الذئاب المنفردة والعملية الدموية في ميونيخ…

ميشيل حنا الحاج

الهجوم في ميونيخ الذي أودى بحياة تسعةِ أشخاصٍ وجرحِ خمسةَ عشر بعضهم جراحهم خطرة، من المرجح أن يكون من إنتاج الذئاب المنفردة التي حذرت من نشاطها خلال عام 2016 مع تراجع قدرات «داعش» على النشاط في الخارج. فهو الحادث الخامس في هذا العام. بدأه مواطن أميركي من أصل أفغاني لدى إطلاقه النار على رواد ملهى ليلي في أورلاندو الأميركية قبل بضعة أسابيع، وتبعه هجوم في داكا عاصمة بنغلادش بعد أيام قليلة. ومن ثم في الرابع عشر من هذا الشهر، الهجوم الكبير الدامي الذي نفذه مواطن فرنسي من أصل تونسي في مدينة نيس الفرنسية وحصد 84 ضحية. وبعده بأيام قليلة، وقع باكورة نشاط الذئاب المنفردة في ألمانيا، رغم تبني «داعش» لذاك العمل. وقد أخذ شكل الهجمة بساطور من قبل شاب مراهق من الذئاب المنفردة، وعمره 18 عاماً، وكان ضحاياه ركاب قطار يسير في ولاية بافاريا. فجَرَحَ خمسة، وتقول بعض الأنباء 15، قبل أن يُقتل من قبل رجال الشرطة. ثم جاء هجوم يوم أمس الثاني والعشرين من تموز يوليو ، ونفذه أيضاً في ميونيخ شاب مراهق في الثامنةِ عشرة من عمره، ألماني من أصل إيراني، وينحدر من عائلة ثرية، وتلقى تعليماً جيداً، مما ينفي مواجهته حالة من المعاناة من حياة اجتماعية بائسة. كما أنه لم يكن ألمانياً صرفاً، ليكون منتمياً إلى تنظيم ألماني متشدّد كالنازيين الجدد مثلاً. وبكلّ تأكيد لم يكن من اللاجئين السوريين، ليُقال بأنه عنصر «داعشي» تسلل إلى ألمانيا ضمن عملية لجوء بعض اللاجئين السوريين إلى ألمانيا التي استقبلت أكثر من مليون وربع المليون لاجئ.

وقد تلجأ «داعش» مرة أخرى إلى الادّعاء بأنّ تلك العملية كانت عملية أخرى من عملياتها. «فداعش» في مرحلة ضعفها النسبي، سوف تتبنّى أية عملية إرهابية تنفذ هنا وهناك. ومع ذلك، فإنه لا يمكن استبعاد دورها تماماً في ما حدث في ميونيخ. فإزاء عدم وجود أيّ من الأسباب السابقة، كمعاناة من الوضع الاجتماعي، أو انتماء لتنظيم ألماني متشدّد، أو كون الهجوم من ذيول قضية اللاجئين السوريين، يرجح أن يكون مردّ هذه العمليات المتكرّرة، التأثير غير المباشر «لداعش» على نهج تفكير أولئك الشباب، وخصوصاً الذين يمرّون بمرحلة المراهقة. فالمهاجم في القطار كان في الثامنة عشرة، ومثله المهاجم في ميونيخ. وهؤلاء سريعو التأثر بأفكار «داعش». ومعتقداتها التي تبث يومياً عبر الشبكة الالكترونية العنكبوتية. فمثل هذه الدعوات عبر النت والفيسبوك وعبر إذاعة «داعش»، تؤثر في عقول البعض من المراهقين وغير المراهقين، وتحوّلهم إلى أتباع لداعش، لكنهم أتباع عن بعد، ويعملون بمفردهم دون تلقّي تعليمات مباشرة من «داعش». وكما كرّرت مراراً فإنّ دعوات هذه الدولة، تؤثر في معتقدات المراهقين بل والبالغين أيضاً. فكلنا نذكر العملية التي نفذها زوج وزوجته الإيرانية في مصحّ طبي، في نهايات العام الماضي، في مدينة برناردينو الأميركية، حيث قتل أربعة عشر شخصاً.

ويشير تقرير لرجال الأمن الألماني، عن احتمال كون الشاب الإيراني مريض عقلياً. كما ورد اشتباه مشابه من قبل، عن احتمال كون المهاجم التونسي في نيس كان أيضاً مريضاً نفسياً. كما يحاول التحقيقان في ميس وفي ميونيخ، أن يشيرا إلى احتمال وجود حلقة تآمرية في الوضع. ولذا اعتقل خمسة أشخاص في نيس بتهمة تسهيل مهمة المهاجم. والآن المصادر الألمانية ترجح احتمال وجود مؤامرة ما في ميونيخ أيضاً، لوجود اشتباه بأنه قد نشر على الفيسبوك دعوة عامة لغداء مجاني في مطعم ماكدونالد، الذي انطلق منه المهاجم، مما يفسّر تواجد عدد من الشباب في المطعم طمعاً في وجبة مجانية. ويؤكد الناطق باسم الأجهزة الأمنية، أنّ هذا الأمر لم يزل في مرحلة الاحتمال والتحقيق،

لكن الاحتمال الأكثر ترجيحاً، هو أنّ جميع هؤلاء، في كلّ تلك الهجمات، كانوا من «الذئاب المنفردة» المتأثرين بدعوات «داعش» دون الانضواء رسمياً في صفوفها. وكنت قد نشرت مقالاً في مطلع العام الحالي، حذرت فيه بأنّ عام 2016 قد يصبح عام «الذئاب المنفردة» الذين يؤمنون بأفكار «داعش» دون الانتماء إليها، لكنهم يتطوّعون تلقائياً لمساندتها، في مرحلة ضعفها. أما الاشتباه بوجود مرض نفسي أو عقلي لدى المهاجم في نيس والمهاجم في ميونيخ، فإنه لا ينفي أبداً احتمالات كونهما قد تصرفا كذئاب منفردة، رغم كونهما مرضى نفسيّين من الذين يصبحون بسبب مرضهم ذاك، صيداً أكثر سهولة ويسراً «لداعش»، اذ أنّ مرضهم وما يفرزه من مخيّلات غير صحية، يجعلهم أكثر اندفاعاً نحو الإيمان بمبادئها التي تدعو للعنف، وبالتالي اعتناقها.

ومع تواتر الهجمات الدموية ووقوع ثلاثة منها على الأقلّ في مدى لم يتجاوز الثمانية أيام، فقد بات يفترض بالمجتمع المدني وكذلك بالجهاز الأمني في الدول الأوروبية وفي غيرها من الدول، ألا يفاجأوا كثيراً بوقوع مزيد من الهجمات، ربما في وقت قريب. إذ أنه من المتوقع أن تزداد أعدادها مع استعار المعارك في منبج وفي حلب ومواقع أخرى، ومع استعدادات معلنة ومتواصلة لمهاجمة الموصل، وربما الرقة في وقت متزامن مع مهاجمة الموصل، وهما المعركتان اللتان تنتظران فحسب حسم الموقف في منبج وفي حلب… ففي هذه الأجواء يفترض بالجميع توقع مفاجآت دموية أخرى، من ذئاب منفردة يعيشون بيننا، ولا نعلم أبداً بما يعدونه في مخيلتهم من مفاجآت للمجتمع الذي يقيمون بين أبنائه.

مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين.

عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن.

عضو في اتحاد الكتاب والمفكرين الأردنيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى