حكومة سلام تغمز للتنسيق مع سورية؟

روزانا رمَّال

ليس وارداً بالنسبة للحكومة اللبنانية الخروج عن مبدأ «النأي بالنفس» الذي يجسّد واحداً من أبرز الخلافات بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية منذ اندلاع الأزمة في دمشق. وهو الطرح الذي تكفّل بترجمته رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان معمّماً المنهج على وزرائه في الحكومة وعلى مواقفه التي حفلت بالتشنّج مع حزب الله الأكثر انغماساً بالحرب السورية من دون أن يشكل هذا الأمر الحساسية نفسها عند أفرقاء آخرين مثل تيار المستقبل الذي أنتج فئة داخلية عملت إعلامياً وسياسياً في متابعة الأزمة السورية، مجنّدة ما أمكن من قدرات لدعم «الثورة» على النظام الحالي. وفي الحالتين يؤكد التدخل بالشأن السوري من هؤلاء الأفرقاء صعوبة فصل الملف عن الحالة اللبنانية عملاً بما تشكله عوامل الجغرافيا والتاريخ بين البلدين. وبالتالي فإنّ فصل لبنان عمّا يجري في سورية يعتبر من المهمات الأكثر صعوبة بالنسبة لأفرقائه الذي يعوّلون اليوم على مصير ذلك المشهد للبت في استحقاقات داخلية كبرى.

تكفّل مبدأ النأي «السياسي» الحكومي بالنفس بتحويل العلاقة من علاقة طبيعية بين لبنان سورية الى علاقة حذرة وصولاً الى كونها معدومة بين البلدين. وبكلام بآخر لا تشكل حالة النأي بالنفس بمعناها الحقيقي واقعاً يمكن اعتباره مقبولاً ضمن صياغة مرحلة بهذا الحجم. فالنأي الحكومي بالنفس تحوّل «قطيعة» مع الحكومة السورية بدلاً من الحياد في ملفات أمنية أو سياسية تعيشها دمشق، بالتالي فإن حكومة سلام لا تعدو كونها اليوم ترجمة لموقف عربي موحد حول رفض العلاقة مع النظام السوري.

يحضر ملف النزوح السوري اليوم بشكل بارز في كلمة لبنان بالقمة العربية في نواكشوط التي سجلت انطباعاً بارزاً لدى الأوساط العربية الديبلوماسية المتابعة التي تؤكد هزالة الكلمات وتقليديتها ما خلا الكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أمام رؤساء وممثلي الدول العربية الحاضرة، خصوصاً لجهة طرح مبادئ محددة لحل الأزمة قال فيها «لبنان ليس بلد لجوء وليس وطناً نهائياً إلا لأهله»، وأضاف أن أخطر الأزمات التي تمرّ بالمنطقة وتعرّض الأمن القومي للخطر هي الأزمة السورية التي لفحت لبنان وألقت عليه أعباء هائلة. فهناك مليون ونصف نازح في بلد له إمكانات محدودة أقفلت الحرب حدوده وانقطع التواصل التجاري بسبب الحرب. وعلى هذا الأساس اقترح سلام تشكيل هيئة عربية تعمل على بلورة فكرة إنشاء مناطق آمنة للنازحين داخل الأراضي السورية، وإقناع المجتمع الدولي بها، لأن رعاية السوريين في أرضهم أقل كلفة على دول الجوار والدول المانحة. وفي انتظار تحقيق ذلك دعا رئيس الحكومة اللبنانية الى إنشاء صندوق عربي لتعزيز قدرة المضيفين، خاتماً بهذا الإطار بتشديده على الطابع المؤقت للوجود السوري أو النزوح السوري في لبنان.

يطرح وزير في الحكومة اللبنانية عبر «البناء» على السفير السوري في لبنان تقديم إعلان نيات واضح وصريح عن رغبة سورية بالتنسيق مع السلطات اللبنانية لإعادة النازحين إلى بلادهم وتقديم ما أمكن من تسهيلات في هذا الإطار، لئلا تبقى الرغبات مجرد تصاريح غير منتجة وتثبت مصداقيتها. في المقابل كان السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي قد عبّر في موقف سابق عبر «البناء» عن أنّ بلاده مستعدة لمدّ يد العون الى الحكومة اللبنانية، لكنها لا تجد هذه اليد ممدودة، وأنّ كلّ ما يُحكى عن رفض سوري أو عدم تعاون هو غير صحيح.

ينطلق الرئيس تمام سلام من مصاعب جدية تحول دون استطاعة لبنان تحمّل ما هو مطلوب لاستضافة عدد هائل كهذا من النازحين تُضاف اليهم المخيمات الفلسطينية التي تحتاج هي أصلاً الى اعادة النظر بسوء اوضاعها واحوالها الاجتماعية التي أدت الى تشكيل حالة أمنية مضطربة بجوارها بسبب الحاجة الى تأمين ما يلزم لاندماج الفلسطينيين في لبنان، وهذا ما لم يتم علماً أن النزوح الفلسطيني قارب السنوات الـ 68 في لبنان من دون التوصل لحلول توفر الحد الادنى من المعيشة اللازمة.

القوى اللبنانية بدورها التي اتعظت من تجربة النزوح الفلسطيني تبدو كأنها موحدة ضمن عنوان استحالة تمرير المشروع، وربما يكون هذا أبرز ما يدفع سلام للتسلح بهذا الإجماع الذي لا يبدو قابلاً للطرح. وعلى أي حال فإنّ هذا الخطاب يشكل موقفاً واضحاً للبنان قبل انعقاد الجمعية العمومية بالأمم المتحدة وما يُحكى عن مبادرة أميركية بقيادة الرئيس باراك اوباما في العشرين من أيلول المقبل مفادها الحث على خلق صيغ تبقي على اللاجئين في أماكن وجودهم مع ما يلزم لانخراطهم داخل النسيج اللبناني.

رغبة سلام في إعادة السوريين إلى بلادهم وطرحه المخصص لتأمين عودتهم للمناطق الآمنة وبلورة فكرة إنشاء مناطق آمنة للنازحين داخل الأراضي السورية تعني بمكان ما ضرورة التواصل مع السلطات السورية المعنية بهذا الأمر. فاقتراح منطقة آمنة قريبة من الحدود اللبنانية يعني المناطق التي تعتبر بأغلبيتها تقع تحت سلطة النظام السوري، بالتالي فإن تطبيق هذا المقترح لن يجد مهرباً من هذا التواصل المحتوم، فهل يغمز سلام لضرورة التنسيق مع سورية، أم أنه يضع الأمر ضمن فرق عربية وسيطة على غرار دور اليونيفل الذي يسيّر الأمور مع إسرائيل من الجهة الجنوبية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى