الجنوب السوري: المحاولة الأميركية الأخيرة لوقف هجوم حلب

عامر نعيم الياس

لا يزال الصراع قائماً داخل الإدارة الأميركية حول سورية. بهذه الكلمات يمكن اختصار إدارة الأزمة السورية أميركياً، مع اقتراب اجتماع موعد الثنائي كيري ـ لافروف لإطلاق العملية السياسية حول سورية في آب المقبل، التزاماً بالجدول الزمني الذي حمله بيان فيينا.

جبهة الجنوب السوري تعتبر الورقة الأهم في جعبة الأميركيين حالياً، مع الصمت التركي المريب حول ما يجري في شمال سورية، والاكتمال الرسمي لطوق حلب الذي يتعزّز يوماً بعد يوم، باحتمال تحرير حي «بني زيد» من المجموعات الإرهابية التي دمّرت أحياء حلب الغربية على اعتبار أن الحيّ يعدّ المركز الأهم لإطلاق قذائف القتل العشوائي على المدنيين الآمنين. قال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر: «التحالف الدولي لا يزال يعمل على فتح جبهة جديدة ضدّ الجهاديين في جنوب سورية»، حيث تحمل هذه الخطوة «فوائد إضافية تتمثل في تحسين الأمن لدى جيراننا الأردنيين وفصل مسرح العمليات في سورية عن مسرح العمليات في العراق».

إن ما يحمله هذا التصريح يعكس أولاً حالة التنازع داخل الإدارة الأميركية في الملف السوري، فالبعض لا يريد الحل، ولا يرى في أن نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما تحمل في طياتها إلزاماً ببلورة حل على قاعدة تبييض صفحة الإدارة الحالية في ما يسمى «الحرب على الإرهاب»، والتمهيد لوصول مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض على قاعدة الحل، أو بالأحرى التوافق المبدئي مع روسيا حول سورية. ربما هذه الأخيرة لا تريد لهذا التوافق أن يتم ولا أن تلتزم به في المدى المنظور من ولايتها الأولى، إن وصلت في مواجهة دونالد ترامب.

تراهن واشنطن على فتح جبهة جديدة في سورية بالاعتماد على «جيش سورية الجديد» الذي يتمركز حول معبر التنف على الحدود الأردنية السورية العراقية، والذي اتخذه الأميركيون نقطة انطلاق إلى مغامرة البوكمال في حزيران الماضي والتي أبيدت عبرها القوات المهاجمة من جانب تنظيم «داعش»، هذا الرهان وإن فشل في البوكمال لكنه لا يزال في مخيّلة الأميركيين لتحقيق ما يلي:

ـ تحقيق الفصل الجغرافي بين سورية والعراق، على قاعدة قطع الطريق على أي فرصة لبلورة جهد عسكري أمني عراقي سوري إيراني مشترك في منطقة الحدود العراقية السورية، بعد استكمال معركتي الموصل والرقة، وفتح معركة دير الزور.

ـ ما يجري من إصرار أميركي، وليس مجرّد إدارة خلاف بين أقطاب الإدارة، على السيطرة على الحدود السورية مع كلٍّ من العراق وتركيا، يهدف إلى قطع الطريق على إيران ومن ثم سورية والعراق لبلورة حلف سياسي له تواصل جغرافي على الأرض، فضلاً عن محاصرة القوى الميدانية السورية بين حدود متوزعة السيطرة على القوى الدولية والإقليمية، هذه الحدود التي تفرز تلقائياً تقسيماً ميدانياً وسياسياً للبلاد على قاعدة حل سياسي مرجو خلال الأشهر القليلة القادمة.

ـ تقسيم جبهة جنوب سورية بهدف منع حزب الله من الوصول إلى الجولان السوري وفتح جبهة ضدّ العدو الصهيوني.

ـ تشتيت جهد الجيش السوري والقوات الرديفة في شمال سورية وتحديداً في معركة حلب، حيث اكتمل الطوق على أحياء حلب الشرقية وسط صمت رسميّ تركي، وغياب غربي عن الحملات الإعلامية التي اعتدنا عليها كلما حققت الدولة السورية تقدماً ميدانياً في حلب. حيث من الواضح أن كارتر يريد التلويح بما يمكن مقايضته في حلب، فالجنوب السوري، وأيّاً كانت الوجهة الأميركية والعنوان للحرب على الإرهاب، هو بوابة العاصمة دمشق.

على رغم ما سبق، تجدر الإشارة إلى سلسلة من السلبيات ونقاط الضعف التي تحيط بالتوجه الذي طرحه وزير الدفاع الأميركي، فأولاً، تواجد الجيش السوري في المنطقة الجنوبية ليس بالأمر الذي يمكن تجاوزه، وهو ما أفشل «غزوة» حوران قبل أكثر من سنة، وأدّى إلى تثبيت خطوط التماس في الجنوب السوري. وثانياً، لا يمكن فصل أي عملية أميركية عن احتمال استكمال العملية التي بدأها الجيش السوري وحزب الله للسيطرة والتقدّم في مثلث درعا القنيطرة ريف دمشق، وهو ما يمكن أن يوتّر الأوضاع هناك. أما ثالثاً، فإن الإصرار الأميركي على التماهي والمساواة بين «جيش سورية الجديد» و«قوات سورية الديمقراطية» يغفل بالدرجة الأولى العامل العقائدي القومي للأخيرة والذي يغيب عن مجموعة رجال العشائر وبعض المنشقين والمسمّى «جيش سورية الجديد»، كما أن القوات الكردية تعمل في ظل مناخ تدعمه ثنائية كيري لافروف وهذا لا ينطبق على جبهة الجنوب السوري التي قصفتها الطائرات الروسية، من دون أن نسقط، رابعاً، العامل «الإسرائيلي» والمنطقة الحدودية والتي لن تكون هادئة كما اللحظة، فضلاً عن تواجد «حركة المثنى» التي تعدّ الذراع الرسمية لتنظيم «داعش» في درعا وريفها.

قد يكون كارتر كمن يحاول التلويح حالياً بأمر لا يعتقد ان الرئيس الأميركي سيواقف عليه في ظل تقدّم ميداني ثابت للجيش السوري والحلفاء في محيط دمشق وفي محيط حلب، وفي ظل صمت للحليف التركي الأهم للاستراتيجية الأميركية في سورية، بعد الأكراد، والذي لا يستطيع اللحظة سوى الالتفات لمشاكله الداخلية، وهي اللحظة المناسبة التي اختارها الجيش السوري والحلفاء لإعلان الطوق الرسمي على حلب ووضع سيناريو حمص على نار حامية.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى