حلب.. والخطة «باء» الأميركية

محمد شادي توتونجي

إنّ كلّ المشاهد اليوم لما يجري من معارك على جبهة حلب تحديداً، بما حشد لها من إرهابيين وهذا الكم الهائل من «الانغماسيين» وغرف «الموك» الإعلامية والعسكرية، من جبهة محور العدوان الصهيو-تكفيري من جهة، ومن مجاميع قوات النخبة السورية ونخبة «حزب الله» والحشد الجوي الروسي الكبير والقوات الحليفة الأخرى، المساندة للدولة السورية من جهة ثانية، تؤكد بما لا يدعو للشك، أن هذه المعركة لها صفة واحدة ونتيجة واحدة، هي «يا قاتل يا مقتول». إذ يعلم كل محور الحرب على سورية، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، أنّ معركة حلب هي آخر أوراق الأميركي قبل إعلان الهزيمة في سورية، عبر بوابة انتصار الجيش العربي السوري مع حلفائه. وهذا يبدو يقيناً قد رسمت معالمه، بعد أن تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من استيعاب الهجمة الكبرى التي وقعت مع خسائر محدودة جداً في الجغرافيا، وتمت استعادة المبادرة وسدّ الثغرة التي روّجت لها وسائل إعلام المحور الصهيو-وهابي على أنها «خط بارليف» لما أسموه «ملحمة حلب الكبرى». واستطاع الجيش العربي السوري والحلفاء إعادة التموضع الدفاعي والانطلاق لمعركة الهجوم المضاد، ليس فقط على ساحة المعركة في «الراموسة» والكليات العسكرية هناك، وإنما على امتداد الطريق الواصلة من إدلب وريفها، وصولاً للراموسة، مستخدمين تكتيكات جديدة من كمائن وقضمٍ وهضمٍ وتسلل وصدٍ متقدمٍ للهجومات، اذ أن مع عمليات الصدّ يتقدم الجيش ويحكم السيطرة على المناطق التي تمركز فيها المهاجمون، ويحرّر كتلاً جديدة من الأبنية وطرق الإمداد، إما بالسيطرة المباشرة، أو بالسيطرة النارية التي تنجح أكثر في عملية استنزاف الإرهابيين، وتجرّهم لما يسمى «بقع تقتيل» أو ما نسميه «الأهداف المغناطيسية»، كما حدث في مبنى كلية التسليح حيث سوّتها المدفعية السورية بالتعاون مع سلاح الجو بالأرض، بمن فيها من إرهابيين ظنوا أنهم تمكنوا من إحراز إنجاز عسكري. وفي آنٍ واحد، وبعملٍ مشتركٍ أرضيٍ وجويٍ، يتمّ عزل المسلحين عبر إستهدافات متلاحقة لمحيط الكليات العسكرية، واستهداف طرق الإمداد لهم، والأهم في ما يجري، أنه بعد الإنجازات الاستراتيجية للجيش السوري والحلفاء، على جبهات الملاح والكاستيلو والليرمون، وصولاً إلى بني زيد وحندرات، وأثناء قيام الجيش والحلفاء بالعمليات في الراموسة والكليات، كان العمل الأهمّ في توسيع استهدافات الجيش العربي السوري، مع سلاح الجو، لكل المحاور الممتدة من حريتان وكفر حمرة والراشدين 4 و5 لاستكمال الطوق على المجاميع الإرهابية، ولإحكام وتأمين السيطرة على المحلّق الشمالي، وصولاً لتأمين الطريق الدولية، عبر استهداف مراكز إمداد الجماعات الإرهابية من خان طومان إلى الزربة وخان العسل.

وهذا يؤكد صحة التقارير الصحافية الإسرائيلية، التي تحدثت عن أنه إذا ما انتصر محور المقاومة في معركة حلب، فإنّ أدراج الأميركي ستكون قد نضبت من جميع الأوراق التي يمكن أن يساوم عليها، تزامناً مع إعلان الأميركي عن إعادة فتح جبهة الجنوب السوري، لإرباك الجيش السوري والحلفاء، وتشتيت الانتباه عن الهزائم في معارك حلب، والأمر الذي يدفعنا للقول يقيناً أن ما تحدث عنه المدعو عادل الجبير، نقلاً عن جون كيري، عن خطة «باء» أميركية، يؤكد أنّ معركة حلب كانت هي الخطة «باء» إذا ما قاطعناه مع التقارير الإسرائيلية.

ولهذا كان تأكيد القيصر الروسي، بعد مؤتمر باكو الأخير في أذربيجان، على أنّ معركة حلب لن تتوقف حتى النصر والحسم النهائي فيها، وأن روسيا لن تتعرّض للخديعة مرة آخرى، بهدن إنسانية. لذلك حاول الأميركي جاهداً أن يهاجم الروسي بتصريحات مباشرة بلسان أوباما، الذي قال خلال مؤتمر صحافي في البنتاغون «أنا لست متأكدًا من أن بإمكاننا الوثوق بالروس وبفلاديمير بوتين، ولهذا السبب علينا أن نجري تقييمًا بشأن ما إذا كنّا سنتمكن من الوصول إلى وقف فعلي للأعمال العدائية أم لا، ربما تكون روسيا غير قادرة على الوصول إلى ذلك»، الأمر الذي دعا نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف، للقول بأنه يتوجب على الولايات المتحدة التصرف بـ«نزاهة» و«مسؤولية» إذا أرادت إعادة الثقة للعلاقات مع روسيا.

وتابع قوله: «لا يمكن استعادة الثقة في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، إلاّ إذا تعامل زملاؤنا في واشنطن بصدق ومسؤولية مع كامل جدول أعمال العلاقات الثنائية بين موسكو وواشنطن»، مؤكداً «أن الولايات المتحدة، في حوارها معنا حول المسائل السورية، لا تتصرف أحيانًا كما يفعل الشركاء، ولا تزال بعيدة عن إظهار استعداد للتفاوض على أساس من المساواة».

وعلى الطرف الآخر، وليس من باب المساواة بين الطرف الإرهابي، المعتدي بداعميه، مع محور المقاومة للمشروع الصهيو-تكفيري في المنطقة والعالم، فإن الجيش العربي السوري وحلفاءه يعتبرون ويعلمون أنّ معركة حلب هي أمّ المعارك، وهي المعركة الفصل، وبأنها معركة الوحدة والانتصار الحاسم. فهي معركة الوحدة لأنها تسقط آخر أوهام التقسيم للأراضي السورية، التي تحافظ على وحدتها بعد فشل كلّ مخططات التقسيم، وبعد الفشل الذريع في بداية الحرب، عبر محاولة إسقاط حمص التي روّج لها يوماً على أنها عاصمة الثورة السورية، والتي كانت مرسومة بدقة، نظراً لموقع حمص الجغرافي الذي يقسّم ويفصل شمال سورية عن جنوبها تماماً، لامتدادها عبر الصحراء وصولاً للحدود العراقية شرقاً، واللبنانية غرباً، لتتصل لاحقاً بما سمّوه ولاية طرابلس لتصل «داعش» الى البحر، الأمر الذي شرح للكثيرين أن معركة احتلال تدمر لم تكن اعتباطاً، بل لأنها الطريق المؤدية لهذا المشروع، ولأنها المنطقة التي تفصل دمشق عن حلب تماماً، الأمر الذي يجعل الفتك بالجنوب والشمال سهلاً بعد التقسيم وقطع طرق التواصل والإمداد، وكانت يومها معركة القصيْر نقطة التحوّل الفاصلة في الحرب على سورية، حيث أسقطت حلم التقسيم الأول.

وأسقط حلم التقسيم الثاني عبر فشل كلّ عواصف الجنوب التي قاموا بها، وتحصّنت دمشق واستكملت معارك ريفها والغوطتين، لتسقط حلم دك حصون دمشق.

لذلك، كانت حلب وستكون آخر معاقل الأوهام في التقسيم، وستكون معركة النصر النهائي للحفاظ على وحدة أرض سورية، ومعركة نصرها الحاسم، لأنها ستحسم بعدها كل المعارك من إدلب إلى الرقة إلى كل الأراضي السورية.

ولهذا كان قرار الرئيس بشار الأسد حاسماً وقاطعاً بشكل نهائي، أنّ معركة الحسم في حلب انطلقت ولن تنتهي إلا بالنصر.

وهذا ما دعا الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الى القول بأنّ حلب هي طريقنا للقدس. وقال قولته الشهيرة بأنه «لو تطلبت المعركة مع هؤلاء الإرهابيين التكفيرين أن أذهب أنا وكل «حزب الله» إلى سورية سنذهب إلى سورية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى