لماذا «خلط الحابل بالنابل» في القضايا الفلسطينية والعربية؟

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

ما يجري من عمليات «خلط للحابل بالنابل» على رأي المأثور الشعبي، في القضايا العربية والفلسطينية، لا يتم ولا يجري بصورة عبثية، بل يجري وفق خطط ومخططات ومشاريع تقودها جهات عربية وإقليمية ودولية، وكل هذا المشاريع هدفها الأول تصفية القضية الفلسطينية، وفك وإعادة تركيب الجغرافيا العربية على تخوم المذهبية والطائفية وشيطنة قوى المقاومة نهجاً وثقافة وخياراً وتسفيه هذا الخيار، واعتبار من يقولون به أو يعملون على تدعيمه أو تسيده في المجتمع العربي مجموعة من المغامرين، أو الذين يريدون خدمة أهداف وأجندات تتعارض مع الأمن القومي العربي! وكذلك خلق وعي عربي جديد،على غرار ما قام به الجنرال الأمريكي «دايتون» مع أجهزة الأمن الفلسطينية، بحيث يجري النظر إلى اسرائيل كدولة صديقة في المنطقة، وبحيث تصبح مهمة تلك الأجهزة محاربة قوى المقاومة لأنّ ذلك يتعارض مع المصلحة وأمن الشعب الفلسطيني.

ما يجري اليوم خطير جداً وليس فقط يهدف إلى شرعنة التطبيع واعتبار القائمين على مناهضته، أناس يفتقدون لبعض النظر أو أنهم يعملون لأهداف وأجندات ومصالح خاصة أو غير وطنية، والشيء الأخطر هنا عملية تطويع الوعي العربي عبر تشويهه من خلال مراكز بحث ودراسات عربية وأوروبية وأمركية وإسرائيلية، بالاضافة إلى حملات موجهة إعلامياً وسياسيا ومخابراتياً، يضخ من خلالها مئات المليارات من الدولارات لهذه الغاية ولشراء الذمم بالجملة مؤسسات وجمعيات وقيادات دينية وحزبية وسياسية وثقافية،, وأكاديمية، وما يسمى بالنخب عزمي بشارة ومصطفى البكري وبرهان غليون وهيثم مناع وغيرهم نموذجاً..

ومن هنا نجد أنّ خيار المقاومة يتعرّض لحالة من الذبح غير المسبوق، من خلال القول بعبثيته، وتشويه القوى والدول التي تتمسك به كخيار ونهج من أجل تحرير الأوطان العربية المحتلة، أو اعتباره الدعامة الرئيسية في الدفاع عن المصالح العربية وعن السيادة والأمن القومي العربي، والإستعاضة عن ذلك بإستدخال ثقافة الهزائم و«الاستنعاج» والترجّي والاستجداء على عتبات المؤسسات الدولية والبيت الأبيض والعواصم الأوروبية الغربية، وحتى دولة الإحتلال الصهيوني، التي وجدنا العديد من الدول العربية وبالذات المشيخات النفطية والبترولية، أصبحت تجاهر بعلاقاتها العلنية معها، وتنقل تلك العلاقة من الجانب السري إلى العلني، وما يترتب على ذلك من تنسيق وتعاون أمني وعسكري واستخباري وسياسي، يضاف لذلك التطبيع والتبادل التجاري والإقتصادي والدبلوماسي، وما يستتبع ذلك من حرف وتشويه لأسس وقواعد الصراع والمخاطر، بحيث تصبح «اسرائيل» ليست عدوة للعرب أو هي التي تشكل مصدر خطر على وجودهم وأمنهم القومي وخيراتهم وثرواتهم، بل وجدنا بأنّ دول المشيخات النفطية كجزء من دورها في المشاريع الإستعمارية للمنطقة، مشروع الفوضى الخلاقة وسايكس بيكو الجديد، وظفت الفتن المذهبية والطائفية سني- شيعي! ومسلم- مسيحي! ونقلتها من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي! بحيث تصبح إيران هي «العدو المركزي للأمة العربية»، وكلّ ما يتصل بها من محور مقاومة عربي أو إسلامي، ولذلك وجدنا الاتهامات لإيران بأنها فارسية ومجوسية ورافضية وطامعة في الوطن العربي، وحزب الله المقاوم أصبح حزب الشيطان وزعيمه المقاوم ليس السيد حسن نصرالله بل حسن اللات، وكذلك الرئيس الأسد اتهم بالعلوية والخضوع لإيران وبأنه يذبح شعبه في إشارة إلى تصدّيه ومقاومته للمشاريع المستهدفة للدولة، والسلطة والجغرافيا والموقف وبنية الدولة السورية ومؤسساتها، وما طال الأسد طال جماعة انصار الله «الحوثيين» في اليمن، وأية قوة مقاومة عربية، تقول لا للمشاريع الإستعمارية في المنطقة، أو تدعو إلى إحياء المشروع القومي العربي، وعدم التطبيع مع دولة الإحتلال الصهيوني.

نحن اليوم أمام نقلة غير مسبوقة من السقوط والإنهيار والدفاع عن ذلك تحت حجج وذرائع واهية، لرتق ثوب العجز أو لبقاء ورقة التوت ساترة للعورات، بأن اللقاءات مع الإسرائيليين تستهدف شرح الموقف والرؤيا الفلسطينية لهم، وبأنّ ذلك شكل من أشكال النضال والإشتباك السياسي، بحيث يكون الطرف الفلسطيني هو العراب في التطبيع، ويعطي للواقفين على الدور من العرب الحجة والذريعة لشرعية وعلنية التطبيع مع المحتلّ، ولسان حالهم يقول ما دمتم قد ذهبتم كأعلى سلطة في المنظمة، اللجنة التنفيذية، لكي تشتبكوا «سياسياً» مع «إسرائيل» في مؤتمر هرتسيليا، هذا المؤتمر الذي يرسم الإستراتيجيات حول المخاطر المحدقة بدولة الإحتلال، والذي حضوره يشكل نوعاً من أنواع العمى السياسي بامتياز، فإنّ من حق اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية زيارة «اسرائيل» والإلتقاء بعدد من أعضاء «الكنيست» الصهيوني وبحضور ممثل عن السلطة اللواء جبريل الرجوب، تلك الزيارة التي أتت في ذكرى ثورة 23 يوليو المصرية بقيادة عبد الناصر، لكي تقول بنهاية حقبة المقاومة ورفض الاعتراف بوجود اسرائيل، وكذلك من أجل نقاش المبادرة العربية، التي ترى اسرائيل ونتنياهو، أنّ الإيجابي فيها هو التطبيع العربي مع اسرائيل، كأولوية على الإنسحاب من أيّة أراضي فلسطينية محتلة.

ما يجري من عملية «خلط للحابل بالنابل» في قضايا جوهرية واستراتيجية تمسّ جوهر الوجود والأمن القومي العربي. والقضية الفلسطينية، اساس وقواعد الصراع، التطبيع مع دولة الإحتلال والإعتراف بها، المخاطر المحدقة بالأمة العربية وأمنها، تصفية القضية الفلسطينية وجوهرها قضية اللاجئين، الهجوم الشرس على قوى المقاومة وغيرها،كلها قضايا تدار من قبل نخب سياسية امري صهيونية، وبمشاركة قوى عربية وإقليمية ودولية، تهدف إلى شرعنة دولة الإحتلال في المنطقة، واعتبارها القوة المركزية المتحكمة بأمن الدويلات العربية المجزأة والمنشطرة والمسيطرة على ثروتها وخيراتها، مترافق ذلك مع ضمان احتجاز تطور كامل المنطقة العربية لمئة عام مقبلة مقسمة ومفتتة على تخوم المذهبية والطائفية، مع خضوع تامّ لأميركا والقوى الإستعمارية الغربية، عبر سايكس- بيكو جديد.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى