يبقى التاريخ فيهم والجغرافيا الآشوريون ثابتون في أرضهم… وما رحلوا

رولا عثمان

في قرى الشرق، والشمال الشرقي من سورية، يتواجدون بحضارتهم القديمة قدم التاريخ. بقوا، وسيبقون، وفي كثير من البلدات المنسية الباقية أبداً كدحوا، صارعوا للبقاء، زرعوا الأرض، وسقوها من مياه الخابور بلا كلل ولا ملل، وكانت لبعض الصناعات الخفيفة والحرف، أهمية في حياتهم اليومية، بالإضافة إلى تجارة محلية.

حياتهم الريفية جميلة، بسيطة. لم يكن هنالك فرق بين الآشوري والكلداني والسرياني، وهم المكوّن الرئيسي لتلك المنطقة، مع اخوتهم في الوطن من الطوائف والاتنيات الأخرى، فكلهم سوريون، تجمعهم محبة أرضهم. كانت تنقلاتهم الكثيرة عبر عقود من بابل، الموطن الأصلي للآشوريين، إلى الحسكة والقامشلي نصيبين الجديدة التي كان أكثر من 95 من سكانها من السريان.

كذلك، رأس العين ريش عينو التي كانت مقراً لكراسي عدة مطارنة، وتخرّج منها فلاسفة يحملون اسم المدينة مثل الراسعيني، وريشعينو. أيضاً دير الزور دير زعور أيّ «الدير الصغير»، التي التجأ إليها الآلاف من الأرمن والسريان عام 1914 هرباً من مذابح العثمانيين، وبعدها إلى حلب.

تحوّلت الأكثرية المسيحية إلى أقلية خلال الفترة الماضية بسبب هجوم «داعش» في الثالث والعشرين من شهر شباط عام 2015 على قرى الخابور، فهجر سكانها الآشوريون إلى الحسكة والقامشلي، وقسم كبير إلى بلدة تل تمر بعد اختطاف أكثر من أربعمئة من الآشوريين الذين تمّ احتجازهم لأكثر من عام، وطلبت «داعش» فدية مقابل إطلاق سراحهم. وقد نشر فيديو إعدام ثلاثة منهم على «يوتيوب»، وتمّ إطلاق سراح عدد منهم بدفع فدية جُمعت من تبرّعات المغتربين، رغم ذلك، أبقى «داعش» على فتاتين بحجة أنهما زوجتا الأمير، وعدد من المفقودين لم يعثر عليهم حتى الآن.

ومن ثم أقامت وحدات حماية الشعب الكردي مواقع تدريب في عدة قرى من وادي الخابور التي كان يسكنها الآشوريون الذين فرّوا من منازلهم على أثر هجوم «داعش». ووفق مصادر سريانية، فإنّ أكبر معسكر تدريب أقيم في قرية تل نصري. عادت خمس عائلات من أصل مئة وثمانين عائلة إلى منازلها بعد انسحاب «داعش» من وادي الخابور.

أكدت وحدات حماية الشعب الكردي أنه سيتمّ احتلال القرى للوقت الحالي فقط لهدف التدريبات العسكرية، لكن الانطباع السائد داخل المجتمع الآشوري المحلي أنّ هذا الوعد لن يتحقق في فترة قصيرة من الزمن.

يقول سرغون، وهو من من قرية : اضطررت للسفر، وإبعاد عائلتي عن الخطر. سلاحي كان بارودة روسية اشتريتها من مالي الخاص مثل كلّ الآشوريين المدافعين عن قراهم. نحن لسنا مدعومين بالسلاح الثقيل كالأكراد، وهنالك الكثير من العائلات التي هاجرت إلى أميركا وأستراليا وكندا. أما أنا، وبحكم أنه ليس لديّ أقارب في تلك الدول، أتيت، بطريقة غير شرعية، إلى ألمانيا مع عائلتي.

هنالك عدد كبير من الشباب الذين انضمّوا إلى القوى الرديفة للجيش السوري، ومنهم من استشهد أثناء تأديته لخدمته الإلزامية في ريف دمشق وحلب.

أصدقائي في لبنان قدّموا أوراقهم للهجرة بواسطة الكنيسة الآشورية منذ تسعة أشهر، وهم ينتظرون الردّ، وبعضهم وصل بأمان إلى البلد المستضيف.

المخاطر كبيرة، والآشوريون باقون لأنهم الأمّ والأب وعبق التاريخ السوري.

كاتبة سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى