بين كلينتون وترامب تنافس على إدارة العلاقة مع روسيا…

روزانا رمَّال

ترامب

«لنعد أميركا عظيمة من جديد»، شعار ترامب المفترض العمل فيه إذا ما فاز بالرئاسة الأميركية ودخل البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة المنتظرة، شعار فيه اعتراف بتغيّر وتبدّل تلك المكانة التي لم تعد قوة واحدة سيطرت لعقود على السياسة الدولية. وفيه اعتراف بأنّ لواشنطن شريكاً حقيقياً يقود الملفات ويؤثر على سياساتها. وفيه ما فيه من التراجعات الكبرى التي تعيشها البلاد بينها سوء الوضع الاقتصادي وارتفاع كبير بنسبة البطالة، إضافة إلى أخطر ما يدق أبواب الولايات المتحدة وهو ظهور أحداث العنصرية بين السود والبيض بشكل مفاجئ وعمليات القتل التي مارستها قوات الشرطة لفضّ الخلافات، وكان بينها تعمّد قتل السود الذين بات بعضهم يرى في الشرطة عدواً.

ملف الإرهاب يبقى الأكثر حضوراً والأكثر قدرة على توضيح هوية الرئيس المقبل الذي من المفترض أن يواجه المشكلة الدولية بكلّ ما أمكن. وبهذا الإطار تحضر روسيا كشريك جديد لواشنطن لم تكن واردة عودته إلى الساحة الدولية بهذا الشكل النافذ ليصبح حديث المرشحيْن الجمهوري والديمقراطي للرئاسة عن لقاء بوتين وكيفية التعامل معه أبرز الاهتمامات.

يُظهر المرشح الجمهوري دونالد ترامب حماسه للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية. يقول ترامب، في لقاء مع صحيفة «ميلان كورييري ديلا سيرا» الإيطالية، بشهر حزيران الماضي: «أنا لا أرى أيّ مشكلة في دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى واشنطن في حال فوزي في الانتخابات».

يدرك ترامب أنّ التعاون وإعادة تطبيع العلاقات وتنسيق الجهود، بين الولايات المتحدة وروسيا، سيسهمان في تحقيق انتصارات كبيرة على تنظيم «داعش» الإرهابي.

الصحافة الأميركية تلعب هي الأخرى دوراً بارزاً في كشف مستوى النيات من الطرفين الروسي والأميركي، فيعلق غيديون راشمان في «فايننشيال تايمز» بأنّ أيّ إيحاء بأنّ أحد مرشحي الرئاسة الأميركية يمكن أن يتعاون تعاوناً وثيقاً مع موسكو كان من الممكن أن يسبّب كارثة سياسية فورية بالعصور السابقة، لكن الزمن يتغيّر وهناك دليل قوي على محاولة وكالات المخابرات الروسية المساعدة في ترشح ترامب بتسريبها عمداً رسائل إلكترونية داخلية محرجة من اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. هذا ما أكدت عليه ايضاً صحيفة «نيويورك تايمز» بتحقيق مطوّل، وصحيفة «واشنطن بوست» التي قالت «إنّ الفضل في قضّ مضجع الحزب الديمقراطي عشية مؤتمره الوطني يعود إلى بوتين الذي نجح في توجيه ضربة قوية لحملة كلينتون، وأنّ الفضل لموقع «ويكيليكس» الشهير الذي سرّب له الرسائل بعد ذلك، والذي يتمتع بصداقة الروس.

«سأنسجم بشكل جيد» مع الرئيس الروسي، هذا ما يقوله ترامب محاولاً استغلال سوء العلاقة سابقاً بينه وبين كلينتون.

كلينتون

يحاول الرئيس الأميركي باراك اوباما اليوم تعبيد الطريق أمام هيلاري كلينتون لتتسلّم إدارة العلاقة مع روسيا من بعده. بالتالي فإنّ عليها التعاون ضمن ما اتفق عليه بين الرئيسين أوباما وبوتين حول أزمات المنطقة، خصوصاً سورية. فهي حكماً ستكون مدينة للإدارة السابقة في ايصالها للرئاسة في حال نجاح أوباما بذلك، ليس فقط بالأصوات، بل بإنجاح المهمة وتسهيلها. وهي التي خاضت غمار الحرب السورية سياسياً في أوجها، وهي اليوم متهمة من خصمها ترامب بتمويل داعش والحركات المتطرفة، كما أنّ تلميحات في «عقيدة أوباما» لم توفرها من بين المستشارين الذين ارتشوا من الخليجيّين.

مصدر ديبلوماسي مطلع على محادثات جنيف يؤكد لـ «البناء» أنّ العلاقة السيئة بين الأميركيين والروس في المرحلة السابقة من عمر الأزمة السورية تعود لوجود السيدة هيلاري كلينتون على رأس الخارجية الأميركية. ويضيف: لقد كانت السيدة كلينتون تتفق مع وزير خارجية روسيا داخل الغرفة المخصصة للاجتماع بالأمور المطروحة حول الأزمة السورية، فتتفق في الداخل على شيء ثم لا تلبث وتخرج وتصرّح بشيء آخر. يتابع المصدر: «أحد أبرز أسباب استبدال كلينتون بجون كيري هو مطالبة روسيا بهذا حينها للبدء بمباحثات حقيقية».

تقول كلينتون إنّ على الولايات المتحدة أن تكون «أكثر ذكاء» بشأن كيفية التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطموحاته… تقول أيضاً إنّ الرئيس الروسي ليس رجلاً سهلاً، ولا يوجد أيّ بديل بخلاف التواصل المستمرّ معه.

المأزق الذي يلاحق كلينتون هو ما لا يمكن أن يمرّ عليه بوتين بدون ضمانات في الملفات الرئيسية بالمرحلة المقبلة، ففي كانون الثاني عام 2011 اتهم الرئيس بوتين عندما كان رئيساً للوزراء، الولايات المتحدة بالتشجيع على الاحتجاج على الانتخابات البرلمانية الروسية، وقال إنّ مئات الملايين من الدولارات الواردة من الخارج استخدمت للتأثير على العملية الانتخابية. وقال في تصريح خطير للغاية «إنّ وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون أعطت الإشارة لمعارضي الكرملين، وحدّدت توجّهات بعض النشطاء، فاستقبلوا الإشارة وبدأوا العمل…». الأمر نفسه تكرّر في احتجاجات عام 2013 على سياسات بوتين عندما نزلت المعارضة الروسية الى الشارع، فعاود بوتين الاتهام نفسه.

تثبت روسيا اليوم قدرتها على اللعب بمصير السياسة الأميركية الخارجية وبقدرتها على التأثير في فرض شكل التعاون المقبل، وكلّ هذا نتيجة تصدّرها مشهد مكافحة الإرهاب في سورية بعدما اجتاح العالم كلّه. وهنا اذا كان على أوباما مهمة مدّ يد العون لكلينتون فإنّ هذه اليد لن تكون إلا على شكل التعاون الجدي مع روسيا لمكافحة الإرهاب في سورية كضمانة وحيدة تتابعها كلينتون مع الروس، وإلا فإنّ روسيا غير مستعدة لتجيير شراكة عسكرية وهمية مع الأميركيين في هذا الملف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى