دلالات النقلة النوعية في التعاون العسكري الروسي- الإيراني -السوري

حسن حردان

إنتقال الحلف الروسي- الإيراني- السوري إلى مرحلة جديدة في ترجمة التعاون والتنسيق العسكري في محاربة الإرهاب، من خلال سماح إيران للطائرات الروسية الحربية باستخدام مطار همدان، يشكل تطوّراً نوعياً في مسار الحرب ضدّ قوى الإرهاب التكفيري في سورية، من ناحية، ومؤشراً على عزم هذا الحلف منع الخطط الأميركية من إدامة الحرب على دمشق لإستنزافها واستنزاف حلفائها من ناحية ثانية.

لا شك في أنّ هذا التطور يأتي تنفيذاً لقرار سياسي اتخذ على أعلى المستويات في العواصم الثلاث، والذي تمّ وضع الخطط التنفيذية له في اجتماع عقد مؤخراً في طهران وضمّ وزراء دفاع سورية وإيران وروسيا.

غير أنّ توقيت ترجمة هذا القرار باستخدام الطائرات الروسية للمطارات الإيرانية، وقبل ذلك، باستئناف «السوخوي» مساندة الجيش السوري وحلفائه في إطباق الحصار على المسلحين في أحياء حلب الشرقية، وقصف مواقع المسلحين في إدلب وريف حلب، تمهيداً للمرحلة الثالثة الهادفة الى تحرير وتنظيف حلب وريفها ومحافظة إدلب من المسلحبن الإرهابيين، إنّ هذا التوقيت إنما يهدف الى ما يلي:

أولاً: تزخيم الحضور الروسي العسكري وزيادة فعاليته لتسريع إنجاز الحسم في حلب وإدلب، بما يضع حداً لكلّ الرهانات الأميركية- التركية- السعودية على إبقاء حلب جرحاً نازفاً بهدف ابتزاز سورية، لدفعها الى تقديم التنازلات التي تمسّ بسيادتها واستقلالية قرارها الوطني، أو تتمّ الحيلولة دون تمكينها من استعادة عافيتها، عبر مواصلة تغذية المسلحين بالسلاح والمسلحين والمال لمواصلة حربهم الإرهابية.

ثانياً: وضع حدّ للمناورات الأميركية للتهرّب من تنفيذ تعهّدات واشنطن لموسكو بالفصل بين الجماعات الإرهابية، وتلك التي تقبل بوقف العمليات العسكرية والدخول في عملية الحلّ السياسي. فموسكو وعبر مسؤوليها الأساسيين، أعلنت بوضوح عدم استعدادها السماح باستمرار هذه المناورات، وأنّ واشنطن غير صادقة بما تلتزم به في اللقاءات المشتركة. وهي، أيّ موسكو، أعطت أكثر من فرصة لتسهيل الحلّ، لكن المسؤولين الأميركيين كانوا في كلّ مرة يستخدمون الهدنة لإعادة تعويض المسلحين عن خسائرهم، وتزويدهم مجدّداً بالقدرات التسليحية والمقاتلين لشنّ الهجمات ومحاولة تغيير المعادلة في الميدان، للانقلاب على شروط الحلّ وفرض الإملاءات على سورية.

ثالثاً: تسريع عملية الحلّ السياسي بات رهناً بالحسم العسكري في الميدان، ولهذا فإنّ حسم معركة حلب وإدلب بات يشكل أولوية بالنسبة للحلف الروسي- الإيراني- السوري، والمعبر الإلزامي لوضع الحلّ على السكة الصحيحة، التي تقوم على احترام إرادة الشعب السوري في تقرير مصيره وانتخاب رئيس بلاده بعيداً عن التدخلات والإملاءات الخارجية.

ومن الواضح أنّ العلاقة بين تبدّل موازين القوى في الميدان والحلّ السياسي إنما هي علاقة مترابطة، ففي كلّ مرّة كانت تحصل فيها تحوّلات نوعية لمصلحة الجيش السوري وحلفائه، كانت واشنطن تسارع الى إظهار الاستعداد للسير بالحلّ والقبول بما كانت ترفضه سابقاً، وعليه، فقد تولّدت قناعة لدى القيادة الروسية، كما تؤشر تصريحات المسؤولين الروس، بأنّ حسم معركة حلب أصبح أمراً ضرورياً لولوج الحلّ السياسي وقطع الطريق على استمرار حرب الاستنزاف التي تسعى واشنطن وحلفاؤها إلى إدامتها.

غير أنّ هذا التطور النوعي في التعاون والتنسيق العسكري بين كلّ من روسيا وإيران وسورية، لن تقتصر نتائجه وتداعياته فقط على مجريات الحرب ضدّ قوى الإرهاب في سورية، إنما ستكون له انعكاساته الاستراتيجية على المعادلات الإقليمية والدولية، فهذا التطور الذي أقلق كيان العدو الصهيوني، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّ واشنطن وحلفاءها قد فشلوا في فرض هيمنتهم على كلّ المنطقة، وأنّ الحرب في سورية لم تؤدّ إلى تحقيق الحلم الأميركي بإعادة تعويم سيطرة أميركا على القرار الدولي، ولا إلى تحقيق حلم أردوغان في استعادة أمجاد الأمبراطورية العثمانية الغابرة. فمن الآن وصاعداً، بات الحلف الروسي الإيراني السوري عاملاً مقرّراً في رسم المعادلات في المنطقة، فيما روسيا تعود بقوة إلى الساحة الدولية لاعباً أساسياً باعتبارها قوة عظمى لها مصالحها التي على أميركا والدول الغربية احترامها، بعدما فشلوا في محاصرة روسيا وعزلها وتحجيم قوّتها وتفكيكها.

انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول بأنّ سماح إيران للطائرات الروسية الحربية باستخدام مطاراتها لقصف الجماعات الإرهابية في سورية، يدلّل على التحوّلات الهامة الحاصلة في موازين القوى في المنطقة والعالم، والتي تولد من رحم الأزمة السورية، وهي لم تكن لتحصل لولا صمود سورية، قيادة وجيشاً وشعباً، طوال خمس سنوات، وكما قال أحد حلفاء سورية، فإنّ روسيا وإيران لم تأتيا إلى سورية لإيقاف الرئيس الأسد على قدميه، فهو كان واقفاً وثابتاً وصلباً وشجاعاً ولا يزال، لم يهن أو يضعف أو يتراجع في أيّ لحظة من اللحظات الصعبة التي تعرّضت لها سورية في السنوات الخمس الماضية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى