مهاجرون سوريون يعودون إلى بلادهم ويروون حكايات عن رحلة الموت!

رانيا مشوّح

بعدما اجتازوا الحرب في بلادهم، خاضوا حرباً لا تقلّ شراسة، واحتمالات الموت فيها لا يستهان بها. منهم من تخلّى عن كل ما يملك حتى ثيابه ليرافق المغامرة إلى «الحلم الأوروبي» الذي يعاني منه كل الشباب العربي بنظرتهم إلى عالم الغرب، ومنهم من كان همّه الهروب، وفقط الهروب. فهل الطريق كانت وردية وهل صادفوا بعض أحلامهم هناك؟ لكن، منهم من قرّر الرجوع إلى حلبة الموت الدافئ في بلاده، بدلاً من العيش وسط القصر الأوروبي مسلوب الإنسانية. فهل يا ترى استفاقوا من أحلامهم إلى واقع أشبه بالكابوس حتى غامروا من جديد بعد المعاناة التي مرّوا بها والتكلفة الكبيرة التي سددوه؟

من هنا، كانت لـ«البناء» لقاءات مع عدد من الشبان الذين عادوا إلى سورية بعد شهور قليلة من لجوئهم إلى أوروبا.

محمد يوسف وعلي أحمد وأيمن التبريزي، كانوا نماذج واقعية لمعاناة المهاجرين السوريين.

سورية لم ترسل إلى الغرب لفيفاً من الشباب غير الواعي أو الجاهل، فيما كان محمد يوسف قبل سفره يدرس الحقوق في جامعة دمشق حيث قال: أنا طالب حقوق في السنة الثانية، وكنت أحاول أن أجد عملاً في سورية ولم أتمكن، ومن هنا جاء قرار السفر. لم أفكر في الموت خلال الرحلة، ولا في أنني سأذهب إلى أي بلد لكي أعيش على الراتب الزهيد الذي يقدّموه. كان جلّ اهتمامي مُنصبّ على أن أعمل وأكمل دراستي كي أؤسّس لمستقبلي.

أما علي أحمد، الشاب الثاني الذي أقدم على هذه الخطوة فقال: كنت أعمل في مجال صيانة الالكترونيات والتصميم، أي تصميم المواقع والتصميم الإعلاني. أما عن السفر، فقبل أن أتّخذ هذا القرار بسنة، كنت أسمع من كثيرين خطوا هذه الخطوة، أن العمل متوفر، والحياة في أوروبا أفضل، وأنه بإمكاني أن أجلب أهلي إلى أوروبا أيضاً. كما أن الحرب هنا كانت تشتد يوماً بعد يوم، فتكونت لدي قناعة بالفكرة وأقدمت عليها.

أما أيمن التبريزي فقال: نلت شهادة في الأدب الفرنسي، وكنت أعمل في محل خاص بي لبيع الألبسة. لكن الأوضاع في البلد والغلاء المتزايد وحركة السوق الراكدة، كل ذلك جعلني اتخذ هذا القرار، خصوصاً أنني متزوج وأب لطفلين، وأريد تأمين مستقبل جيد لأسرتي، وأن أحميها من الموت الذي يحاصرنا في كل مكان. لذا قررت أن أخاطر بنفسي لأجلهم.

دول عدة شاركت في استقطاب اللاجئين السوريين، لكن للسوريين وجهات محددة لدول اعتبروها الأهم عالمياً وعاشوا تجربة الموت المحتم في رحلة الوصول إليها. وفي هذا قال يوسف: اخترت ألمانيا، وكانت الرحلة أشبه برحلة الموت واستغرقت أسابيع بين البحار والجبال، حيث أننا وصلنا إلى مرحلة التسليم بقضاء الله أكثر من مرّة.

وعن تجربته قال أحمد: كانت وجهتي إلى السويد، حيث كان طموحي أن أحصل على الإقامة وأبدأ بالعمل والدراسة. أما رحلة الوصول فكانت خطرة جداً ولا أتمنى تكرار هذه التجربة. البداية كانت في تركيا بين تجار التهريب من أصحاب السوابق والمجرمين وكانت معاملتهم لنا غير لائقة، على رغم المبالغ التي كانوا يتقاضونها. كما كانوا يأخذونا في الليالي بين الصخور والجبال للوصول إلى النقاط المحددة. كنا نعتقد أن وصولنا إلى هذه النقاط هو الخلاص، ففوجئنا بأننا كنا قرابة سبعين شخصاً سيستقلون مركباً لا يحتمل أكثر من ثلاثين، والغالبية من النساء والمسنّين والأطفال.

وأضاف: اعتقدنا بعد وصولنا إلى اليونان أننا اجتزنا المخاطر، لكن وجدنا خطراً من نوع آخر ينتظرنا. المهاجرون من بلدان أخرى. فهؤلاء لا مشكلة لديهم في القتل مقابل سرقة ما تحمله، حتى جواز السفر الخاص بك.

وعن رحلته الأقل خطورة قال التبريزي: رحلتي دامت ستة أيام إلى ألمانيا، لم أعيش التفاصيل المخيفة التي سمعت عنها على رغم أننا مشينا كثيراً في الغابات. كلّ ما كنت أفكر به الوصول. التعب النفسي والجسدي كان رفيقنا في هذه الأيام حيث كنا لا نتمكن من النوم خوفاً من السرقة لأننا لم نكن سوريين فقط بل كان معنا أشخاص من كل أصقاع الأرض.

وعن طريقة التعامل مع السوريين في تلك الدول قال يوسف: لم ألتقِ أشخاصاً ألمانيين كُثراً، خصوصاً أننا كنا في أماكن معزولة، وبالمجمل كان تعاملهم عادياً إلى حدّ ما، ليس هناك أيّ عاطفة محسوسة.

كما قال أحمد: المعاملة كانت جيدة والناس كانوا طيبين ومحترمين وبشكل عام وجدت أن الشعب مُسالم إلى حدّ ما.

وعلى الخلاف من ذلك قال التبريزي: لم تكن المعاملة لائقة، فكما أن هناك أشخاصاً جيدين هناك أشخاص نازيون، لا يرغبون بنا، ويعتبرون أن أي شخص عربي هو إرهابي، حيث تعرضت لعدة ممارسات عنصرية منهم وصلت إلى حدّ أنني وأثناء توقيعي على أوراق الخروج من بلادهم، أخبرتهم أنني ذُلّلت في بلادهم لكن في بلادي وعلى رغم كل ما يحصل، لم أشعر بهذا الذلّ الذي تعرضت له عندهم.

التكلفة الكبيرة، المخاطر المحدقة من كل حدب وصوب لم تمنع أولئك الشبان من اتخاذ قرار العودة إلى سورية وعن هذا قال يوسف: شعرت بأنني خسرت قوميتي وعروبتي، خسرت سورية إلى الأبد على رغم أنني وخلال الرحلة مررت بسبع دول، عرض علينا المسؤولون فيها اللجوء، إلا أنني لم أجد مثل وطني وعاداتنا وتقاليدنا.

وأضاف: بلحظة تسرّع خسرت بلادي، وغالبية المقيمين هناك يتمنّون العودة. لذا أنصح أيّ شاب بعدم المغامرة والتسرّع، فلا أحد يستطيع الحياة من دون وطن.

ولأحمد أسبابه أيضاً حيث قال: كانت عاطفتي أقوى من عقلي، فالشوق للأهل والحياة في سورية أقوى من أي شيء. كنت دائماً أشعر أن هذه البلاد ليست لي ومكاني ليس فيها. بلحظة اتّخذت قرار العودة ولم أفكر بأيّ تكلفة أو معاناة مررت بها مقابل أن أحصل على دقيقة واحدة في بلدي. ونصيحتي لمن يرغب بالسفر ألا يغامر فقط من خلال الكلام الذي يسمعه من الناس، لأنه سيفاجأ بواقع آخر مختلف تماماً.

وفي الإطار نفسه قال التبريزي: قرار العودة كان في بالي منذ لحظة الوصول. لكنني صبرت لعدة أشهر كوني سافرت لأجل أولادي، إلا أنني لم أتمكن من الحصول على أيّ ضمانات لجلب أطفالي. كما أن السوري يختلف عن باقي الأشخاص الآخرين، فهو غير مُعتاد على أن يكون ضيفاً، دائماً كان هو المُضيف. وللحظة تهون عليك نفسك بأننا لم نُعامِل كلّ من لجأ إلى بلادنا بهذه المعاملة، لم أعد أفكر بالسفر حتى للسياحة، ولا أنصح أيّ أحد بهذه القرارات. فكرامة السوري فوق كل اعتبار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى