سلام يواجه الرغبة الدولية «بعجزها»: لبنان ليس تركيا

روزانا رمَّال

لا تبدو الحكومة الحالية حكومة تمرير مشاريع مشبوهة، فحكومة مقيّدة بعنوان «مشاركة وطنية» لا يسعها تعريض البلاد لما يشكل مادة خلافية تهدّد أسسها في ايّ وقت فيتعرّى لبنان ويؤخذ وزراء في الحكومة نحو الاستقالة ترجمة لاصطفاف سياسي ما بين الاقطاب. وهذا الامر ممكن وحصل فعلاً إثر طلب رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل من وزرائه الاستقالة لأسباب محلية محدّدة.

تبدو حكومة الرئيس تمام سلام ضامنة لما تبقى من امل عند اللبنانيين للصمود بوجه المجهول إلى أن يتمّ الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، فهي غطّت غيابه لسنتين، وساهمت في إرساء نوع من الحضور السياسي الإقليمي والدولي بشكل مقبول في ظلّ أوقات صعبة تمرّ فيها المنطقة، لكن هذا لا يعني أنّ الحكومة صامدة من دون إصرار خارجي. وهو أكثر ما يشرح هنا القيود التي تعاني منها الجهات التي تدعم هذا الاستقرار تجاه تمرير أي مشروع فيها ما جعل هذا التأثير محصوراً بحفظ «الوجود» او «الحضور» لهذا الفريق او ذاك، قبل ان يتلاشى بسقوطها. وأكثر المعنيين هنا المملكة العربية السعودية التي تعتبر هذه الحكومة آخر ما تبقى لها من «مونة» في البلاد، لا لأنها نافذة فيها بل لأنها قادرة على حفظ ماء وجهها بما تيسّر.

مهما أنيط بحكومة سلام عناوين تتهمها بأنها «سعودية»، فإنّ هذا لا يبدو واقعاً بعد انكشاف الأحجام وفتح كلّ الملفات على مصراعيها في لبنان، فالتفرّد السعودي عبر وزراء او حتى رئيس الحكومة الذي خرج من بين عباءة المستقبل غير موجود لأنّ الفريق الآخر المتمثل بحزب الله التيار الوطني الحر أمل بات أكثر قدرة على المناورة في هذا الإطار معرفة منه بعدم القدرة على فرط عقد الحكومة للأسباب المذكورة وأخصّها «الحضور السعودي» وثانياً يقيناً بضرورة تثبيتها لحين انتخاب رئيس، وهو مطلب دولي يتعلّق بجوانب عدة أبرزها الأمنية منها وثالثاً والأهمّ بالنسبة للمملكة هو الخشية من تمدّد حزب الله اكثر واتساع حظوظه في اخذ البلاد الى انتخابات رئاسية بقوة الأمر الواقع وتعيين رئيس حكومة ضمن سلة تضمن حضور الأول، وذلك عملاً بظرف حزب الله الجيد إقليمياً بعد تحسّن الواقع الميداني السوري فيه وتحسّن وضع إيران السياسي اقليمياً ودولياً بانفتاح الغرب عليها.

قوة الأمر الواقع والعجز السعودي عن تسيير شؤونها تحكم استقرار الحكومة وتجعل منها غير قادرة على المبارزة اي غير قادرة على تحدّي اللبنانيين وتمرير مشاريع ملغومة مثل تلك التي حاولت واشنطن تمريرها عبر الأمم المتحدة في فيينا، حيث اعترض وزير الخارجية جبران باسيل على بنود أممية طرحت من ممثلي دول عظمى أثارت قلقه ببعض النقاط التي دعت الى تأمين فرص الحياة الملائمة للسوريين في لبنان، ومساعدتهم على الانسجام مع محيطهم، والسعي الى التخلص من فكرة الهبات الدولية والتوجه نحو ايجاد حلول تؤمّن معيشة أكثر استقراراً لهم مثل وظائف او اعمال او غيرها تجعلهم يتوجهون نحو الثبات أكثر في البلد الذين يعيشون فيه فينضمّون الى نسيجه تدريجياً.

هذه هي رغبة الدول النافذة الأوروبية والخليجية والتوطين واقعاً ورغبة في الوقت نفسه أكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على حدوثها كترجمة للانضواء ضمن السياسات الغربية بالملف السوري، وذلك منذ لحظة إعلانه عن نيته تجنيس سوريين في تركيا.

يستفيد اليوم اردوغان من تجنيس من يختارهم من الـ 500 الف سوري الذين بدون شك يتوجب عليهم أن يدينوا بالولاء له، وإذا ما أصبحوا أتراكاً فهذا يعني حكماً ولاءهم لحزب العدالة والتنمية فيستفيد مع حزبه منهم كأصوات ناخبة في الوجه الظاهر والبديهي، ويستفيد من جهة أخرى من قدرتهم على تكوين جيش مبطن يحميه مجدداً من مخاطر انقلابات مستقبلاً إذا كان يريد إطالة عمر وتعزيز مكانة حزب العدالة والتنمية. وهذا الذي لم يكن وارداً أصبح احتمالاً عالي الدقة بعدما تحدثت وسائل إعلام تركية عن تصدّي بعض اللاجئين من جنسيات مختلفة تنتمي لتنظيمات متطرفة لدبابات الجيش التركي بالصدور العارية دعماً لأردوغان.

الرغبة الدولية هذه تتعثر اليوم في حكومة «سلام» الهشة، فالبلاد باتت أكثر قدرة على التصدّي لكلّ ما من شأنه توريط اللبنانيين أكثر اقتصادياً واجتماعياً وتجيير إنجازات لدول إقليمية تريد العبث بالأمن الداخلي، إضافة الى وعي أغلبية الأفرقاء لمخاطر التوطين، وما تعلّمته من تجربة النازحين الفلسطينيين واستغلال المخيمات لتنفيذ مخططات إرهابية لا بل وتحويلها الى بؤر يقطن فيها الإرهاب، فلا شيء بالتالي يمنع ذلك في أزمة النازحين.

لن يمرّ التوطين في لبنان للمصاعب تلك، أما تمام سلام فيؤكد ذلك أمام قمة نواكشوط العربية قائلاً: «لبنان يقترح تشكيل هيئة عربية تعمل على بلورة فكرة إنشاء مناطق آمنة للنازحين داخل الأراضي السورية، وإقناع المجتمع الدولي بها، لأنّ رعاية السوريين في أرضهم أقلّ كلفة على دول الجوار والدول المانحة، وفي انتظار تحقيق ذلك ندعو الى انشاء صندوق عربي لتعزيز قدرة المضيفين، ونشدّد على الطابع المؤقت للوجود السوري.

كلام واضح يجعل من فكرة تمرير المشروع بضغوط خليجية أصعب، لكن هذا لا يعني سماح السعودية للحكومة بالتنسيق مع سورية في هذا الملف القادر على إشغال حزب الله فيه لوقت كبير لما فيه من إمكانية استخدام المخيمات لمآرب وأهداف أمنية في البلاد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى