصلاة وقد جعلتموه مغارة للصوص وقطاع الطرق.

عندما ستفتحون كتاب المقاومين ستقرأون كيف أطلق زبانية النظام العربي المتحالف مع المشروع الصهيوني النار على الزعيم المقاوم أنطون سعاده ليغتالوا في ذلك الوقت الخطة القومية المُعاكسة، التي لو قُيّض لها النجاح، لكان أبناؤنا يحيون في أمان الآن.

ونحن نُشعل الشموع في كنائس النصر ونُخرج حصارات الروح من وهاد التمنّي والرجاء بأن نكون مزروعين في أرضنا، عندما يغسل الهواء رذاذ النافورات بكفّ المقاوم الممدودة ببياض الأيام إلى أحلامنا.

وعندما أشعلنا اليوم الشموع في كنائس الفرح، خرج علينا تصريحان غرائبيان، الأول لممثل التيار الليبرالي في ما يسمى بـ «الائتلاف الوطني السوري لقوى معارضة» المدعو ميشيل كيلو. والثاني لما يسمى بـ «رئيس الائتلاف السوري المعارض» الأخونجي أنس العبدة. الأول يتباكى على غدر الأميركيين لـ «ثورته» من تحت برج إيفل وينظِّر على السوريين من هناك، والآخر يُطمئن غلمانه من اسطنبول بأنّ تركيا لن تغدر بهم كما غدر الأميركيون!

لا شكّ في أنّ من يتابع تصريحات غربان «الثورة» يكتشف كم هم منفصمون عن الوقائع والحقائق، وسيكتشف كيف تتصدّر ائتلافات القوارض والمومياءات مسرح الأحداث الذي قارب على نهايته بعد أن أزكمت رائحته النتنة ضمائر الكثيرين وعقولهم.

في تشخيص علم النفس ليس من الطبيعي أن ترى من يعكِّر الماء ليصطاد فيه، فهذا بالتأكيد شخص ذو نيات سيئة يبحث عن خلق الفوضى من أجل إنتاج نظامه الشرير. ولأجل خلق الفوضى وإنتاج الشر، يقتنص ذلك الشخص كلّ معلومة مشوشة أو خبر منقوص، ليطعن بلده من الخلف بلا رحمة بينما يتسلق على دماء شهدائه ليصل إلى مناصب في هيكليته الواهمة. هكذا هو الـ «كيلو»، في حين يحاول العبدة الرسمَ بفرشاة الطائفية والتطرف الإسلامي لإنتاج لوحة مظلمة المعالم لوطنه، وكم يذكِّرني هذان الخائنان بالشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي قال: إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون. أيخون إنسان بلاده؟ مَن خان معنى أن يكون… فكيف يمكن أن يكون؟

الخط الفاصل بين الخلايا السرطانية التي يمثلها كيلو، والخلايا النائمة التي التي يمثلها العبدة، هو أنّ الأولى تهاجم جسم الإنسان، فيما تفتك الثانية بالإنسان بأكمله، فيخلفان ملايين العوائل المضطهدة وأرتالاً من الأرامل والأيتام.

ونستذكر أيضاً ما قاله الأديب القومي سعيد تقي الدين: مَن كانت نفسه نفسَ عبد لا تلمع الشمس فوق جبينه!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى