خطيئة كردية قاتلة… وباب العودة مفتوح

ناصر قنديل

– عندما نتحدّث عن الحالة الكردية في سورية، فنحن لا نتحدث عن مسألة كردية شاملة، كما يرغب بعض الباحثين الغربيين أو السياسيين الأكراد، لأنّ أيّ متابع للتكوينات التاريخية لديمغرافيا السكان في بلدان الشرق الأوسط، يستطيع أن يميّز بين حال الأكراد في العراق وتركيا وحالهم في إيران وسورية، فنفي وجود مسألة كردية في سورية بمعنى حجم القضية القومية التي تبرّر الحديث عن فدرالية وكونفدرالية أو انفصال، لا يعني نفيها بالمطلق، وخصوصاً في ما يخص أكراد العراق وتركيا. وتبرير الحق بالبحث لا يعني تأييد الخلاصة، أيّ الفدرالية والكونفدرالية وخصوصاً الانفصال. ومن موقع الحرص على مصلحة أكراد المنطقة، كما الحرص على تماسك كياناتها بوجه مشاريع غربية كانت ولا تزال تسعى للعبث بنسيج مكوّناتها، وتحاول خلق خطوط تماس بينها تتموضع عليها للفتن، وادّعاء دعم بعضها تارة والبعض الآخر طوراً، فالدولة الديمقراطية التشاركية تبقى الحلّ، بهوية ثنائية القومية لكلّ من العراق وتركيا، والانضمام العراقي للجماعة العربية وموقع العراق العروبي العريق، لا يعطله الاعتراف بثنائية القومية في الدولة، ذات الغلبة العربية، وكون هوية العراق الأصلية كانت وستبقى عربية، لكنها عربية تعترف بخصوصية تكوينها القائم على احترام الشراكة مع المكوّن الكردي وحقوقه الثقافية الخصوصية، وحقوق أبنائه السياسية والاقتصادية والتنموية الموازية لكلّ مواطن عربي، وكذلك في تركيا لا يعطل الطابع الثنائي القومية للدولة مركزيتها، ولا تشاركيتها، ولا يسيء للأتراك أبداً الاعتراف بحقوق كردية قومية، ولا بحقوق مواطنة كاملة، تتيح اندماجاً في حياة حزبية تركية ديمقراطية، وتتحمّل وصول أيّ سياسي كردي لرئاسة الدولة أو الحكومة أو البرلمان، كما في العراق، ولكن ليس على قاعدة تقاسم صلاحيات على هذا الأساس، بل على قاعدة حقوق المواطنة والتشاركية الكاملة.

– في العراق وتركيا مسألة كردية بالتأكيد، فهناك جغرافيا تاريخية منفصلة للقومية الكردية، رغم كلّ تاريخ التشارك الكردي في مصير المنطقة من ضمن روح الاندماج والتشارك، القائم أصلاً على إدراك تاريخي كردي للمصلحة التاريخية للجماعة الكردية تأسيساً على حجم متاعب ومصاعب وتعقيدات عيش دولة كردية مستقلة، بلا منفذ مائي، وبحروب تقسيمية لدول المنطقة واستجرار العداوات معها من عرب وترك وإيرانيين. وفي ظلّ تشابكات في المصالح والسكن والانتشار الجغرافي في عمق هذه الكيانات. أما في سورية وإيران فلا مسألة كردية من هذا النوع، فالجغرافيا التي يقيم فيها الأكراد ليست جزءاً من جغرافيا سكنها الأكراد عبر التاريخ، بل هي جغرافيا النزوح الكردي إلى مناطق الدفء والخصب، وإلى ملاذات من الاضطهاد، خصوصاً من تركيا، وكلّ الذين تتبّعوا الأنساب للعائلات الكردية في سورية تبيّن لهم تاريخ هجرتها الحديث، وانتسابها إلى أصول تتحدّر من عائلات كردية تركية، بصورة تجعلهم أقرب إلى حال الأرمن في سورية وإيران، رغم التباس قرب بعض مناطق انتشارهم من جغرافيا الانتشار الكردي في تركيا والعراق. وهو أمر طبيعي في ظلّ تجاور جغرافيا الأصل وجغرافيا النزوح كما هو طبيعي اليوم تمركز النازحين السوريين إلى لبنان في البقاع والنازحين إلى تركيا في جنوبها، وإلى الأردن في شماله. وهذا لا يعني أن ليس للأكراد بهويتهم الكردية في سورية حقوق تُضاف إلى حق المواطنة، أو ليس للأرمن مثلها، لكن الأصل هو التسليم بأنهم سوريون أكراد وليسوا أكراداً سوريين، وإلا صاروا أكراداً أتراكاً في سورية، والسوريون الأكراد مطالبون بإشهار تمسكهم بالهوية السورية العربية، وقبولهم الرضائي الفرح بالانضواء تحت لوائها، ضمن دولة المواطنة المدنية التي تمنحهم كامل حقوق المواطنة، ومعها حقوقاً ثقافية تحفظ خصوصيتهم كجماعة.

– نجح الأكراد في سورية بالتملّص من هيمنة زعامة مسعود البرزاني، لكنهم لم ينجحوا في تفادي الأشراك التي نصبها لهم الغرب بإغراءات التبنّي والدعم، ليقعوا في فخ التحوّل إلى ميليشيا أميركية شاؤوا أم أبوا، رغم كلّ الاحتضان الذي لقوه من روسيا والتفهّم الذي قدّمته موسكو لحقوقهم وللعب دور الوساطة لإدراجهم في وفود المفاوضات في جنيف، ورغم ما فعلته واشنطن من كيد بحقهم يوم هاجم داعش عين العرب ومنعت عنهم المساعدة العسكرية حتى قبلوا مبايعة البرزاني زعيماً للأكراد في سورية، وكانت هنا الخطيئة الأصلية، دون أن يعني هذا أنّ الحكومات السورية المتعاقبة قبل الأزمة والحرب قد قامت بما يلزم تجاههم، فقضية الجنسية التي وجّه الرئيس السوري مراراً بحلّ معضلاتها لهم، لقيت المماطلة والمراوغة من كثير من المؤسسات القيادية السورية حتى انفجار الأزمة، وساهم ذلك ومعه الإهمال والتهميش برفد القوى المعادية لسورية بشريحة غاضبة يسهل التلاعب بمشاعرها ومواقفها، كما هو حال الأرياف التي حرمت من دعم الوقود اللازم لمضخات المياه في زمن الجفاف، فنزحت من الزراعة والريف وتشكلت منها عشوائيات المدن التي تأسّست حالات الشغب عليها. لكن لا هذه ولا تلك تبيحان بيع مظلومية المقهورين للعدو الذي لا تتوه بوصلة سوري عن إدراك أنه أميركا وسياساتها وكيدها.

– نجح الأميركيون في دغدغة نزوع بعض القيادات الكردية لإقامة كيان كردي على جزء من الجغرافيا السورية، بعدما فشل الأميركيون في السيطرة على كلّ سورية، يكون حالها كحال إمارة لجبهة النصرة في شمال سورية، وحزام أمني لها على حدود الجولان يحمي احتلال جيش بيت العنكبوت، منعاً لانتقال معادلات الردع التي أنشأتها المقاومة في جنوب لبنان إلى جنوب سورية. وخرجت قيادات كردية سورية تتحدّث عن اقتراب الحلم، وهي تعلم أنّ تسلم جغرافيا متصلة كردية، يعني تطهيراً عرقياً، أو إعلان كيان كردي في جغرافيا أغلبيتها عربية يعني احتلالاً. ومثلها حال إعلان فدرالية قسرية، من طرف واحد، دون قبول الشريك الذي يمثل الأكثرية، والذي لا تقوم فدرالية بلا التراضي معه، ما جعل الحلم أسيراً لحجم الدعم الأميركي من جهة، وما زاد درجة التبعية لواشنطن وقدرتها على استخدام الميليشيات الكردية بطواعية، وما استنفر وطنية سورية مقابل هذا الانحراف الخطير من جهة مقابلة، بقيت إدارة العلاقة معه تخضع للمدّ والجزر بقياس الخطوات التي يستدعيها، وقوف الميليشيا الكردية في معارك ضدّ داعش، أو توغلها في البيئة العربية لممارسة السلطة أو التطهير العرقي. وليس خافياً أنّ القلق التركي من نشوء كيان كردي على الحدود بعد الفشل في إسقاط سورية، صار ورقة سورية الرابحة لفرض استدارة تركية تنقل ثقل الدولة الأهمّ في الحرب على سورية من ضفة إلى ضفة، وأنّ سورية ومعها روسيا وإيران، على يقين بأنّ المطلوب هو عودة أكراد سورية إلى مكانهم الطبيعي كشركاء في الحرب على الإرهاب وفي بناء سورية جديدة، تحكمها المواطنة وينال فيها أكرادها حقوقهم التي تحقق مواطنتهم، لكنهم يقومون بالواجبات التي تمليها، لينالوا بناء عليها حقوق الخصوصية.

– ما يجري في الحسكة فرصة لحوار مؤسّس على القوة التي تمنع لعبة الانفصال وتفتح باب الشراكة، على قاعدة أنّ الخطيئة تُمنع بالقوة والشراكة باب يُفتح بالتراضي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى