جلسة انتخاب الرئيس والانفراجات المحتملة

أسامة العرب

موجة التفاؤل ما زالت تسود ولم تنحسر، وهناك تقدير بأنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيحصل في الفترة الواقعة ما بين آب وأيلول، وأنّ الاستحقاق الرئاسي قد دخل مراحله النهائية، خصوصاً بعد قدوم وزير خارجية فرنسا جان مارك إيرولت الى لبنان في زيارة عنوانها السياسي المعلن «رئاسة الجمهورية» والمستتر«الملف النفطي». كما جرت مقاربة ملف الرئاسة أيضاً بين الرئيس بري والوزير باسيل من خلال الملف النفطي، وقبل ذلك كان موضوع رئاسة الجمهورية قد طرح في جلسة الحوار بين حزب الله والمستقبل، وأيضاً على طاولة الحوار الوطني في إطار مبادرة الرئيس نبيه بري التي أدرجها تحت عنوان «السلة المتكاملة».

وتجدر الإشارة إلى أنّ الاتفاق النفطي التمهيدي هذا يعكس في طياته توافقاً أكبر مما يوحي إليه، فهو يأتي من ضمن توافقات دولية أشمل على مستوى المنطقة بين الأميركيين والروس حول النفط والغاز على ساحل المتوسط الشرقي، ولا سيما في ما يتعلق بلبنان وسورية وقبرص و«إسرائيل». فهذا الملف يُشكّل عاملاً أساسياً في رسم معالم المرحلة المقبلة، وهو جزء رئيسي من ضمن التسويات التي على أساسها ستتحدّد حصص اللاعبين الدوليين والإقليميين وحساباتهم. وعموماً لا يعدّ النفط أحد مؤشرات قياس قوة الدول اقتصادياً فقط، بل إنه أصبح سبباً مباشراً لإثارة العديد من النزاعات الإقليمية والدولية في المناطق التي تزخر بثروات نفطية، خصوصاً في الشرق الأوسط بعد الاكتشافات اللافتة لمواردها النفطية، مما جعل هذه المنطقة تتصدّر المشهد الجيو- استراتيجي. فهناك خلاف بين لبنان و«إسرائيل» حول حدودهما البحرية. وكذلك هو الحال أيضاً بالنسبة للشطرين اليوناني والتركي من قبرص. وفي هذا الإطار أعدّ برنامج السياسة الأمنية والخارجية التابع لـصندوق مارشال الألماني بواشنطن، دراسة تحت عنوان: «اكتشافات الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، الآثار المترتبة على الأمن البحري الإقليمي»، لإلقاء الضوء على الاكتشافات البترولية الجديدة في شرق البحر المتوسط، وأثر هذه الاكتشافات على مستقبل المنطقة. فأوضحت الدراسة أنّ الصراع اللبناني الإسرائيلي حول المناطق الاقتصادية الخالصة، سوف يؤدّي إلى مواجهات حتمية بينهما على غرار ما حدث في حرب تموز عام 2006. كما تنبّأت بإمكانية حدوث هجوم إرهابي أو مسلح على كلّ مؤسسات الطاقة في المنطقة، وما يترتب على ذلك من ارتكاب لأعمال إجرامية. وأشارت إلى صعوبة تعتري المصالح الروسية في ما يتعلق بالمصادر النفطية في المنطقة، لأنّ الصراع السوري يمنع استخراج الموارد النفطية السورية، إضافة إلى عدم امتلاك الشركات الروسية تراخيص اكتشاف وإنتاج موارد طبيعية، ناهيك عن القيود التي فرضتها العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي على موسكو. ومع ذلك، فإنّ روسيا أسّست لوجود بحري دائم لها في شرق المتوسط. فيما أشارت تلك الدراسة إلى أنّ الاكتشافات النفطية «الإسرائيلية» وتوسع أنشطتها البحرية، تعني تفاقم العداء مع دول الجوار، سواء كنتيجة حتمية للصراع مع حزب الله، أو كردّ من القوات السورية على الهجمات «الإسرائيلية» الجوية في سورية، وهو ما سيدفع القوات الأميركية الملتزمة بالدفاع عن «إسرائيل» إلى أن تجد نفسها بالقرب من هذه النقاط المشتعلة. وختمت الدراسة بالقول إنّ إمكانية إيجاد حلول للصراع في الشرق الأوسط مرتبطة بالمصالح الاقتصادية للدول الكبرى، خصوصاً في ما يتعلق بالملف النفطي، لأنّ ذلك وحده الكفيل بإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة.

إلا أنّ ما يهمّنا من اقتراب حصول الانفراجات بشأن الملف النفطي اللبناني هو مدى تأثيره بالسياسة، وعلاقة تلك الانفراجات المتوقعة بالانفراجات في الملفات السياسية الكبرى العالقة، والتي يتصدّرها ملف رئاسة الجمهورية. خصوصاً بعدما بات لهذا الملف، تأثير وإنْ بصورة غير مباشرة على مسار العلاقات بين فرنسا وحزب الله، حيث عقد إيرولت اجتماعاً مع وفد من حزب الله في قصر الصنوبر دام أربعين دقيقة. وقد تمحوَر اللقاء حول الملف الرئاسي بالدرجة الأولى، إضافةً إلى الملفات الأساسية المرتبطة به، وسادته أجواء من الودّ والصراحة والانفتاح، حيث كان إيرولت مستعجلاً إنجاز هذا الاستحقاق، مشدّداً على ضرورة أن يتفاهم اللبنانيون على إتمامه في أسرع وقت ممكن. وقد فسّرت مصادر مطّلعة هذا الكلام بأنّه تتمّة لما كشفَه ديبلوماسي فرنسي منذ مدّة عن إمكانية إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان على القاعدة الآتية: «يَقبل الرئيس سعد الحريري بالعماد عون رئيساً إذا تلقّى ضمانات من «حزب الله»، فقيلَ له تستطيع أن تأخذ الضمانات من عون، فرفضَ الحريري وأصرَّ على طلبِها من الحزب»، وذلك بحسب الديبلوماسي الفرنسي. وكان إيرولت قد ثَمّن الدور الذي يؤدّيه بري ورعايته للحوار الوطني، معتبراً أنّ نظرته «هي نظرة رجل وطني يحبّ بلده ويريد ويعمل على حلّ أزماته عبر الحوار بين جميع القوى اللبنانية من أجل اتفاق متكامل يسمح في الوقت نفسه بانتخاب رئيس الجمهورية وتفعيل الحكومة والمجلس النيابي من أجل مصلحة لبنان». ومن هذا المنطلق، تتجه الأنظار السياسية إلى عين التينة التي تستضيف الأسبوع المقبل الجلسات الحوارية الثلاث المرتقبة في أوائل آب، للبحث في طرح رئيس المجلس حول مسألة السلة المتكاملة للخروج من الأزمة السياسية والدستورية، والتي تشمل الاتفاق على رئاستي الجمهورية والحكومة والتركيبة الحكومية والتعيينات وقانون الانتخاب، بانتظار الجلسة الثالثة والأربعين المفصلية لانتخاب رئيس في الثامن من آب، والتي تنبئ بانفراجات كبيرة.

ولكن لم يعد خافياً على أحد، أنّ ثمة أطرافاً تتخلى عن السلة الكاملة في مقابل مجيء ميشال عون رئيساً للجمهورية، فيما هنالك أطراف أخرى تشدّد على السلة الكاملة في حال التوافق على عون رئيساً، وتسمّيها ضمانات. ولهذا، فلا بدّ لنا من أن نتساءل عن ماهية تلك الضمانات التي من الممكن أن ترسو عليها الصفقة؟ ويجري التباحث حالياً حول إمكانية أن يكون الحريري رئيساً لأول حكومة، أو أن يرضى بحلّ انتقالي، أيّ بأن تأتي حكومة انتقالية تشرف على إجراء الانتخابات النيابية، ولا يترشح رئيسها ولا أعضاؤها للانتخابات النيابية المقبلة، كما حصل عام 2005 عند الاتفاق على تسمية نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة؟ فيما تلفت بعض المصادر الإعلامية إلى أنّ أحد الشروط التي يضعها الحريري هو أن يبقى رئيساً للحكومة طيلة الولاية الرئاسية التي تمتدّ ستّ سنوات، في حين أنّ فريق 8 آذار يطالب من جهته أيضاً بضمانات من الحريري خصوصاً في الموضوع السوري وسلاح المقاومة والملف النفطي. وخير دليل على اقتراب الانفراجات تلك، هو كلام السفير الفرنسي إيمانويل بون لبرنامج «كلام الناس» عن عدم سماعه أيّ تصريح سعودي أو فرنسي أو أميركي يرفض العماد عون، وعن تأكيده بأنّ الحوار الروسي – الأميركي مستمرّ وبإيجابية.

وأخيراً… من المؤكد أنّ جلسات الحوار المرتقبة إذا نجحت فسوف تفضي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بأسرع وقت، ولكن مع التشديد على أنّ أيّ إشكال بسيط قد يحصل في تلك الجلسات يمكن أن يؤدّي إلى فرط كلّ التطورات الحاصلة.

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجّرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى