قزي: الخوف على الكيان وليس على الرئاسة والحلّ بمرشح جديد يؤمّن النصاب

حاورته روزانا رمّال ـ تحرير محمد حمية

أكد وزير العمل سجعان قزي أنّ «النقطة البارزة في القمة العربية في موريتانيا هي كلمة رئيس الحكومة تمام سلام، وما يميزها هو طرح قضايا العرب عموماً وعلى رأسها القضية الفسلطينية، بالإضافة إلى عرض موضوع النازحين السوريين إلى لبنان بجرأة والذي تضمن نقاط هامة لعودتهم إلى سورية».

ودعا قزي الحكومة اللبنانية إلى «حمل هذا الملف الى المحافل العربية والدولية لطرح مشروع إعادة النازحين، عوضاً عن مشروع أعطونا مالاً لإبقائهم على أراضي لبنان، فيُضرب الكيانان البناني والسوري وهذه هي المؤامرة الحقيقية».

وفي حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وقناة «توب نيوز»، حذّر قزي من وجود «اتجاه دولي حالي لإبقاء النازحين في لبنان»، مؤكداً أن لبنان «يرفض هذا التوطين الواقعي الذي لا يعني إعطاء جنسية بل يعني البقاء الدائم للنازحين».

وأضاف: «لقد مضت سبعون سنة على وجود الفلسطينيين في لبنان، ولم يأخدوا الجنسية لكنهم لا يزالون حتى الآن على الأراضي اللبنانية، واليوم إذا لم نجد حلاً لعودة السوريين قبل انتهاء الأزمة التي يبدو أنها طويلة سيبقون في لبنان»، مشدّداً على ضرورة «البحث عن حلّ قبل انتهاء الحرب في سورية»، ولافتاً الانتباه إلى أنّ المجتمع الدولي «سيستغل قرار أردوغان تجنيس النازحين في تركيا، بطلب هذا الأمر من لبنان».

وأشار قزي إلى «استحالة إعادة مليون ونصف مليون نازح من دون التنسيق مع الدولة السورية، خصوصاً أنّ المناطق السورية المحاذية للبنان داخل سورية تحت سيطرة الدولة السورية، ولبنان لم يقطع علاقاته مع سورية ولا يزال السفير السوري في لبنان يمارس وظيفته والسفارة اللبنانية في دمشق مفتوحة وهناك علاقات دورية بين أجهزة الاستخبارات اللبنانية والسورية»، متسائلاً: «ما المانع أن تحصل اتصالات استخباراتية بين البلدين لبحث كيفية تنفيذ مشروع إعادة النازحين؟ نتمنى على الدولة السورية أن تكون صادقة وعلى السفير السوري في لبنان أن يقدم إعلان نيات حول هذا الموضوع».

وأعرب قزي عن خشيته «على الكيان في لبنان، لأنّ عدم انتخاب رئيس يعني نهاية الكيان اللبناني»، داعياً «من يعرقلون انتخاب رئيس ويعطلون النصاب أن يسهلوا انتخابه ولاحقاً اجتماع القوى اللبنانية الرئيسية حول طاولة حوار لإعادة النظر في دستور ونظام الطائف الذي لم يعد قادراً على استيعاب الوضع في لبنان وأثبت فشله لأنه ليس نظاماً لدولة مركزية بل لكونفدرالية».

وانتقد قزي «بعض الجهات اللبنانية التي ربطت انتخاب رئيس بتطورات المنطقة»، مبدياً خشيته «أن يكون سبب عدم انتخاب رئيس ليس انتظار انتهاء الحرب أو التسوية في سورية والمنطقة بل إنهاء لبنان 1920 الذي نشأ بوجه مسيحي»، معتبراً «أنّ الحلّ باختيار مرشح من خارج المرشحين الأربعة، فالمشلكة ليست في الأسماء بل مشكلة قرار بعدم انتخاب رئيس في لبنان».

وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً

ما هي أبرز نتائج القمة العربية في موريتانيا في رأيك، وكيف تقيم موقف الحكومة اللبنانية؟

نتائج القمة العربية الأخيرة لم تتغير منذ نتائج القمة الأولى للجامعة عام 1945، كلمات ونفاق وعجز وتواطؤ. لكنّ النقطة البارزة في القمة هي كلمة رئيس الحكومة تمام سلام الذي توجه إلى اللبنانيين والعرب والعالم. وما ميز كلمته أمران: الأول طرح قضايا العرب عموماً وعلى رأسها القضية الفسلطينية، والثاني عرض موضوع النازحين السوريين في لبنان بصراحة وموضوعية وجرأة. لأول مرة يحلّ رئيس حكومة لبنانية، في ظلّ ضعف الدولة وشغور رئاسة الجمهورية وتعطيل عمل المؤسسات الدستورية، محل مختلف المؤسّسات وبجرأة لم يسبقه إليها مسؤول آخر. كانت كلمة الرئيس سلام لافتة وتضمنت أربع نقاط مهمة. الأولى، نقل المنطق الذي يعالج أزمة النازحين من البحث عن كيفية تثبيتهم في بلدان النزوح إلى منطق إعادتهم إلى بلدهم الأم وإلى المناطق السورية المختلفة. الثانية، ضرورة إقامة منطقة آمنة في سورية ليعيش فيها النازحون على أراضيهم لأنّ كلفة استيعابهم في سورية أقلّ من كلفتها في لبنان. الثالثة، هي الدعوة إلى إنشاء هيئة عربية للاهتمام بالنازحين السوريين. أما النقطة الرابعة، فهي دعوة الدول المعنية بالموضوع إلى مساعدة لبنان في تحمل عبء النزوح. اليوم طرحت الحكومة ما طرحتُه أنا، كوزير للعمل، في السابق حيث دعيت إلى إنشاء منطقة عازلة وآمنة في سورية تستوعب السوريين، وقيل لي حينها إنّ هذا خيال والآن تدعو إليه الحكومة اللبنانية وقد أصبح واقعاً.

ما الذي يجعل مشروع توطين النازحين السوريين في لبنان واقعياً بعد أن قيل إنه خيال؟ هل تبدل شيء في الحسابات الإقليمية؟

– عندما يكون هناك قرار وإرادة دوليين بإعادة النازحين لا يعود هناك شيء مستحيل وإعادتهم تصبح واقعية خلال ساعات، كما قرّر الأميركيون الدخول إلى أفغانستان والعراق. يجب أن تحمل حكومة لبنان هذا الملف إلى المحافل العربية والدولية وتطرح مشروع إعادة النازحين، عوضاً عن تحمُّل مشروع أعطونا مالاً لإبقائهم على أراضي لبنان، فيُضرب الكيانان البناني والسوري وهذه هي المؤامرة الحقيقية.

لو لم يكن مشروع التوطين موجوداً ويعمل عليه لما أعلن رئيس التركي رجب أردوغان تجنيس السوريين في تركيا. بما أنّ الرئيس سلام لديه علاقات مع دول الخليج وخرج من عباءة تيار «المستقبل» إلى أي مدى يستطيع مواجهة هذا المشروع الدولي ـ السعودي ـ التركي؟

الرئيس سلام رجل وطني ومستقل ولا ولاء له إلا للبنان، فهو لا يخضع للضغوط عندما تمسّ بالمصلحة الوطنية وخطابه في القمة العربية خير دليل. لقد كنت من أوائل الذين تحدثوا عن وجود مشروع دولي لتوطين النازحين في لبنان. المشروع موجود لكنه لا يعني أنّ المجتمعين الدولي والعربي يحبذان توطينهم في لبنان. فالمجتمع الدولي يتعاطى مع الوقائع فإذا وجد أنه لا يستطيع إيجاد حلّ عسكريّ لأزمة سورية ولا حل سياسي، فإنه سيتعامل مع النازحين حيث هم وهناك رغبة واتجاه دوليين حالياً لإبقاء النازحين في لبنان. ولكن هل يؤدي ذلك إلى توطينهم؟ هذا أمر آخر ونحن نرفض هذا التوطين الواقعي الذي لا يعني إعطاء جنسية بل يعني البقاء الدائم. لقد مضت سبعون سنة على وجود الفلسطينيين في لبنان، هؤلاء لم يأخدوا الجنسية لكنهم لا يزالون على الأراضي اللبنانية. واليوم الأمر نفسه سيحصل، إذا لم نجد حلاً لعودة النازحين قبل انتهاء الأزمة السورية التي يبدو أنها طويلة. طالما لم يتم التوصل إلى حلّ سياسي وإعادة الإعمار، وطالما أننا لا نعرف أي سورية ستنبثق بعد الحرب، سيبقى السوريون في لبنان. هناك ضرورة للبحث عن حلّ قبل انتهاء الحرب. لا علاقة لنا بالقرار التركي، لكنّ المجتمع الدولي سيستغلّ قرار أردوغان ويقول طالما أنّ تركيا وطّنت، لماذا لا تفعلون ذلك في لبنان؟ هناك فارق كبير بين لبنان وتركيا، قرار أردوغان لم يطرحه من أجل السوريين ولا من أجل سورية، بل هو قرار ضدّ سورية والسوريين، ويهدف إلى زيادة السنة في تركيا على حساب المكونين الكردي والعلوي وإقامة حزام بشري سني على الحدود التركية ـ السورية داخل تركيا لخلق واقع معين في حلب. هذا مشروع استعماري وجزء من المشروع السني الكبير في المنطقة ولا يهدف إلى إيجاد حلّ للأزمة السورية. أما في لبنان، فلدينا تعدُّدية طائفية ومذهبية ولا يستطيع أي مكون أن يمسّ بالديمغرافيا الللبنانية. ماذا يبقى من لبنان إذا بقي مليون ونصف سوري فيه؟

طرحت صحف خليجية أنّ علينا أن نبقي النازحين في لبنان كنوع من الإزعاج لحزب الله وقد يتم استغلال رفض التوطين لرفض وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة وهو الذي يرفض التوطين؟

لا أبني موقفاً على معلومات صحافية. هناك مشروع لإبقاء السوريين في لبنان ولا علاقة له لا بوصول العماد عون ولا أي مرشح آخر إلى الرئاسة. في الصراع السني ـ الشيعي قد يكون لدى البعض مصلحة في ذلك، لكنّ ليس لدى القيادات السنية المعتدلة بل بعض المتطرفين في الشارع السني يريدون بقاء السوريين في لبنان لاستعمالهم ضدّ الشيعة وحزب الله، كما حصل عندما قال فريق سني إنّ جيش السنة في لبنان هو منظمة التحرير الفلسطينية وليس الجيش اللبناني. القيادات السنية الوطنية الكبيرة كتيار «المستقبل» والرئيس تمام سلام لا تفكر بهذا المنطق. إذا رفض اللبنانيون التوطين لن يتمكن أحد من فرضه.

ألا تستدعي دعوة الرئيس سلام إلى إعادتهم النازحين إلى وطنهم التنسيق مع سورية؟

ـ بقاء النظام في سورية أو عدم بقائه شأن سوري داخلي، لكن هل يمكن لعاقل أن يصدق أنّ إمكاننا إعادة مليون ونصف مليون نازح إلى سورية من دون أن نتحدث مع النظام في سورية؟ هذا وهم، خصوصاً أنّ المناطق السورية المحاذية للبنان داخل سورية هي تحت سيطرة النظام. لبنان لم يقطع علاقاته مع سورية ولا يزال السفير السوري في لبنان يمارس وظيفته والسفارة اللبنانية في دمشق مفتوحة وهناك علاقات دورية ومنتظمة بين أجهزة استخبارات البلدين، وإذا كان كلّ هذا موجوداً، فما المانع أن تحصل اتصالات استخباراتية بين البلدين لبحث كيفية تنفيذ مشروع إعادة النازحين السوريين إلى سورية؟

وهل هذا ممكن؟

لا أعتقد أنّ مسؤولاً لبنانياً تهمه مصلحة لبنان يرفض بالمطلق اتصالات مع الدولة السورية في موضوع النازحين، لكنّ الخوف لدى البعض أن تستغل سورية قناة الاتصال المحدّدة هذه لتحويل المفاوضات من أمنية محدّدة إلى سياسية في مجالات أخرى، ولبنان حالياً لا يستطيع تحمّل ذلك نظراً إلى التضارب السياسي بين أطرافه، وهناك من يظن أنّ سورية لا تريد إعادة النازحين، لحسابات ترتبط بالتركيبة الطائفية فيها.

لكنّ هذا الكلام ينقضه السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي الذي أعلن عن استعداد للتعاون مع لبنان في هذا الشأن؟

هناك مشروع لإعادة النازحين إلى سورية ولا بدّ من إجراء مفاوضات مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية والدولة السورية، لأنّ كلّ المفاوضات الأخرى، إذا لم يرافقها ويسبقها ويعقبها اتصالات مع الدولة السورية، ليس لديها فرص للنجاح، لكننا نتمنى على الدولة السورية أن تكون صادقة وأن يقدم السفير السوري إعلان نيات حول هذا الموضوع.

لبنان يعيش فراغاً في الرئاسة الأولى. ألا تخيفكم فكرة تعوُّد اللبنانيين على الشغور؟

لم أعد قلقاً على الرئاسة بل على كيان لبنان لأنّ عدم انتخاب رئيس يعني نهاية الكيان اللبناني. قلقي هو على لبنان وليس على بعبدا. على الكيان وليس على الرئاسة. على الوطن وليس على المؤسسات. يجب على من يعرقلون انتخاب رئيس ويعطلون النصاب أن يسهلو هذا الأمر، وبعد ذلك تجتمع القوى اللبنانية الرئيسية حول طاولة مفاوضات وتعيد النظر في دستورنا ونظامنا، لأنّ النظام البناني الذي عُدل في الطائف لم يعد قادراً على استيعاب الوضع في لبنان والطائف أثبت فشله وأنه ليس نظاماً لدولة مركزية بل لكونفدرالية ولا أحد يجرؤ على قول ذلك.

هناك دول تعيش أزمات وتجري انتخابات بينما لا يستطيع لبنان الذي يعيش استقراراً نسبياً انتخاب رئيس. من يعقد انتخاب الرئيس إقليمياً ودولياً؟

المسؤولون عن عدم انتخاب رئيس هم الذين لا يحضرون انتخاب جلسات الرئيس. هناك أسباب خليجية لذلك لكن هل منعت إحدى الدول النواب من انتخاب الرئيس؟ هناك جهات لبنانية ربطت انتخاب رئيس بتطورات المنطقة وأخشى أن يكون سبب عدم انتخاب رئيس ليس انتظار انتهاء الحرب أو التسوية في سورية أو العراق أو المنطقة بل إنهاء لبنان 1920 الذي نشأ بوجه مسيحي، والقول لماذا لا ننشئه بوجه سني أو شيعي. هذه الهواجس موجودة لدى المسيحيين وهي أحد أسباب تعطيل انتخاب الرئيس.

لكنّ موقف حزب الله واضح بترشيح من اتفق عليه المسيحيون التيار والقوات .

إذن، فلينزل إلى المجلس النيابي وينتخبه، وإذا انتخب سنبارك له وسأكون سعيداً. لست ضدّ العماد عون وهو رجل وطني، لكنني لا أستطيع انتخابه بالقوة. عون لا يُنتخب في الرابية بل في ساحة النجمة. هل نُخرِّب البلد من أجل انتخابه؟ الحلّ هو اختيار مرشح آخر وهناك عدد من الشخصيات المارونية الحاضرة لتحمُّل هذه المسؤولية. المشكلة ليست في الأسماء بل في قرار عدم انتخاب رئيس، وإذا توفر القرار يبتدع المرشح في دقيقة واحدة.

اليوم لا يمكن فصل لبنان عن الجوار والجميع ينتظر من هو الرئيس الأميركي الذي سيكافح الإرهاب. هل تؤيد انتخاب رئيس ضعيف في لبنان؟

يمكن تحييد لبنان عن الحروب في المنطقة وهذا الحياد يتطلب رئيساً قوياً أكثر مما إذا كان دولة منحازة. القوة هي قوة رئيس الجمهورية والجيش والشعب والاقتصاد لكنّ الحياد لا يعني انفصال لبنان عن محيطه الجغرافي وعن الشرق الأوسط، بل فصل السياسة عن سياسات المنطقة وإلا لن يعرف لبنان السلام والأمن يوماً واحداً.

ماذا عن المبادرات الدولية لانتخاب رئيس؟

هناك مبادرات غربية فرنسية ـ أوروبية عدة طرحت لكنها سقطت جميعها أمام رفض القوى العربية، وتحديداً المحور المتناقض السعودي ـ الإيراني. هناك ولاء لبناني للمحاور العربية.

يبدو أنّ المفاوضات الروسية ـ الأميركية تتجه نحو اجتماعات أكثر جدية من السابق، وهناك لقاء في 9 آب المقبل بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ذروة الأزمة في تركيا ويُحكى عن تقدم في مساعي الحلّ للأزمة السورية بشكل جدي. هل يمكن أن نلتمس اقتراب انتخاب رئيس لبناني؟

استبعد التماس الحلّ السوري بالوجه الشرعي قريباً، الأزمة طويلة وجوهر الوضع السوري لم يعد يدور حول بقاء أو عدم بقاء النظام في سورية بل حول وحدة سورية وهذا أمر لن يتقرّر قبل تقرير مصير كلّ الشرق الأوسط ولبنان جزء من هذه المنطقة. هناك تقدم في المفاوضات، لكننا لا نزال بعيدين عن الحلّ وما يجري في المنطقة وفي تركيا دليل على أنّ المنطقة ليست خارجة من الحروب بل مقبلة عليها. الأوضاع في الشرق الأوسط لا تدعو إلى التفاؤل كثيراً في إيجاد حلول للأزمات، لكنّ إمكان حصول هدنات طويلة قائم، إلا أنها لن تكون جزءاً من الحلّ بل ضمن إعادة النظر في خريطة الشرق الأوسط.

تُبثُّ الحلقة كاملة على قناة توب نيوز live streaming عند الخامسة من مساء اليوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى