1701 روسي إيراني يحيط التموضع التركي في سورية: 14 آب سقوط الحلمين الإمبراطوريين الصهيوني والعثماني

ناصر قنديل

– في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات صدر القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي لإحاطة التموضع الصهيوني في الحرب على لبنان، وتسهيل تجرّع هزيمة مشروع الحلم الإمبراطوري لـ «إسرائيل» العظمى، كما كان الإعلان المدوّي لسيد المقاومة في خطاب النصر. فالمقاومة ومن معها في لبنان والمنطقة، تحققت على أيديهم عملية الإسقاط الأولى لركيزة من ركيزتين لبقاء «إسرائيل» الوجودي، وهي قدرة الاحتلال والاحتفاظ بالأرض، فقد تمّ إخراج «إسرائيل» من الجغرافيا بنصر المقاومة عام 2000 الذي تحرّر جنوب لبنان بموجبه دون تفاوض ودون قيد أو شرط، لتسقط في حرب تموز 2006 الركيزة الوجودية الثانية لبقاء «إسرائيل» التي تتمثل بقوة الردع، والقصد الإرهاب الذي تمارسه «إسرائيل» بتفوقها العسكري وقدرتها التدميرية لضمان انصياع الحكومات والشعوب، لمشيئتها، ومن هنا ولدت النظرية البديلة لـ «إسرائيل» الكبرى القائمة على الاحتلال والمزيد من الاحتلال، وعنوانها «إسرائيل» العظمى القائمة على الإخضاع والمزيد من الإخضاع. ومثلما كانت مهمة «إسرائيل» الكبرى التي وأدتها المقاومة عام 2000 وكرس سقوطها تحرير غزة عام 2005، أن تقايض الانسحاب من أرض تخضع للاحتلال بالأمن والشرعية لاحتلال آخر لأرض لا انسحاب منها، تقوم فلسفة «إسرائيل» العظمى، بمقايضة كف شرها ومنح الأمن مقابل التسليم بيدها العليا وبهيمنتها الاقتصادية كمرجعية ناظمة، للدول الممتدة في ما تسميه «إسرائيل» بمداها الحيوي، الذي تتطابق في تسميته مع مصطلح الشرق الأوسط الكبير من نيجيريا إلى أفغانستان، الذي أطلقته واشنطن في حرب تموز، واعبترتها مخاضاً لولادته على لسان وزيرة خارجيتها غونداليسا رايس، فيما كان من يسمّونه بملك «إسرائيل» أرئيل شارون يقول قبل سنوات، إن أمن «إسرائيل» يصنع في هذا المدى الممتد من نيجيريا إلى أفغانستان. ومثلما كان الاحتلال الرئة الأولى لـ «إسرائيل» الكبرى، كان ما تسمّيه «إسرائيل» بقدرة الدرع الرئة الأولى لـ «إسرائيل» العظمى، ومثلما سقطت الأولى عام 2000، سقطت الثانية في العام 2006.

– الحلم الإمبراطوري الصهيوني سقط بنسختيه، وتزامن بين السقوطين سقطت الحملة الإمبراطورية العسكرية الأميركية في حربي أفغانستان والعراق، الهادفتين لتطويق وإخضاع إيران وسورية، قلعتي الإنجاز الأول عام 2000، لتنطلق حرب تموز 2006 لسحق المقاومة التي تحوّلت بانتصارها عام 2000 قوة ردع ولدت في خضم المواجهات، وتحوّلت من شريك يحتمي بالحليفين السوري والإيراني إلى شريك يحميهما عند الضرورة، بما يملك من قدرة على إمساك واشنطن من يدها التي توجعها، وهي أمن «إسرائيل» الممسك بخناقه بين يديه، بقبضات أزرار إطلاق الصواريخ، فكانت حرب تموز أميركية بامتياز، بمثل ما هي ضرورة وجودية لـ «إسرائيل». وبسقوط الحلم الإمبراطوري الصهيوني تكسّرت آخر رماح الحروب الأميركية «الإسرائيلية» للهيمنة على الشرق الأوسط ومنابع وممرات الطاقة، والجغرافيا الاستراتيجية التي يمثلها كمركز للعالم القديم، ليولد مفهوم الحرب الناعمة من جديد بنسخة جديدة، عنوانها الحلم الإمبراطوري العثماني، والتعامل مع المزاج الشعبي العربي والإسلامي بطريقة يتقنها الأميركيون في رياضة ركوب الأمواج، حيث لا يصنع اللاعب الموجة، بل يتوقف نصف فوزه بالمباراة على حسن اختياره لموجة مناسبة، طويلة المدى عالية الذيل، تتيح اللعبة الأنبوبية القائمة على دخول اللاعب في قلب التفاف ذيل الموجة ومجاراتها حتى يتسنى له ركوبها وبلوغ الشاطئ، بينما النصف الثاني للفوز يتوقف على مهارات التخفي والتذاكي والمرونة والتأقلم مع الموجة وطول النفس في الانغماس داخل رذاذها وضغط الهواء وحركة الماء داخل أحضانها، فكانت موجات الغضب الشعبي التي كتب الأميركيون عن خشيتهم منها بتكرار مشهد الثورة الإيرانية في أي من البلدان التي تدين أنظمتها بالولاء لواشنطن، كما علقت غونداليسا رايس على التظاهرات الغاضبة التي خرجت عام 2000 تضامناً مع انتفاضة الأقصى في فلسطين، لتقول، إن رفع صور السيد حسن نصرالله من جهة والخروج لأجل فلسطين والقدس من جهة ثانية، يقولان لنا إن الذين بقوا حتى الفجر من طلاب الثانويات في مينة كالأسكندرية، لم يفعلوا ذلك لتنشق هواء البحر، بل ليقولوا لنا إن زمن تهاوي الحكومات المساندة لنا والمتعاونة معنا والمراهنة علينا بات قريباً، على الطريقة التي سقط فيها شاه إيران.

– قرر الأميركيون ركب موجة مناسبة من الغضب، والتماهي معها والاختباء بين تفرعاتها وانحناءاتها، وأسموها الربيع العربي، لكنها كانت حرب الحلم الإمبراطوري العثماني، الذي يتآخى مع مزاج إسلامي عام ، ويتمكن من الإمساك بالحكم بواسطة انتخابات عبر تنظيم تاريخي عريق هو الأخوان المسلمين، ويبقى المهم شيء واحد، أن ينجح بإسقاط سورية، ولأجل ذلك فليأخذ مصر وتونس وليبيا واليمن، ولتوضع مقدرات دول الخليج من السعودية إلى قطر والإمارات في خدمة هذا المشروع، رغم تناقضات هذه الحكومات وتنازعها على الأوزان، فلا وقت لمثل هذا الترف، ولتجند وحدات تنظيم القاعدة المتلهفة لامتلاك حضور في بلاد الشام لتلعب دور قوات الكوماندوس في تنفيذ المهمة السورية، ولتفتح نار حرب أوكرانية تشل قدرة روسيا على التحرك والتفلت من الضغط، وعندما تسقط سورية سيولد المشروع الإمبراطوري العثماني، لكن إيران سيكسر ظهرها، والمقاومة ستخسر قلعتها وسندها، الصين ستنكفئ ما وراء سورها العظيم تتسول نفطاً وغازاً من واشنطن وحلفائها، وروسيا ستنشغل بقلع شوكها بأصابع مدماة في أوكرانيا وسواها. وبعد سنوات طوال، سقط الحلم الإمبراطوري العثماني على مراحل، من صمود سورية وثباتها انطلقت شرارة التغيير التي استند إليها الجيش المصري، ومن بعده النخب التونسية، وصولاً لليمن وليبيا. ومع تقدم إيران وحزب الله وروسيا إلى الميدان السوري، بالتدريج والتتابع، تكسرت بالتدريج والتتابع أيضاً مفردات الحلم الإمبراطوري العثماني، حتى خرج من كراس التعليمات المعتمدة أميركياً، عندما عزمت واشنطن على صرف النظر عن حملتها الحربية عام 2013 ضد سورية واستدارت نحو الحل السياسي للسلاح الكيميائي السوري، ومن بعده فوراً الاستدارة للعودة بعد قطيعة سنة إلى المفاوضات حول الملف النووي الإيراني وصولاً للتوقيع، والسلطان يكابر ويعاند ويراهن، ويصغر حلمه كلما سطعت شمس الحقيقة أكثر وصغر ظله، حتى وقع التصادم مع التموضع الروسي، وظهرت الخيارات الصعبة، وقالت له الوقائع إنه أضعف من خوض مواجهة لا يريد الأميركي ولا أي من حلفائه في الأطلسي التورط بها، فحسب واحتسب واستدار، بعد طول تردد.

– التفاصيل التي نشهدها على شاشة المواقف والحسابات التركية لا تتيح لنا التعرف على حقيقة ما يجري، لأنه عميق وجذري، بقدر ما كانت هزيمة «إسرائيل» وسقوط حلمها الإمبراطوري في حرب تموز تعبيراً عن تغيير عميق وجذري، تحيط روسيا وإيران بتركيا، لتبنيا لها مدرجات هبوط ناعم، كما يحدث للطائرات التي تهبط خارج المدارج النظامية للمطارات، وتتلقفانها بتعابير كافية لنفهم حجم ما يجري، ماذا عن تحالف تركي روسي إيراني يضمن وحدة سورية يبشر به الأتراك، وأولوية مشتركة عنوانها مكافحة الإرهاب وحفظ وحدة سورية، والتفاهم تام، والعمل المشترك سيبدأ، ومثلها الكثير من مفردات تبدو غامضة لأنها لا تقول عن ماهية التفاهمات، إلا ما تقوله الاتفاقات الاقتصادية التي تحتاجها تركيا وجودياً لمنع انهيار حتمي، ويغدق عليها بها الروسي والإيراني، وذلك أحد احتمالين تركيا العثمانية تنتصر وتفرض الجزية، أو تركيا العثمانية تتبخر وتنال التعويض؟

– التفاهمات حول سورية غير معلنة، أغلبها أمني وعسكري، يشبه ما وفره القرار 1701 للتموضع «الإسرائيلي» بعد حرب تموز 2006، وواشنطن في غمرة النعاس والتثاؤب على أبواب انتخاباتها الرئاسية وعجزها عن تنفيذ التفاهمات، وهنا لا حاجة لمجلس أمن لـ 1701 يحيط بالتموضع التركي، فالمتغير بين الحربين، أن بطرسبورغ التي كانت عام 2006 تستسضيف قمة الثمانية الكبار وتقول بحق «إسرائيل» بالدفاع عن النفس، هي بطرسبورغ التي يقصدها الرئيس التركي ليتلو عليه فيها الرئيس الروسي، صاحب كورنيت النصر في حرب تموز، التي حلت مكانها السوخوي بصناعة النصر السوري، مضمون التفاهمات ونصوصها، والكرسي الذي ستحتله تركيا بالنيابة عن واشنطن، في فترة النوم، بحلم دون السلطنة، وكابوس دون الانقلاب.

– في الرابع عشر من آب يحتفل صناع نصر تموز بنصر حلب، ويحتفلون بسقوط الحلمين الإمبراطوريين الصهيوني والعثماني، من «إسرائيل» الكبرى إلى «إسرائيل» العظمى، إلى «إسرائيل» وراء الجدران، ومن تركيا الكبرى إلى تركيا العظمى، إلى تركيا تخشى جداراً كردياً وترتضي، بل تطلب جداراً سورياً، تعرف أن مرجعيته تعود لمن لا تحب أن تراه رئيساً لسورية، لكنها أقدار الحروب، وسقوط الأحلام الإمبراطورية، التي قالت فيها رايس إنها تسقط كما يأتي الطوفان ويحدث الزلزال، لا تنبئ مسبقاً بموعد وشكل حدوثها، إنها تحدث وحسب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى