الاتفاق النووي… أميركا لا تنفّذ وإيران لن تكرّر الاختبار!

هتاف دهام

لم يلمس النظام الإيراني أية نتائج واقعية من الاتفاق النووي مع الدول الست بشأن الإفراج الكامل عن ودائع إيران والاستثمارات الأجنبية المجمّدة وكذلك في رفع العقوبات الدولية.

لم تجنِ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منه أية ثمار حقيقية يُعتَدّ بها. حصل التوقيع مع قرار أميركي مسبق بوقف التنفيذ. لا يتحمّل الإيرانيون المسؤولية. التزمت طهران بالوقائع المفروضة ربطاً باتفاقية جنيف.

عملياً، لم تطبّق الولايات المتحدة البنود حتى الآن. بل ذهبت لتبرير عدائها نحو الخصوصيات الإيرانية. ضغطت على المصارف الكبرى لعدم إدخال طهران في نظام سويفت للتعاملات المالية الدولية. أبقت العقوبات الأخرى المتعلقة بالإرهاب والصواريخ الباليستية. تبرّر ذلك بأنّ القطاع الخاص مسؤول عن قراراته. لا علاقة لنظام الصواريخ الباليستية وتصنيف الحرس الثوري على لائحة الإرهاب بالبنود الموقعة.

منذ دخل «نووي جنيف» حيّز التنفيذ في كانون الثاني الماضي، نُظر إلى الجمهورية الإسلامية أنها حققت مكاسب سياسية واقتصادية مهمة. ما حصل بعد مرور 6 أشهر أنّ الإيرانيين لم يستشعروا شيئاً من الفوائد الموعودة. لذلك، ذهبت إيران بعد التوقيع مباشرة إلى المزيد من التعاون الاستراتيجي مع روسيا والصين. فتحت أبوابها لشركات أوروبية زحفت على عتباتها رغم ما ارتكبه الأوروبيون أثناء المفاوضات. بات التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي في أوجه. تعاونت مع موسكو عسكرياً في سورية منذ آذار 2015. كرّست مع بكين العلاقات الاقتصادية. أعادت بناء طريق الحرير، فضلاً عن خطوط النقل التي تُبنى حالياً بين إيران وروسيا والصين بآلاف الكيلومترات، وإعلان مشروع أنابيب الغاز الباكستاني الإيراني.

أكد المرشد الأعلى السيد علي خامنئي «أننا عندما وقعنا كنا نأمل أن تُرفع العقوبات الموجّهة ضدّنا، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن». شدّد على «أنّ الأميركيين يمارسون الإخلال والخداع ومن ثم يوجّهون اللوم إلينا ويقولون لماذا أنتم متشائمون! يكتبون على الورق بأنه مسموح للبنوك التعامل مع إيران. لكنهم على أرض الواقع يروّجون لـ «الإيرانوفوبيا» بطريقة تدفع الآخرين إلى عدم التعامل معنا».

فشلت الإدارات الأميركية المتعاقبة بقتل إيران بالسلاح 12 عاماً والحصار 13 عاماً . أرادت أن تقتلها بالتغلغل إلى داخلها لجذب الإيرانيين بالاستثمارات والتنسيق والتعاون. يقول الإيرانيون إنّ نظامهم ذهب إلى المزيد من تحصين الداخل في وجه الهجمة الأميركية. أدرك سريعاً خداع الغرب ومكره وإرادته بتهديد بلدهم بتسييل نتائج الاتفاق لضرب عمق النسيج الوطني.

وفق الإيرانيين، عدم الالتزام الأميركي ببنود الاتفاق زاد الجناح الرافض للحوار مع أميركا قوة، وأكد صوابية موقفه الحذر بعدم الثقة بتعهّداتها على الصعد كافة. كان الملف النووي أول اختبار. فشل مع التفاف واشنطن عليه. الأكيد أنه لن يتكرّر.

أوجُه الخلاف بين واشنطن وطهران عديدة، لعلّ أبرزها الرواسب التاريخية المتمثلة بدعم الولايات المتحدة لحرب صدام حسين، إلى ملفات أفغانستان وسورية والعراق وصولاً إلى الملف الصاروخي. فضلاً عن العقوبات الاقتصادية المستمرة بطريقة مواربة.

رفعت الولايات المتحدة العقوبات المصرفية، لكنها طوّقتها بطرق أخرى. أوعز المصرف المركزي الأميركي إلى المصارف الأوروبية والشرق أوسطية وغيرها بمنع التعامل مع البنوك الإيرانية تحت طائلة الغرامات المالية. لم تنجح حكومات الاتحاد الأوروبي في حماية بنوكها إذ تواصلت مع نظيرتها الإيرانية للتفلّت من نير العقوبات الأميركية.

لم يقتصر الوضع عند هذا الحدّ. جرت محاولات باءت بالفشل مع القطاع المصرفي الإيراني للتوقيع على بعض الإصلاحات المصرفية من ضمنها تسليم الداتا ورفع السرية، وغيرها تمهيداً لوضع القطاع تحت الوصاية الأميركية.

وعليه، فإنّ الأكيد أنّ إيران حصلت فقط على مبلغ الـ 400 مليون دولار، تسلّمته من الولايات المتحدة ويتعلق بطلب إيراني في ملف المشتريات العسكرية الإيرانية قبل الثورة الإسلامية ولا علاقة له بالمفاوضات النووية.

وقفت حواجز كثيرة أمام تطبيق الالتزام. لم يتراجع الكونغرس ووزارة الخزانة الأميركية تقنياً عن تدابير اتخذاها. على سبيل المثال لا الحصر منع استيراد الفستق والسجاد الإيرانيين.

بقي تأثير اللوبي «الإسرائيلي» والخليجي مهيمناً. حاولت واشنطن خلال المفاوضات ربط الاتفاق بحل أزمات المنطقة. كان الرفض الإيراني قاطعاً. أصرّ السيد الخامنئي على عدم وضع الملفات الإقليمية الموجودة على خط تماس أميركي إيراني على الطاولة مع الغربيين. تعيد الإدارة الأميركية في آخر أيامها المحاولة من جديد بربطها حلّ هذه الأزمات بتنفيذ الاتفاق، من دون أن يتبدل الموقف حتى اللحظة في بلاد فارس.

لا تسليف مجاني لإدارة راحلة في تشرين الثاني. لن يتخطى أيّ رئيس أميركي الاتفاق النووي. فهو موقع مع الدول الـ 5 +1. وفق المطلعين على الأجواء الإيرانية، فالمرشح الجمهوري دونالد ترامب أكثر تشدّداً حياله. سيزيد من تعطيل تنفيذه من دون أن يلغيه، بغضّ النظر عن القاسم المشترك مع الملياردير المتمثل بمحاربة الإرهاب. أما المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون فهي أكثر عقلانية تجاه الاتفاق النووي، رغم أنها ستعمل على المزيد من التدخلات السياسية والعسكرية في المنطقة لإرضاء اللوبيات، باعتبار أنّ سياسة الرئيس باراك أوباما ثبت فشلها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى