دي ميستورا: هدنة بين جبهتين ضدّ الإرهاب والعملية السياسية بعد الحرب جنبلاط يمنح خلوة آب فرصة… وحردان لوفد أوروبي: سورية القوية ضمانة

كتب المحرر السياسي

دخلت ألمانيا النفق المظلم الذي سبقتها إليه فرنسا وبلجيكا في مواجهة مفتوحة مع حالة ذعر يفرضها القلق الدائم من عدو مجهول بلا إسم، لا موعد ولا مكان لظهوره ولا قدرة مسبقة على توقع خطواته والأماكن التي سيضرب فيها، ومثلما وقعت فرنسا وبلجيكا، وجرّتا أوروبا وراءهما في وهم الفصل بين استخدام مناصري تنظيم «القاعدة» وتقديم التسهيلات لهم للفوز بالحرب في سورية، وبين ما سيرتبه ذلك من تداعيات على الأمن الداخلي لهما ولسائر الدول الأوروبية، وقعت ألمانيا بوهم الفصل بين التصرف المصلحي سياسياً واقتصادياً وتفاوضياً في قضية النازحين، وبين ما سيجلبه هذا التعامل من أعراض خطيرة على ملف الإرهاب، الذي سيشتدّ عوده ويقوى بالاستناد إلى قدرة التعامل مع مظلة النزوح وتوظيفها.

ليل ألمانيا الطويل الذي بدأ مع هجوم شنّه ثلاثة مسلحين على مركز تجاري في ميونيخ أودى بستة قتلى وعديد من الجرحى، استمرّ بالذعر من نجاح هؤلاء المسلحين بالفرار وبدء حملة ملاحقة واسعة النطاق، أدّت بالشلل في وسائط النقل وحالة الذعر في الأسواق، والأماكن السياحية، وأطلقت دعوات للمواطنين بملازمة بيوتهم، وللرعايا الأميركيين بالنزول إلى الملاجئ.

الحدث الألماني بعد فرنسا وبلجيكا يضع التفاهم الروسي الأميركي حول الحرب على تنظيمي «داعش» و«النصرة» خياراً جامعاً للدول المهدّدة من التنظيمات الإرهابية، وأولوية تتقدّم على الحسابات التي حكمت خلال السنوات الماضية التعامل مع الحرب في سورية بخلفية أولوية دعم الجماعات المسلحة للنصر على الدولة السورية، والسير في هذا السياق وراء الخطة السعودية التركية، التي بدأ الصوت يرتفع عالياً في أوروبا تنديداً بتهاون الحكومات تجاهها واستسهال اتباعها، وهذا ما قاله أمس رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أمام وفد من الأحزاب اليونانية، داعياً إلى فهم مكانة قوة سورية في تحقيق أمن أوروبا بالنظر لأهمية ما تستطيعه سورية القوية في الحرب على الإرهاب، متوجهاً للأوروبيين الحريصين على أمنهم إلى المسارعة برفع العقوبات عن سورية والعودة للعلاقات الطبيعية مع حكومته، حيث يمكن التعاون في حلول إنسانية وواقعية لقضية النازحين خارج نظريات التوطين المشبوهة.

التفاهم الروسي الأميركي سيكون على جدول أعمال اللقاء الذي سيجمع وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف مع المبعوث الأممي في سورية ستيفان دي ميستورا، حيث أفادت مصادر أممية أنّ دي ميستورا بدأ بإعداد أوراقه نحو معادلة الفصل بين صيغتي الهدنة والعملية السياسية، حيث يتمّ الحوار لتثبيت قواعد هدنة طويلة بين الدولة السورية وحلفائها من جهة، والجماعات المسلحة التابعة لفضائل تشترك في تشكيلات المعارضة، التي ترتضي استبدال أولوية تغيير النظام في سورية ومطالبتها بتنحّي الرئيس السوري، بأولوية الحرب على «داعش» و«النصرة»، وتقوم إما بالمشاركة بهذه الحرب أو على الأقلّ بالفصل بين وجودها وأماكن تمركزها ومناطق سيطرة «داعش» و«النصرة»، وفي المقابل تجميد العملية السياسية حتى نهاية الحرب على الإرهاب أو بلوغها مراحل متقدّمة تسمح باستئناف العلمية السياسية مجدّداً، ومن ضمنها الإعداد لانتخابات تشارك الأمم المتحدة في الحوار مع الأطراف لصياغة آليات إجرائها والرقابة عليها، والضمانات اللازمة، بما فيها فرضية دستور جديد وحكومة جديدة، وتعتقد الأوساط الأممية أنّ هذه الصيغة ربما تكون أسهل على الفصائل المعارضة وداعميها من القبول بحكومة موحدة في ظلّ الدستور السوري والصلاحيات التي يمنحها للرئيس، وارتضاء التواجد في حكومة تعمل في ظلّ الرئاسة التي ارتبط مصير هذه القيادات المعارضة بالعمل لإسقاطها.

لبنانياً يبدو الجمود مسيطراً على كلّ المسارات السياسية بانتظار خلوة آب التي يرى كثير من القيادات صعوبة في إحداثها ايّ اختراق، خصوصاً في ظلّ غياب تفاهمات إقليمية دولية تمنحها قوة الدفع والتغطية اللازمتين، وصعوبة التفاهم على قانون الانتخابات والمقاربات المتعاكسة من زاوية المصالح الانتخابية في التعامل مع المشاريع المتداولة، بينما ترى مصادر مطلعة أنّ فرضية النجاح في إحداث اختراق ما يجب عدم إغفالها مع الموقف المستجدّ للنائب وليد جنبلاط الذي انضمّ علناً إلى الداعين لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وما يمكن التوصل إليه من تشارك مع الداعين لتحقيق النصاب إلى المشاركة في جلسة انتخاب، وتسهيل قيام أغلبية نيابية بتأمين فوزه، مقابل أغلبية مقابلة ومشابهة من قوى أخرى يحسمها موقع جنبلاط ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري ونواب القوات اللبنانية المشترك في الأغلبيتين، لتأمين تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، وترك الخلاف على قانون الانتخاب للحكومة الجديدة.

حردان: لضرورة رفع العقوبات عن سورية

أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أنّ الإرهاب الذي يعيث قتلاً وتدميراً وإجراماً في سورية، وكذلك في العراق وصولاً إلى لبنان وكلّ المنطقة، هو إرهاب يطال العالم بأسره، ومواجهته تتطلب موقفاً حازماً وصادقاً من كلّ دول العالم، وفي مقدّمها الدول التي لا تزال تدعم الإرهاب بأشكال وعناوين مختلفة.

وقال حردان خلال استقباله وفداً يونانياً مشكلاًً من أحزاب البازوك، الديمقراطي المسيحي، الوطني، والخضر، وأعضاء من كتلها النيابية، إنّ القضاء على الإرهاب برمّته لن يتحقق بضربات تقليدية يوجّهها التحالف الدولي بقيادة أميركا، لأنه من جهة ثانية يدعم الإرهاب بذريعة دعم المجموعات المعتدلة، ونموذج هذه المجموعات التي تسمّيها أميركا وحلفاؤها معتدلة، هي ذاتها التي أقدمت على ذبح الطفل الفلسطيني في مدينة حلب بطريقة وحشية يندى لها جبين الإنسانية.

ووضع حردان الوفد في صورة استثمار العديد من الدول في الإرهاب، وفي معاناة السوريين، لا سيما النازحين من جراء جرائم الإرهاب، وأكد أنّ الحزب القومي أطلق دعوة حول موضوع النازحين في لبنان وفي الأردن، ودعا حكومات هذه الدول الى التنسيق الفوري مع الحكومة السورية والأمم المتحدة من أجل وضع الحلول المناسبة، خصوصاً أنّ الحكومة السورية ومنذ بدء الحرب الكونية ضدّها، تؤكد استعدادها وإمكاناتها لتأمين أماكن ايواء للنازحين داخل الأراضي السورية، وتحمّل مسؤولياتها تجاههم.

وقال حردان إنّ دور الأحزاب اليونانية والأوروبية أساسي في حمل هذه القضية، لإفشال مخطط تهجير السوريين من أرضهم وتوطينهم في أماكن أخرى، لافتاً إلى أنّ الحكومة التركية التي هي طرف في الحرب ضدّ سورية، لا تزال تستثمر في الإرهاب، وهي استثمرت قضية النزوح السوري بحصولها على تمويل أوروبي وغربي من دون ان تقدّم أبسط الخدمات والمعونات الإنسانية للنازحين، واقتصرت إجراءاتها على مواقف لفظية لتسديد فواتير الأموال الطائلة التي حصلت عليها مستغلة معاناة النازحين.

وشدّد حردان على ضرورة رفع العقوبات عن سورية سريعاً، لأنها تشكل حصاراً للسوريين وهو حصار غير مشروع وغير قانوني، وفرض بغير ذي وجه حق.

الإيراني الرقم الصعب

أما الملف الرئاسي في لبنان فلا يزال محلّ تجاذب بين محورين: محور سعودي اميركي ومحور محلي اقليمي. يهدف المحور الأول إلى الاستمرار في التطبيق المشوّه للطائف وإقصاء حزب الله عن الحكم وإيصال رئيس جمهورية على غرار الرئيس ميشال سليمان الذي بات في منتصف عهده فريقاً من أفرقاء 14 آذار في تنفيذ الأجندة السعودية والأميركية. أما المحورالثاني فيتشكل من حزب الله لبنانياً ومن سورية وإيران، ويهدف إلى إقامة التوازن في النظام وتطبيق الطائف بحذافيره من دون تشويه، وانْ تعذر فتعديله بنصوص تمنع الانحراف.

وتشير مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أنّ هذين المحورين متكافئان ويتبادلان الفيتو والفيتو المضادّ ولن يكون للبنان رئيس للجمهورية الا بحلّ من اثنين… إما غلبة فريق على فريق أو تفاهم الفريقين. ولفتت المصادر الى انّ الدور الروسي في الملف الرئاسي ليس ذي ثقل وازن، والمسلك المفتوح امامه يكمن في لعب دور الوسيط بين المحورين لإنتاج تفاهم على الرئيس يكون شريكاً في إيصاله الى قصر بعبدا، او ان يتواجد في محور المقاومة ويكون ظهيراً لها في موقفها. وإذ اعتبرت المصادر أنّ لبنان امام خيارين إما انتخاب العماد ميشال عون خلال فترة الأشهر الثلاثة المقبلة او أنّ الفراغ مستمر الى العام 2017، لا سيما انّ الملف الرئاسي مرتبط بملفات المنطقة عموماً والملف السوري خصوصاً، والايراني هو الرقم الصعب في هذه الملفات.

وتقول مصادر بالغة الاطلاع على الموقف الروسي لـ«البناء» إنّ كلّ كلام آخر عن الموقف الروسي ليس إلا من باب المزايدات، لا سيما أنّ موقف نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف معروف حيال الانتخابات الرئاسية اللبنانية ولا يعوّل عليه، وما نسب إلى دعم روسيا لهذا المرشح أو ذاك لا يمثل الحقيقة لا من قريب ولا من بعيد».

حضور عون الحوار وارد

وتبقى الأنظار مسلطة على الخلوة المرتقبة في 2 و3 و4 آب المقبل لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود حيال القضايا العالقة. وأكدت مصادر قيادية بارزة في التيار الوطني الحر لـ«البناء» انّ حضور رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون شخصياً جلسات الحوار في شهر آب المقبل وارد، ومرهون بالتطورات التي قد تستجدّ قبل مطلع الشهر المقبل. ورفضت المصادر اعتبار غياب العماد عون عن الجلسات السابقة بالمقاطعة للرئيس نبيه بري، فالعلاقة بينهما جيدة تحكمها ملفات استراتيجية ووطنية، مشدّدة على أنّ العماد عون كان ممثلاً في الجلسات السابقة برئيس التيار الوطني الحر الوطني الحر الوزير جبران باسيل.

وتوقع مصدر نيابي لـ«البناء» على عكس الكثير من الأفرقاء أن تحمل خلوة آب جديداً على الصعيد الرئاسي، مشيراً الى الموقف المتقدّم للنائب وليد جنبلاط في هذا الشأن. ودعا إلى «عدم استباق الأمور، فنحن قادمون على مرحلة من الحوار ستتطرّق الى مجمل الاستحقاقات العالقة»، مشيراً إلى «حسّ عند الأفرقاء السياسيين أننا أصبحنا مأزومين على الصعيدين السياسي والاقتصادي لبنان لا يحتمل المزيد من التأزم».

التوفيق بين اقتراحي المختلط ملتبس وصعب

الى ذلك، لن يكون مصير قانون الانتخاب أفضل حالاً من عتمة الكهرباء التي يغرق فيها لبنان من دون أن تحرك الحكومة ساكناً، فاللجان المستركة تجتمع الاربعاء المقبل في جلسة وصفها أكثر من مصدر نيابي بالمضيعة للوقت، مع التشكيك وسط هذا السواد الأعظم بوجود بقعة ضوء في إقرار قانون انتخابي جديد في هذه الجلسة أو سواها، فقانون الانتخاب جزء من الحوار حول السلة المتكاملة ولن يكون التوافق عليه بمنأى عن الاستحقاقات الأخرى المرتبطة بالرئاسة والموازنة.

وأكد النائب علي فياض لـ«البناء» أنّ جلسة السابع والعشرين من الجاري هي بديل عن الجلسة التي لم يكتمل نصابها في 13 تموز الحالي، ولا يُتوقع أن ينبثق عنها جديد ذو معنى. وقال: «من الصعوبة إحداث تقدّم في قانون الانتخاب إذا لم يكن هناك اتفاق على القضايا السياسية العالقة، فقانون الانتخاب له علاقة بمجمل تطورات المواقف تجاه الملفات المختلفة. وإذ أبدى اعتقاده بأنّ نصاب جلسة الاربعاء المقبل سيكتمل، رأى أنّ النواب سيكونون حائرين ماذا يناقشون، ومن أين يبدأون وعلى ماذا يتفقون»!

وأشار إلى «أنّ النقاش كله منصبّ على اقتراح القانون المختلط ومحاولة التوفيق بين الاقتراح المقدّم من الرئيس نبيه بري، والصيغة المقدّمة من «القوات» و«الاشتراكي» و«المستقبل»، علماً أنّ هذه العملية ملتبسة وصعبة»، مشدّداً في الوقت نفسه على «أنّ حزب الله متمسك بمشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا يزال جزءاً من الاحتمالات المطروحة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى