رضى سوري على حكومة سلام…

محمد حمية

على الرغم من الموقف الغامض للحكومة اللبنانية حيال أزمة النازحين السوريين، إلا أنه من الضيم تحميلها وحدها مسؤولية تفاقم مشكلة النزوح إلى لبنان، فبحسب إحصاءات الأجهزة الأمنية تشير إلى أنّ الجزء الأكبر منه حصل إبان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي شرّعت الحدود أمام النازحين من دون أيّ إجرءات قانونية وأمنية لحماية الداخل اللبناني، ما يرسم علامات استفهام عديدة حول علاقة أطراف في الحكومة آنذاك بجهات خارجية خططت في ذلك الحين لتهجير هذا العدد من النازحين لاستثماره في الضغط الأمني والسياسي على لبنان والمقاومة وأداة ابتزاز للنظام في سورية، وبالتالي مقدّمة لتوطينهم في لبنان كجزءٍ من تغيير الطبيعة الديمغرافية اللبنانية، كما تقول مصادر وزير الخارجية جبران باسيل لـ«البناء»، والتي أكدت أنّ باسيل وصل إلى قناعة من خلال المعطيات والمعلومات والمؤشرات أنّ طبخة توطين النازحين السوريين في لبنان وضعت على النار ويجري العمل على تنفيذها بشكلٍ تدريجي، وما يرفع منسوب المخاوف هو انفجار أزمة المهاجرين في العالم وتحديداً في دول أوروبا، ما دفعها لإرسال المبعوثين إلى دول النزوح للاطمئنان على أحوال النازحين فيها ولضمان عدم نزوحهم إلى عواصمها.

فما هي حقيقة هذه المخاوف، وماذا لو طال أمد الحرب في سورية؟ هل سيحتمل لبنان البقاء تحت وطأة الأزمة إلى حين عودتهم الغير محدّدة بزمان؟ في ظلّ التراجع الملحوظ في الوضعين الاقتصادي والاجتماعي الذي ظهر في تقرير وزير المال علي حسن خليل؟ وكيف ستواجه الحكومة هذه التحديات؟ وبالتالي ما هي مسؤولية الحكومة السورية؟ وهل التنسيق بين الحكومتين للحؤول دون انفجار الأزمة موجود أم مفقود؟

تضيف مصادر الوزير باسيل أنّ «مؤامرة التوطين تستهدف وحدة الكيانات في المنطقة وما حصل في سورية هدفه تفتيت سورية كمدخل لتفتيت المنطقة التي بدأت من العراق وقبله في لبنان عام 1975 بهدف توطين اللاجئين الفلسطينيين. وتشدّد على أنّ «باسيل وخلال لقاءاته مع المسؤولين الغربيين ومشاركته في المؤتمرات الدولية يتلقى تطمينات بأن لا مخطط لتوطين النازحين بل إنّ المجتمع الدولي يحاول وضع شرعة وقواعد للنازحين في كلّ دول النزوح للحدّ من انفلاش الأزمة في انتظار عودتهم الى بلادهم، وتلفت إلى أنّ باسيل يردّد في كلّ لقاءاته الدولية على أنّ كلّ المكونات اللبنانية ترفض مبدأ التوطين بكلّ أشكاله لمخالفته مقدّمة الدستور ولأنّ التركيبة الطائفية والديمغرافيا اللبنانية لا تسمح بذلك.

وتدعو المصادر الحكومة للإصرار على رفض التوطين لاعتباره مشروع حرب أهلية ولحصار المقاومة من الداخل ما يشكل خطراً على كلّ الطوائف والمكونات وعلى لبنان الكيان، وحذرت من انخراط جهات في الداخل بمؤامرة التوطين، متسائلة: «ألم يكن تجنيس آلاف السوريين في لبنان عام 1994 مقدّمة لتوطينهم؟ وهذا ما شرعت تركيا القيام به ضمن صفقة مع الدول الأوروبية من خلال الإعلان عن منح الجنسية للنازحين السوريين على أراضيها.

وتكشف المصادر عن تواصل بين وزارة الخارجية اللبنانية مع المسؤولين السوريين المعنيين للتنسيق في ملف النزوح، وتؤكد أنّ «باسيل لمس من المراجع العليا في سورية استعدادها للتعاون مع لبنان لإعادة النازحين الجبرية وليس الطوعية على كافة المستويات، وأبدت جهوزية كاملة لإيجاد مناطق آمنة في المناطق المحرّرة في سورية وتحديداً في القصيْر والقلمون لنقل نازحي لبنان إليها، لكن ذلك يحتاج تعاون الحكومة اللبنانية، وهذا ليس متوفراً الآن.

وتنقل المصادر بعض محاضر أحد الاجتماعات الدولية، حيث توجه مندوب الدولة المضيفة في كلمته بالشكر إلى لبنان على إيوائه هذا العدد الكبير من النازحين من دون أيّ إشارة إلى إعادتهم إلى سورية، فما كان من المندوب اللبناني إلا أن ردّ عليه قائلأ: «لا نريد الشكر منكم فقط بل العمل لإعادة النازحين إلى بلدهم». وتذكر مصادر أخرى في هذا السياق بكلام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في اجتماع فيينا في أيار الماضي عن «اجراءات طويلة الأمد في البلدان المضيفة للنازحين السوريين»، وتتساءل في الوقت عينه ما يخفيه تضمين قرار الأمم المتحدة 2254 في كانون الأول الماضي عبارة «العودة الطوعية للاجئين الى بلادهم».

ويعرب السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي عن عدم خشيته من مؤامرة لتوطين النازحين السوريين في دول المنطقة، ويدعو في حديث لـ«البناء» اللبنانيين للاتفاق على ضرورة التنسيق مع سورية للانتصار على الإرهاب، لأنّ النازحين في لبنان والأردن وفي كلّ البلدان التي تحتضن نازحين على أراضيها يريدون العودة الى سورية لأنها الأقدر على احتضانهم»، ويشير إلى أنه على الجميع أن يعي مصلحته بأنّ الإرهاب عدو لهم، وبالتالي الدول التي ترعاه عدوتهم أيضاً، ويجب أن يسارع لبنان والأردن وغيرهما إلى التنسيق مع الحكومة والقيادة في سورية وليس مراعاة الدول التي تفرض العقوبات على سورية وتدعم التنظيمات الإرهابية، وبالتالي ساهمت في تهجير النازحين السوريين.

ويبدي السفير السوري عتبه الشديد على بعض السياسيين في لبنان الذين يهربون الى غير الوجهة التي تساعدهم على حلّ مشكلة النازحين التي هي مشكلة لسورية أيضاً، وبالتالي تحتاج الى تعاون البلدين لحلها وكلّ الدول التي لديها نزوح، ولكن علاج هذا الأمر لا يعتمد على تشويه الحقائق وطلب المساعدات الخارجية بل بإنهاء الحصار الاقتصادي على سورية وإيقاف دعم الإرهاب وعندئذ سيعود كلّ السوريين الى بلدهم باستثناء بعض الحالات الفردية وهذا موجود في كلّ دول العالم وله حلّ أيضاً».

تؤكد مصادر حكومية لـ«البناء» أنّ الحكومة مستعدّة للتعاون إنْ قدمت الحكومة السورية برنامجاً متكاملاً لعودة النازحين، مشدّدة على أنّ من مسؤولية الدولة السورية إيجاد مناطق آمنة على أراضيها كمكان لسكن موقت للنازحين، محذرة من انفجار مقبل لقنبلة النازحين في وجه الحكومة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والأمني والتي لن تستطيع احتواء تداعياتها الكارثية على المؤسسات.

ويبدي السفير السوري امتعاضه، واصفاً هذا الكلام بأنه هروب من الحقائق، متسائلاً: لماذا لم تقدّم الحكومة اللبنانية برنامجاً وتعرضه على الحكومة السورية؟ لماذا تتصل بكلّ دول العالم للمساعدة بينما مصلحة لبنان تقتضي الاتصال بسورية للتنسيق معها، خصوصاً أنّ هناك اتفاقات ناظمة بين البلدين عطلتها الحكومة اللبنانية وليس الحكومة السورية؟ مضيفاً: إذا تمّ تفعيل هذه الاتفاقات عندها نتمكّن من إيجاد الحلّ لكلّ المشاكل بين البلدين، وأول الحلول الإتفاق على إدانة الدول التي تدعم الإرهاب والتي تحاصر سورية ما أدّى الى أزمة النزوح».

ويرى علي عبد الكريم أنّ أيّ كلام خارج هذا الإطار لا يراعي مصلحة لبنان، وعما إذا كانت سورية تنتظر برنامجاً من حكومة لبنان، أجاب: «سورية لا تنتظر سوى انتصارها على الإرهاب وحينها إذا أراد لبنان مصلحته فعليه التنسيق معها، لكنه يوضح أنّ سورية مع عودة النازحين سواء طلب لبنان ذلك أم لا، فهذا مطلب سوري دائم».

ولا تحبّذ مصادر دبلوماسية سورية تقييم حكومة الرئيس تمام سلام والسياسة التي اعتمدتها تجاه سورية، لكنها تبدي ارتياحاً إزاء الرئيس سلام المحاصر بالضغوط الخارجية وحيال الحكومة الحالية مقارنة بحكومة ميقاتي التي كانت محسوبة على القوى الوطنية أكثر، بينما النسبة الأكبر من النزوح حصل خلالها وفتحت المعابر الغير شرعية وعطلت الاتفاقات بين البلدين، وتكشف المصادر عن وجود حدّ أدنى من التنسيق بين البلدين على المستوى الأمني بين الحكومتين والجيشين، ولكنها تدعو الى رفع درجة هذا التنسيق، متحدّثة عن تنسيق دائم ومستمرّ بين الجيشين، لا سيما على الحدود من خلال لجنة اتصال بينهما.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى