موسكو إلى الردع الإستراتيجي: تصحيح خطأ اليمن… وانتقاما للطوافة

ناصر قنديل

– فشل الأميركيون في تنفيذ تعهّداتهم لروسيا بسحب من يسمّونهم بالجماعات المعتدلة من تحت عباءة جبهة النصرة، لأنّ هناك أميركيين آخرين أشدّ قوة وسطوة، وأمتن علاقة مع السعوديين مشغّلي الجماعات المسلحة في سورية بتنوّع أسمائها، يدفعون لمواصلة القتال بواسطة تحالف النصرة والجماعات المسلحة، فقرّر الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري أن يلقيا بعبء فشلهما أمام تحالف هيلاري كلينتون وديفيد بتريوس وآشتون كارتر، على عاتق روسيا، فأنكر كيري وجود تفاهم مع موسكو كان هو من تحدّث شارحاً عناوينه بعد إنجازه قائلاً: سنبقي بعض تفاصيله سراً منعاً لإفشاله، وحمّل أوباما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسؤولية عدم العمل معاً، لأنه لا يقدر أو لا يريد أن يضغط على حليفه الرئيس السوري، ولم يقل التتمة، المصمّم على مقاتلة النصرة ومن معها، ويصرّ على البقاء معها، وفقاً لتفاهم موسكو، الذي باركته دمشق وأكدت عزمها على العمل من ضمن مبادئه وعناوينه.

– ثبت أنّ من أسقط الطوافة الروسية من الجماعات المسلحة، قد فعل ذلك بواسطة صاروخ حراري أميركي، سلّم من أحد المستودعات السعودية، بإذن من وزير الدفاع الأميركي، كما تقول «نيويورك تايمز»، وتتوقع أزمة في العلاقات الروسية الأميركية، وتقول مصادر روسية إعلامية إنّ الإنطباع لدى قادة الكرملين هو أنّ كلينتون باتت تمسك بالقرار الأميركي تمهيداً لخوض انتخاباتها التي يراها الحزب الديمقراطي أكثر سهولة من ذي قبل، وأقلّ حاجة لخدمات أوباما وفريقه، تقود بواسطة وزير الدفاع الأميركي الذي ستبقيه في منصبه بعد فوزها، العلاقة بالحرب في سورية، وقد قرّرت وفريقها منح حرب الاستنزاف بواسطة النصرة الشهور الفاصلة عن نهاية ولاية أوباما، والرهان على تحويل سورية لجزر جغرافية منفصلة عن بعضها، تسيطر النصرة على الحدود الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية فيها، ذات القيمة الإستراتيجية لأمن «إسرائيل» ودور السعودية، وهذا معنى إعلان كارتر عن الاهتمام بجبهة الجنوب بذريعة الحرب على داعش غير الموجودة هناك، لتبرير التعاون مع النصرة، التي غيّرت جلدها لتبرير هذا التعاون رغم ادّعاءات اوباما بأنّ التغيير في الأسماء لا يغيّر شيئاً.

– كلينتون ترتبط بعلاقات مصلحية مع السعوديين عبر إدارة مكتبها للمحاماة لمصالح الكثير من الأمراء، والتي سبق أن وقعت على مشروع قرار شنّ حرب على سورية قبل أن تغادر وزارة الخارجية، وهي من قال إنّ تنظيم القاعدة والتدفق الذي تشهده الحدود السورية لجماعات من الإرهابيين، أمر تحت السيطرة، وأنّ العمل لإسقاط النظام في سورية يجب ألا يتوقف ويلتفت لهذه الأعراض الجانبية، وهي ذاتها التي تحدثت في مركز دراسات الشرق الأدنى في واشنطن، أنّ جبهة النصرة التي تتبع تنظيم القاعدة رسمياً هي أقرب شبهاً لحركة طالبان من القاعدة، بإعتبارها قوة مؤلفة من سوريين متشدّدين دينياً، لكنهم لا يتطلعون للعمل خارج سورية، ولا يشكلون سبباً للقلق على الأمن الأميركي، وأمن الدول الغربية، ولذلك ينظر الروس لما يجري في سورية باعتباره إدارة سعودية بواسطة كلينتون وفريقها للحرب في سورية، وإعلان تقاعد لأوباما وفريقه، حتى تسقط خطة كلينتون وتفرض معادلات القوة العودة إلى التفاهمات.

– يعلم الروس أنهم سبق ومنحوا السعودية ما لا تستحق، عندما قبلوا بالتساهل مع صدور القرار المشؤوم 2216 عن مجلس الأمن الذي يعوّم منصور هادي كرئيس شرعي وهو المنتهية صلاحيته وولايته، والفاقد لمن يحميه بوجه ثوار بلده، الذين لا حدود لهم مع أيّ دولة أجنبية إلا حلفاء منصور في السعودية يحاصرون اليمن من كلّ اتجاه، بينما الجارة عمّان ترابط على حدودها اليمنية وحدات تنظيم القاعدة من جهة حضرموت بالتنسيق مع السعودية وجماعة منصور هادي، ويعلم الروس حجم الإزدواجية في التعامل الأممي مع الحالتين السورية واليمنية، وكانوا ولا يزالون معنيين بفرض تصحيح هذا الإزدواج من مجلس الأمن إلى مواقف مكتب الأمين العام الذي يحمل مبعوثوه إلى كلّ بلد وصفة، ففي اليمن معارضة شعبية مسلحة تمكّنت من طرد الرئيس المنتهية ولايته من العاصمة الأولى صنعاء إلى الثانية عدن، ومن ثم طرده منها، ووقف معها الجيش وانضمّ إليها، ولم يجد هذا الرئيس من يقاتل معه من شعبه وجيشه، وبينما ينسق الرئيس المنتهي الصلاحية مع تنظيم القاعدة ويسمّيه مقاومة شعبية تقاتله المعارضة المسلحة، ورغم حصارها تنجح المعارضة بإمساك كلّ الجغرافيا الوطنية لبلدها قبل التدخل السعودي بشنّ الحرب، وفي سورية معارضة مسلحة لم تتمكن من الإمساك بجزء من الجغرافيا، إلا عندما دخلت جحافل تنظيم القاعدة بتسهيلات الدول المجاورة لسورية، وبقي الرئيس يمسك بجيشه ومعه غالبية شعبية وشرعية دستورية، ويسيطر على المدن الرئيسية وحيث يقيم ثلاثة أرباع السكان، ورغم ذلك تعرض المساعي الأممية على الرئيس السوري فكرة التنحّي وحكماً انتقالياً ثقله لهذه المعارضة المتعسكرة مع القاعدة، ويعرض على المعارضة اليمنية تسليم المدن والسلاح وبعدها «نتحدث في السياسة»، لسبب وحيد هو المصالح السعودية، لأنّ تطبيق معيار واحد رغم انه سيظلم المعارضة اليمنية والرئيس السوري بمساواتهما بمن لا يستحق، سيؤدّي حكماً إلى معادلة تقوم على حكومة موحدة والتمهيد لإنتخابات جديدة، وهو ما سيتسبّب بخسارة السعودية في اليمن وسورية، وكلّ ما يناسب السعودية في اليمن لا يناسبها تطبيق مثله في سورية، وكلّ ما يناسب السعودية في سورية لا يناسبها تطبيق مثله في اليمن، بينما كلّ ما تطرحه السعودية لسورية ترتضيه المعارضة في اليمن، وكلّ ما تطرحه السعودية في اليمن تقبل به الحكومة السورية كأساس للحلّ في بلدها، وطالما المبعوثون الأمميون يعملون عند السعودية، وطالما أنّ قرار البيت الأبيض صار عندها، فالردّ الروسي يجب أن يتوجه إليها.

– صحّح الروس خطأهم في اليمن، ومنعوا قراراً في مجلس الأمن الدولي يدين الحوثيين لرفض خطة حلّ تقول لهم سلّموا مناطق سيطرتكم وسلاحكم ونتحدث بعدها في السياسة، وسألوا الأمين العام ومعاونه جيفري فيلتمان، ومعهما ممثلو واشنطن، هل ترتضون قراراً مثله بحق المعارضة السورية، وهي التي فشلتم جميعاً بفك التشابك بينها وبين الإرهاب؟ ورسموا معادلة العودة للتفاوض اليمني تحت عنوان ربط الحلّ السياسي بالحلّ الأمني، فكان الردع الإستراتيجي للسعوديين الذين عادوا إلى خطوط القتال بلا أفق سياسي، لا ضغوط دولية أملوا بها، ولا تقدّم في المفاوضات سعوا إليه، تقهقر عسكري ومعه تقهقهر سياسي، وبالتوازي وضعت موسكو ثقلها كما وعدت حلفاءها للخروج بنصر حاسم في شمال سورية، وبعد شهر كلام آخر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى