«النصرة» واللعبة الأميركية الخبيثة في الجنوب والشرق

ناصر قنديل

– تزامن حدثان كبيران بتسارع لافت يتزامن مع تقدّم الإشارات الميدانية من جبهات حلب، التي تؤكد أنّ الإمساك بزمام المبادرة صار نهائياً بيد الجيش السوري وحلفائه، وأنّ المسألة باتت مسألة وقت بالأيام والأسابيع لحسم وضع المدينة كاملاً، كما يتزامن مع تقدّم التعاون الروسي الأميركي لوضع التفاهم الذي تمّ التوصل إليه بين موسكو وواشنطن قيد التطبيق، سواء ما يخصّ التعاون العسكري في مجالات الحرب على جبهة النصرة وتنظيم داعش، أو ما يخصّ التعاطي مع الجماعات السياسية والمسلحة التي تحمل لواء المعارضة وتعمل تحت مظلة واشنطن أو حلفائها، وإعادة ترتيب ملفاتها وفقاً للتفاهم الروسي الأميركي حيث الهدنة والعملية السياسية متاحتان فقط لمن يرتضي أولوية الحرب على الإرهاب، ويرتضي بالتالي فك التشابك مع جبهة النصرة، وتأجيل الصراعات الداخلية بما فيها مستقبل الرئاسة السورية إلى ما بعد نهاية هذه الحرب لحسمه في صناديق الاقتراع، ومع هذين الحدثين فجأة ظهر حدثان كبيران، الأول ما أعلنه زعيم تنظيم «القاعدة» وتلاه إعلان جبهة النصرة عن تغيير اسم النصرة واستقلالها عن تنظيم القاعدة من جهة، وإعلان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر عن عزم واشنطن التركيز على جبهتَيْ جنوب سورية وشرقها في الحرب على داعش.

– أعلنت الخارجية الأميركية أنّ تغيير اسم جبهة النصرة وما تضمّنه بيانها عن استقلالها كجهة سورية معارضة عن أي جهة خارجية، لا يغيّر تصنيف النصرة كتنظيم إرهابي، لكن هل يمكن لعاقل أن يتقبّل فكرة أنّ ما صدر عن القاعدة والنصرة في ظلّ تسارع المتغيّرات، معزول عن سياق دولي إقليمي يتصل بما هو مقبل، وقد سبق أن رفضت النصرة ومرجعيتها في تنظيم القاعدة عروضاً شبيهة مشفوعة بالمال القطري والسعودي والتشجيع الفرنسي والتركي، والاحتضان الأميركي الذي عبّر عنه رئيس المخابرات الأميركية السابق ديفيد بترايوس بقوله إنّ النصرة ضرورة لهزيمة داعش، وأعاد صياغته وزير الخارجية الأميركي جون كيري شريك التفاهم مع موسكو ضد النصرة اليوم، بقوله وفقاً لما نقله عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل شهور قليلة، وأعاد تأكيده علناً، بالقول إنّ الخلاف بين موسكو وواشنطن ليس على تصنيف النصرة، بل على إيجاد أولويات للحرب على الإرهاب تضع داعش في المقدمة وتسعى لضمّ مؤقت للنصرة إلى الهدنة.

– ما يمنح التغيير في لعبة جبهة النصرة أهمية ومعنى، وهو تغيير بإعلان الاستقلال عن تنظيم القاعدة، بأمر مِن مَن؟ بأمر من تنظيم القاعدة نفسه مؤكدة أعلى مراتب الولاء للتنظيم، أنه يتزامن في لحظة حاسمة عسكرياً وسياسياً، مع الإعلان الأميركي الاهتمام بجبهتَي الجنوب والشرق، بدلاً من جبهة الشمال، وهذا يعني عملياً أنّ الأميركي يعرض تقاسماً جغرافياً عسكرياً على روسيا ضمن التفاهم والتعاون، أن يكون الشمال مسؤولية روسية والجنوب والشرق مسؤولية أميركية، وإعلان الحرب على داعش جنوباً وشرقاً يعني حرباً غامضة، حيث داعش وجود غامض خارج الرقة ودير الزور والحسكة، والجماعات المتعاونة مع واشنطن من مسمّيات المعارضة غامضة، وحيث داعش هزيلة وهذه الجماعات التي تقودها واشنطن أشدّ هزالاً.

– يسعى الأميركي للعبة جيواستراتيجية في الميدان العسكري، فيترك سحق النصرة في الشمال متاحاً لسورية وحلفائها، ومعها ترتيب الحدود السورية التركية، ويتفرّغ للمهمة التي من أجلها أصلاً سلّم الأميركيون بواسطة الأتراك لداعش كما سلّموا من قبل الجغرافيا الحدودية المتممة لجبهة النصرة، أيّ خطوط الفصل الحدودية التي سبق وتحدثنا عن معانيها وأبعادها مطولاً، حيث لا يهتمّ كل من داعش والنصرة لقلب الحواضر الكبرى مثل دمشق وحلب، حيث يفترض الكثافة التي تعني خطابهما من الزاوية المذهبية، بقدر ما كانا يهتمان لحدود سورية مع تركيا، وحدود سورية مع العراق، وحدود سورية مع الأردن، وحدود سورية مع الجولان السوري المحتلّ، وحدود سورية مع لبنان، ويتقاسمانها، والآن يندفع الأميركي لملء الفراغ الناجم عن قرار شطب داعش، لاسترداد المفاصل الحدودية دون أن يملك قوى تملأ الفراغ فيها، فهو سيخوض معارك هوائية تحت عنوان إسقاط داعش في القنيطرة، وتسليم جماعات يسمّيها معارضة معتدلة، وكذلك في حدود سورية مع العراق، وحدود سورية مع الأردن، ويتقبّلون خسارة اللعبة في الحدود السورية التركية، ويتركون الوضع على الحدود اللبنانية إلى بحث هادئ ولاحق.

– البديل الأميركي سيظهر تباعاً بمسمّى يحمل اسماً جديداً، مثل جيش سورية المستقبل، أو الغد، أو الموحدة، وتنضمّ إليه جماعات تنفصل عن جبهة النصرة نظرياً، وتقول إنّ قرار الاستقلال عن القاعدة والعودة للحساب السوري الصرف يحرّرها من التقيّد بتعليمات زعيم النصرة أبي محمد الجولاني، ويجري تسليم هذه الجماعات التي يتولى الأميركيون ترتيبها تحت إمرتهم، لتتسلّم مهمتي، منع التواصل بين سورية والعراق، ومنع المقاومة من التقرّب من حدود الجولان المحتلّ، أيّ ضمان أمن «إسرائيل» الاستراتيجي، لأنّ خط العراق سورية وحدود الجولان هما عنوان هذا الأمن للمقاومة ومقابلها لـ «إسرائيل».

– ما لم يحسبه الأميركيون هو أنّ حرب شمال سورية ستحسم قبل أن يتسنّى لهم ترتيب بديلهم للجنوب والشرق، وسيجدون الجيش السوري وحلفاءه أمامهم في جبهات الجنوب حتى خط الجولان، وعلى الحدود السورية العراقية من التنف حتى الشمال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى