مهرجانات بعلبك الدولية تنطلق بإبحارٍ في الزمن مع فرقة كركلا

محمد أبو إسبر

افتتحت مهرجانات بعلبك الدولية موسمها لهذا الصيف، في الاحتفالية الخاصة بذكراها الستين لانطلاقتها، بالعمل المسرحي الغنائي الفولكلوري الراقص لفرقة كركلا «إبحار في الزمن»، على مدرجات معبد باخوس، في تظاهرة فنية جمعت مئة وثمانين من نخبة الفنانين الذين تمكّن كركلا من صهرهم في بوتقة فنّه العالمي الراقي.

غصّت المدرجات بما يقارب ثلاثة آلاف مُشاهد تقدمهم رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، عقيلة رئيس مجلس الوزراء لمى سلام، كما حضر عدد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، السيدة منى الهراوي، رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية نايلة دو فريج، رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان طلال مقدسي، رئيس بلدية بعلبك حسين اللقيس ونائبه مصطفى صلح وأعضاء المجلس البلدي.

وتداخلت في مسرح كركلا الصورة والأضواء مع الألحان التي انسابت إلى أجساد الراقصين فتماهى النغم مع الحركة في مشهدية زادت من عظمة الهياكل، وأنصت الحضور في مستهل العمل خاشعين لقصيدة هي أشبه بترنيمة تحاكي مجد بعلبك، كتبها في الأيام الخوالي والد الفنانين الكبيرين عبد الحليم وعمر كركلا وسجلها بصوته الخالد الشاعر سعيد عقل الذي طالما كان رفيق وصديق وملهم المهرجانات.

وأيقظ النسر المحلّق في رحاب معابد بعلبك «جوبيتر» من سباته ليوصي «تيمور»، الذي لعب شخصيته الشاب الموهوب مجد عمر كركلا، بأن يضيء مجدداً شعلة حضارة كانت من مدينة الشمس تشع على الكون. ولم يغب العرس البعلبكي عن العمل مترافقاً مع صوت هادي خليل التراثي، قبل القرار بانطلاق الرحلة من أرض طائر الفينيق إلى الحضارات الممتدة على طريق الحرير وما وراء البحار. فاستحضر كركلا الملاح «شهاب الدين أحمد بن ماجد» الذي كان يكنّى بـ«أسد البحر الهائج» في التفاتة تظهر أفضال العرب على اكتشاف مجاهل العالم القديم، من دون إنكار إبداعات الآخرين وأفضالهم، وللتأكيد بأن رسالة اللبنانيين أينما حلوا هي رسالة محبة ونسج صداقات وعلاقات طيبة.

وتنطلق الرحلة على وقع صوت الفنانة المخضرمة هدى التي شاركها الغناء والتمثيل كلّ من الفنانين اللبنانيين الكبار: إيلي شويري، جوزف عازار، رفعت طربيه، سيمون عبيد، غبريال يمين، نبيل كرم، علي الزين، وروميو الهاشم.

استحضر كركلا في لوحاته البحر والمراكب، الصحارى والمدائن والحواضر، وأصرّ على محاكاة كل حضارة بفريق من أبنائها، فأشرك راقصين ومطربين وممثلين اختارهم بعناية من أهم فرق وفناني الصين والهند وشيراز وأصفهان وفينيسيا وسواها.

كما نقل إلينا سحر الشرق وروحانيته، وأجواءه الحالمة والساحرة، وجلاله وأبهته، وطاف بنا من خليج عمان إلى بلاد السند والهند والصين وصحارى أواسط آسيا مروراً بسمرقند وبلاد فارس ومصر واليونان والرومان، ومن البندقية كانت عودة «فرسان المجد» إلى الحاضر للاحتفاء بالعيد الستين للمهرجان، فزخرت الأجواء الاحتفالية بروعة الفولكلور اللبناني وأناشيد الفرح، لتنضمّ سائر الفرق إلى لوحة قد يكون فحواها مستوحى من «هيلينية» الإسكندر المقدوني وفلسفته التي كانت تقضي بالحوار بين الشرق والغرب لاستنباط حضارة إنسانية واحدة.

وفي بعلبك الأصالة والوفاء وملتقى الحضارات التقى غنى لبنان بتنوعه الروحي في بلد الرسالة والإنسان، وعادت ليالي لبنان المتلألئة بأغاني الفرح إلى أحضان القلعة، وكرّت السبّحة: الدلعونا، على الماني، يا غزيل، وغيرها من أنغام لم ولن تنساها الذاكرة.

وخصّ كركلا بعلبك بتحية نقتطف منها: «بعلبك يا مدينة الزمان من ألوف السنين، يا معبد الفنان وسما المبدعين، بعلبك المهرجان يا منورة هالأرض، يا فرحة الأكوان بعيدك الستين».

ومع الختام، أطل الفنان عمر كركلا على المسرح ليملأ المكان حركة تنبض بالتراث الفولكلوري العريق، غارفاً من خوابي الفنّ الأصيل المعتقة لوحات ألهبت المدرجات تصفيقاً وإعجاباً وثناء وآهات، ولم تهدأ أكفّ الحضور حتى المشهد الأخير مع إطلالة الفنان الذي لا يحدّ طموحه شيء ولا يتّسع الكون لأحلامه المبدع عبد الحليم كركلا، ومعه ولداه المخرج الفذّ إيفان كركلا وشقيقته أليسار، شريكاه ورفيقا دربه في إعداد الموسيقى والسيناريو والحوار وتصميم الرقصات والكوريغرافيا والإخراج في مسرح كركلا الذي يليق بعظمة المكان، ويحاكي أحلامنا والزمان الذي كان.

تكريم

إلى ذلك، كرّم محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر ورئيس بلدية بعلبك العميد حسين اللقيس الفنان عبد الحليم كركلا في ختام العرض.

وقال خضر بعد تقديمه درعاً تكريمية لكركلا: تشهد بعلبك اليوم عرس عودة العزّ إلى ربوعها في العيد الستين لمهرجاناتها الدولية، وما كان لهذا المهرجان أن يحقق النجاح لولا نجاح المهرجان السنة الماضية الذي ساهم إلى حدّ كبير بأن نرى هذه الصورة المشرقة في هذه الأمسية، على أمل أن نشهد في السنوات المقبلة مزيداً من التألق والعزّ والحركة السياحية الناشطة.

وتابع: كركلا هو ابن بعلبك، ومن الناس الكبار الذين رفعوا اسم لبنان ثقافياً على منابر العالم ومسارحه، وليس هناك أيّ فنان أفضل من كركلا لإحياء العيد الستين لمهرجانات بعلبك الدولية.

وشكر الجيش وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة وكل القوى الأمنية التي ساهمت في تأمين الأجواء الآمنة لزوار المهرجان، وقال: إننا بإحيائنا العيد الستين لمهرجانات بعلبك نؤكد تمسّكنا برسالة لبنان الحضارية والثقافية، والتي لن نسمح لقوى الشر أن تنال منها.

بدوره، قدّم اللقيس لكركلا لوحة فنية وقال: عبد الحليم كركلا فنان عالمي، والمسرحية التي قدّمها موضوعها له طابع سياحي عالمي وحضاري وهي على مستوى راق جداً، وقد جسد الرحلة على طريق الحرير بصورة رائعة وتنسجم مع أهمية هياكل بعلبك التاريخية.

وأضاف: هذه المهرجانات في هذا الجو المتأزم المحيط بنا على الصعيد الإقليمي هو تحد كبير لكل الفرقاء الذين يضمرون شراً لهذا الوطن على الصعيدين الأمني والاجتماعي.

وختم: بعلبك في هذه التظاهرة الفنية تألقت كعادتها بمستوى الحضور الثقافي والسياسي والاجتماعي من كافة أنحاء لبنان، وبالشخصيات الأجنبية المحبة لفنّ كركلا، وستبقى بعلبك منارة سياحية وثقافية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى