عودة روسيا في عيون المتسابقين إلى الرئاسة الأميركية

تماضر عباس

بعد الحرب العالمية الثالثة على سورية، التي شكلت حرباً بالوكالة بين مجموعات «القاعدة» والأصول «الإخوانية»، ومن خلفهم أميركا والاتحاد الأوروبي والسعودية ودول الخليج وبيت العنكبوت إسرائيل ، وبين القوى الوطنية في سورية ومن خلفها محور روسيا، إيران والمقاومة، التي أظهرت روسيا كقوة عائدة إلى الساحة السياسية العالمية، وعامل ردع مهم ضدّ الغطرسة الأميركية، التي أمتدّت لسنوات بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. هناك من لا زال يؤمن بأنّ أميركا هي الآمر الناهي والعقدة المستحيلة الفكّ، لكن هذه المعادلة تغيّرت الآن للأبد، ويكفي أن ننظر الى الإنتخابات الأميركية بين المرشحين الأبرز هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، لنلاحظ أنّ اللافت، في تلك الحرب الانتخابية، هو ما يدور بين هذين المرشحين من اتهامات حول روسيا، حيث أتهمت كلينتون المخابرات الروسية باختراق أجهزة كمبيوتر اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، وكذلك، أتهمت منافسها الجمهوري ترامب بإبداء تأييده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقالت كلينتون في مقابلة مع برنامج «فوكس نيوز صنداي»: «نعرف أنّ أجهزة المخابرات الروسية اخترقت أجهزة الكمبيوتر للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، ونعرف أنها رتبت لإطلاق الكثير من هذه الرسائل الإلكترونية، ونعرف أنّ دونالد ترامب أظهر استعداداً مثيراً للقلق لتأييد بوتين.

وسئلت كلينتون إنْ كانت تعتقد أنّ بوتين يريد فوز ترامب في الانتخابات، فقالت إنها لن تقفز إلى هذا الاستنتاج. وقالت لقناة «فوكس» في مقابلة بثت السبت الفائت: «لكنني أعتقد أنّ تحديد الحقائق يثير أسئلة خطيرة بشأن التدخل الروسي في إنتخاباتنا وفي ديمقراطيتنا». وتابعت قولها: «إنّ الولايات المتحدة لن تتقبّل ذلك من أي دولة أخرى، لا سيما دولة تعتبرها خصماً». وقالت: «أنّ يشجع ترامب بوتين ويشيد به، رغم ما يبدو أنه جهد متعمّد في محاولة للتأثير على الانتخابات، يثير في رأيي قضايا تتعلق بالأمن القومي». بينما أشاد دونالد ترامب ببوتين قائلاً: «إنه زعيم أقوى من الرئيس باراك أوباما». وقال في مؤتمر صحافي في فلوريدا: «روسيا إن كنتم تسمعونني، آمل في أن تكونوا قادرين على العثور على الرسائل الإلكترونية الـ30 ألفاً المفقودة»، في إشارة إلى البريد الإلكتروني الذي شطب من الخادم الخاص لمنافسته الديمقراطية، عندما كانت وزيرة للخارجية. ونشبت تكهّنات بشأن هوية مصدر رسائل البريد الالكترونية، التي كشفت تواطؤ أعضاء الحزب الديمقراطي ضدّ المرشح السابق للرئاسة الأميركية، بيرني ساندرز، مما يخالف الحيادية الشرعية ضمن أعضاء الحزب. وتطرح إدّعاءات التجسّس أسئلة شديدة التعقيد عن خيار روسيا لرئاسة أميركا المقبلة، والمواجهات المتصاعدة بين قادة قوى الشرق والغرب ذوي الآراء المختلفة والأسلحة النووية. إضافة إلى أنّ ترامب اعتبر أنّ السياسة الغبية لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في الشرق الاوسط، هي سبب نشأة تنظيم «داعش»، في مقابلة مع قناة «CBS» تمّ بث جزء منها الأحد 17 تموز. كما أتهم الرئيس باراك أوباما بالتورّط في هذا العمل.

لا يخفي بعض المراقبين الأميركيين تخوّفهم من تأييد ترامب لبوتين، حيث كتب جيفري غولدبيرغ في مجلة «أتلانتك» الأميركية «أنّ ترامب فضح نفسه مثبتاً أنه عميل الأمر الواقع للرئيس فلاديمير بوتين، وديكتاتور مدرّب لـ«كي. جي. بي.»، التي تسعى إلى إعادة بناء الامبراطورية السوفياتية، من خلال تقويض «الأمم الحرة» في أوروبا، وتهميش حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وإنهاء حكم أميركا كقوة عظمى وحيدة في العالم».

وقال غولدبيرغ: إنّ فهم ترامب للدور الأميركي في العالم يلتقي مع المصالح الجيوسياسية لروسيا، ذلك أنّ إنتقاده للديمقراطية الأميركية ينسجم مع إنتقاد الكرملين لها، وهو يتشارك في ميوله مع إيديولوجية بوتين بما فيها الهوس بنوع القوة التي يتشارك فيها عادة الديكتاتوريون. كلّ ما يقوله ترامب، من تأييد، يقف حائلاً بينه وبين الرئاسة الأميركية، ويجعل منه المرشح الأهوج، ويجعل من هيلاري كلينتون المرشحة المتوقعة، بالرغم من ملفات الفساد المحيطة بها، لكن سيكولوجيا الفرد الأميركي لا زالت تحمل تخوّفاً من الروس، الذين كانوا الأعداء الفطريين لأميركا لعقود طويلة، والآن إمساك روسيا بملفات الشرق الأوسط والحرب على سورية وتشكيلها الحجر العثرة أمام المخطط الأميركي، جعلها تعود الى الشعور الواعي بأنّ الخطر الروسي عاد…

الآن سيحلم جميع من يسكن البيت الأبيض بكابوس يدعى الروس وبوتين، وسيلوّحون به وكأنه الخطر الكبير، فقد كشف الغطاء عن الأميركي، وأنه لم يعد يستطيع أن يمتطي حصانه ويطلق صرخاته على طريقة «الكاوبوي» القديمة ويغزو العالم، كما كان يفعل منذ أن عادت أساطيله مدحورة أمام الردع الروسي عن الشواطئ السورية… إستعدّوا الآن روسيا عادت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى