حيّ العمارة… تاريخ دمشق مختصَراً ببنائه ومعالمه

لورا محمود

هو حيّ يختصر تاريخ دمشق بطريقة بنائه والمعالم الموجودة فيه أهمها باب الفراديس أو باب العمارة أحد أبواب دمشق السبعة. بناه الرومان ونُسب لكوكب عطارد، وقد ذكره ابن عساكر في كتابه «تاريخ دمشق».

فمدينة دمشق التي يمتد تاريخها إلى أكثر من 8000 سنة قبل الميلاد تضمّ عدداً من الأحياء التاريخية منها «حيّ العمارة» في قلب دمشق القديمة والقريب جداً من المسجد الأموي.

الموقع والتسمية

يعدّ من أبرز أحياء مدينة دمشق القديمة، يقسمه سكان الحي إلى قسمين: «برّاني»، و«جواني». ما كان داخل السور يسمى «العمارة الجوانية»، وما كان خارج السور يسمّى «العمارة البرانية»، يقع في الجهة الشمالية من المدينة القديمة، وعلى بعد أميال قليلة من المسجد الأموي الكبير.

منطقة «العمارة» واحدة من أقدم أحياء دمشق وتعود إلى زمن تأسيس المدينة وعمارتها، ومن هنا استمدت اسمها، ويمكن للمشاهد وللناظر رؤية مآذن مسجد بني أمية الكبير من كل منزل في الحي تقريباً، إضافة الى أن الأسواق القديمة ليست ببعيدة عن الحي أيضاً.

«حي العمارة» بأجزائه الثلاثة ظل يتردّد في الأذهان كما في الوجدان لسنين طويلة، وفيه سرّ لم يعد موجوداً وهو «سرّ الباب» الذي تتفرع منه الأزقة والحارات. فالأبواب لم تعد موجودة منذ أكثر من نصف قرن، إنما ظلت أسماؤها كـ«باب البريد»، «باب المصلى»، «باب الجابية»، «باب شرقي»، «باب توما» وغيرها.

على الشارع الرئيس في «حيّ العمارة»، يمتد سوق طويل يكتظ بالدكاكين، تتنوع فيه المحال والمعروضات، من الحلويات إلى المنظفات والأدوات الصحية والخردوات.

يحدّ السوق من الشرق «باب توما»، ومن الغرب «القزازين»، ومن الجنوب شارع «الثورة» ومن الشمال «العصرونية»، وكان أصحاب المحال في سوق «العمارة» يمتهنون «القصابة»، ولكن حالياً تتنوع المهن في السوق.

معالم الحيّ

في «حيّ العمارة» عدد من الأوابد والمباني القديمة الأثرية، حيث تقع المكتبة الظاهرية تقابلها المدرسة العادلية الكبرى أو «مجمع اللغة العربية»، حيث يظهر الانسجام الواضح بين البنائين، وكأنما أراد المصمم أن يؤلف منهما وحدة عمرانية يتحديان الزمن بشيء من الروعة وجلال، فقد أنشأ الظاهر بيبرس المكتبة الظاهرية في عام 1277 للميلاد لتكون المكتبة الوطنية لبلاد الشام جمعاء. يحوي البناء على الزخارف الجميلة والمنحوتات والمكتبات العظيمة إضافة إلى البوابة التي تحمل تصاميم هندسية قل نظيرها جعلت المكتبة تكون لربما من أهم المواقع التاريخية في دمشق على الإطلاق. وقد اعلنت الحكومة السورية البناء كمكتبة وطنية في عام 1880، وبعد ذلك أصدر مرسوم في عام 1949 يقضي بتزويد المكتبة بنسخة من كل عمل ينشر في البلاد. حلت مكتبة الأسد الوطنية عام 1983 مكان المكتبة الظاهرية بوصفها المكتبة الوطنية في سورية، لكن المكتبة الظاهرية بقيت من أهم وأقدم المكتبات في دمشق. وفي الحي أيضاً ضريح الظاهر ببيرس.

كما يوجد في «حيّ العمارة» باتجاه باب البريد شارع ضيق معبد بالحجر البازلتي الأسود، مشت عليه في يوم ما عربات السلاطين والملوك والأمراء وقادة الجيوش. وفي الحيّ يقع مقام السيدة «رقية بنت الحسين» الذي بني في عام 1985 بطراز معماري فارسي مشغول بتناظر رائع وملبّس بالذهب، ويجاورالمقام مصلى إلى جانبه باحة صغيرة.

من حارات الحيّ الشهيرة حارة «السبع طوالع» خلف المكتبة، وفيها أقام الأمير عبد القادر الجزائري قصراً في «العمارة الجوانية»، أوائل القرن التاسع عشر، وكان لهذا القصر جسر خشبي على فرع نهر العقباني، يصل بين زقاق النقيب حيث القصر، وبين حيّ «الشرف الأعلى».

أحياء دمشق القديمة عموماً أحياء متشعبة بقناطرها ومساجدها وأسواقها وبقايا سورها، ولعل من السهل التخيل أن الحياة في المدينة لم تكن شديدة الاختلاف عما هي اليوم بحيويتها الدائمة.

تضيق جدران الحارات أحياناً بحيث لا تكاد تستطيع المرور من دون لمس الجدران المحيطة بك. وتزيّن الكروم سطوح بعض الأزقة لتعطيها مظهراً فائق الروعة. وعلى رغم تشابك الأزقة والحارات التي ربما تجعل المتجول فيها يضيع، إلا أن تاريخ المكان يعطي فرصة الاكتشاف المتجدد للمعالم الخالدة التي تتوزع على أرجاء أرقى مدن العالم.

المنازل الدمشقية

تنتشر في الحيّ البيوت العربية ذات الطابع الشرقي التقليدي مع الزخرفة الإسلامية، وهي أبنية أثرية تمتاز بفناء داخلي واسع يسمى بـ«أرض الديار»، تحيطه الغرف وتتوسطه بركة ماء جميلة، فلا يكاد بيت دمشقي يخلو من شجرة ياسمين أو غاردينيا، وتتماشى البيوت الدمشقية العربية ذات الطابع الشرقي التقليدي مع متطلبات المجتمع والتقاليد الإسلامية وتتكون البنية العامة لها من المواد الأولية المتوافرة في البيئة المتوسطية عامة وفي غوطتَي دمشق، خصوصاً من أخشاب وأحجار بازلتية وكلسية. فالشوارع داخل «العمارة» مرصوفة بالطوب الأسود. ومن يتجوّل في أركان المنطقة لا يفصله عن المنازل الدمشقية الفارهة التي تكاد تشبه القصور في تميّزها إلا الأبواب الخشبية البسيطة.

البيوت صلبة ومعزولة من الخارج، تشرف جميع غرفها على باحات فسيحة تتوسط كل منها «بحرة» وتحيط بها أشجار الليمون والنارنج من كل صوب. يعلو الباحات في معظم الأحيان طابق ثانٍ تشرف غرفه عليها وعلى أزقة الشارع الضيقة. تزين الجدران الخارجية للباحات زخارف إسلامية جميلة وتكسو الألوان سقوف الغرف الرئيسة.

ولا يزال أهلها محافظين على العادات التي تربو عليها فنمط العيش في المجتمع الدمشقي القديم كان وما زال عائلياً بامتياز، وما زال إلى الآن يقطن في البيت الواحد أكثر من أسرة واحدة.

أهم شخصيات «حيّ العمارة»

شهدت منطقة «حيّ العمارة» نشوء شخصيات عدّة ساهمت في صنع تاريخ المنطقة والعالم. نذكر من هؤلاء الأديب عزت محمد خير حصرية، والكاتبة وفاء الكيلاني، والشيخ رمضان ديب، والأمير عبد القادر الجزائري الذي أقام في «حيّ العمارة» قادماً من بورصا، حيث أعطاه السلطان العثماني قطعة أرض مقابلة للمسجد الأموي ومئذنة العروس التاريخية. لذا كانت لهذا البيت أهمية البيت تكمن بطريقة تشييده المعمارية الجميلة. هذا ما جعل الأمير يستقر به وقام بإعادة بناء عدد من المساكن المجاورة لبيته لتكون سكناً لباقي أفراد أسرته. وقد ركز على الطابع الجمالي للبيت من خلال الاعتماد على الطراز الدمشقي، وكانت له مشاركة بارزة في الحياة السياسية والعلمية. فقام بالتدريس في الجامع الأموي، وبعد أربع سنوات من استقراره في دمشق، اندلعت أحداث طائفية دامية في الشام عام 1860، لعب الزعيم الجزائري دور رجل الإطفاء بجدارة، فقد فتح بيته للمسيحيين في دمشق كخطوة رمزية وعملية على احتضانهم. وهي مأثرة لا تزال تذكر له إلى اليوم إلى جانب كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى