مهرجان «صدد العراقة» السابع… إرادة الحياة تقهر الصعاب كلّها

سعد الله الخليل ـ كاتيا موّاس

بعد توقّف دام خمس سنوات فرضته ظروف الحرب على سورية، عاد مهرجان «صدد العراقة» لإحياء أنشطته المعتادة الثقافية والفنية والرياضية والاجتماعية، لينقل رسالة الإرادة والصمود في وجه الصعاب والمِحن.

صدد التي عاشت أيام المهرجان الخمسة حالة تفاعلية بين الأهالي والمنظّمين والضيوف، مرّت بأيام عصيبة في التوقيت نفسه من السنة الماضية، حين وصل تنظيم «داعش» الإرهابي إلى تخوم البلدة، عقب مبايعة مسلّحي بلدة القريتين التنظيم الإرهابي. يومذاك، تمسك الأهالي بأرضهم رغم ما أشيع من أنباء عن نزوح الأهالي عن القرية.

برعاية وزارة الثقافة السورية، وبالتعاون مع بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، و«بصمة شباب صدد»، افتُتح المهرجان بنسخته السابعة حيث سبقت الافتتاح الرسمي عروض كشفية لفِرق «مار أفرام» في صدد وحمص وقرى المنطقة الكشفية، وخلال الافتتاح أكّد المطران متّى الخوري النائب البطريركي لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس على الدور الذي لعبه أهالي محافظة حمص ومن بينهم أبناء صدد في استعادة الحياة إلى ربوعها. داعياً الشباب السوريين إلى العزوف عن الهجرة عن الوطن لأن البلد يستحقّ أن يبقى عامراً بشبابه الذين سيظلّون يقدّمون في سبيل عزّته وحضارته العريقة.

بدوره، شدّد ميار البطش من «بصمة شباب صدد» على دور شباب البصمة في إعادة إحياء هذا المهرجان الذي تميّزت به بلدة صدد خلال السنوات السابقة، والذي طبعها بطابع جميل، وحفل بعدد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والفنية التي كانت ولا تزال تجسد عراقة.

ولفت جان ضاحي من إدارة البصمة في حديث إلى «البناء»، إلى حقّ أبناء البلدة من الشباب والذين تمسّكوا بالبقاء في الوطن بالفرح، وأن يستمتعوا بأوقاتهم في بلدتهم وأن يعبّروا عن انتمائهم إلى هذه الأرض التي آمنوا بالبقاء عليها.

واعتبر ضاحي أن تنظيم الشباب للمهرجان خير رسالة بأن الشباب السوري ما زال متمسّكاً بوطنه وأرضه رغم محاولات الإرهاب كسر إرادتهم. وأضاف: في الصيف الماضي كانت مهمتنا محصورةً بطمأنة الأهالي ورفع معنوياتهم، واليوم نفرح معاً بانتصار إرادة الحياة على الموت.

وعلى هامش افتتاح المهرجان، التقت «البناء» المهندس سليمان خليل رئيس بلدية صدد الذي رأى أنّ عودة المهرجان بداية الانطلاقة لهذه البلدة نحو الحياة، ورمز لبدء عملية إعادة إعمار سورية. وأضاف: رغم الأزمة التي تمرّ على سورية، ورغم ما مرت به صدد من دخول المسلّحين عام 2013 ووقوف «داعش» على تخومها 2015، أطلقت مهرجانها التي توقّفت مدة خمس سنوات، لتبعث برسالة مهمة لأعدائنا التكفيرين، أنه بفضل شبابنا وجيشنا الباسل انتصرنا، وأن شعبنا يريد أن يعيش حياته على أرضه.

ولفت إلى أنّ الهجرة ليست ظاهرة متفشّية في صدد رغم ما شهدته الفترة الأخيرة من هجرة، لكن الشباب الباقين دافعوا وصمدوا واليوم يبنونها ويتابعون مسيرة حياتهم.

رسالة سلام

خلال المهرجان، نظّمت «بصمة شباب صدد» أكبر لوحة مصنوعة من الحجر الصحراوي في العالم، تجسّد حمامة السلام كرسالة محبّة من صدد إلى العالم، من المكان الذي شهد انفجار سيارة مفخّخة عام 2013 عند دخول الجماعات المسلّحة إلى القرية من منطقة الحزام الغربي. وعن اللوحة يقول سعدو الخليل الذي أشرف على تنفيذ اللوحة: استمر العمل خمسة أيام متواصلة، وتبلغ أبعادها 40 20 متراً، وتواصلنا مع مجموعة «غينيس» لإدراج اللوحة في سجلّاتها، ورفضت إرسال لجنة إلى صدد بحجة الواقع الأمني الذي مرّ على القرية.

وخلال المهرجان، دُشّنت مدرسة الشهيد جورج إليان أوّل شهداء القرية، والذي استشهد في الأيام الأولى للأحداث في سورية.

زخم ثقافي

على مدى خمسة أيام، تنوّعت الفعاليات. وكانت للثقافة حصة الأسد حيث شهدت القرية ماراثون قراءة للأطفال، وحملة جمع كتب ثقافية ودراسية، وفعاليات رسم على جداران مدارس البلدة، وسلسلة محاضرات ومعارض فنية.

والتقت «البناء» معاون وزير الثقافة بسام أبو غنام، وقال في تصريحه: رغم الحرب الضروس التي تعترض البلاد، ما زالت سورية تشهد نشاطاً ثقافياً يؤكد أنها مهد الثقافة، وأن سورية ما زالت تقدّم الحضارة للعالم أجمع. وأكبر دليل مهرجان صدد لنؤكّد للعالم أننا لسنا هواة قتل وتدمير، كما قالها الرئيس الراحل حافظ الأسد، بل دعاة سلام ومحبّة. لافتاً إلى أنّ الوزارة تسعى إلى نشر الثقافة ليستفيد الشعب منها بعيداً عن الطرح النخبوي.

وقدّم الباحث نزيه بدور شرحاً عن فنّ العمارة في تدمر، ولفت في تصريح إلى «البناء»، إلى الخطأ الشائع بأنّ تدمر وما تتضمّنه من مسرح وقنوات وحجارة رومانية المنشأ، وهذا مخالف للواقع، وبوجود فترة حكم روماني بعد العصر الهلنستي، ليس من الضرورة أن تكون الفنون رومانية، ولكن الحقيقة أن مدينة تدمر مدينة عالمية ومركز للتجارة تأثرت بالفنون الغربية، ولكن البصمة السورية موجودة وهي أصل الجذور السورية للحضارة التدمرية. فسورية إيبلا من القرن الثالث قبل الميلاد وأوغاريت قبل الثاني قبل الميلاد وبابل أيضاً، وهي حضارات مقدّمات لظهور الحضارة التدمرية في القرون الثلاثة. موضحاً أن الجنود الرومان عندما جاؤوا على خيولهم لم يقدّموا حضارة وقنوات للسوريين، فالبصمة السورية في الثقافة التدمرية واضحة وهي ليست عمارة رومانية بل عمارة سورية.

بدوره، لفت الفنان التشكيلي محمود ظاهر إلى اندفاع أهالي البلدة للتفاعل مع المهرجان. وهو ما استوقفه في معرضه الذي تضمّن عدداً من اللوحات ركّزت على الحبّ كفكرة أساسية تتجسّد بمعاناة المرأة رمز الحبّ. وأضاف: ما قدّمته في لوحاتي في المعرض يقارب ما تعيشه المرأة في علاقة الإرهاب والمرأة. فهي تاريخياً بحالة اضطهاد، وقد تناولتها في لوحاتي برمزيتها المقدّسة ورسمتها في حالتها القدسية وهي تتكلّم عن الحبّ، تحارب الإرهاب، وعندما تتحدّث عن الحبّ تؤسّس لحالة جميلة.

حضور الطفل

لم يقتصر حضور الطفل في المهرجان على ماراثون القراءة، بل خُصّصت أوقات لأنشطة الأطفال تضمّنت مسرحاً وألعاباً وأنشطة دعم نفسيّ، وعرضاً لمواهب أبناء صدد، وفعاليات تصوير ضوئي ورسم وأفلام قصيرة، إضافة إلى محاضرة عن ذوي الاحتياجات الإضافية قدّمتها الناشطة في مجال حقوق الطفل والإعاقة مي أبو غزالة، التي قالت لـ«البناء» إن الإعاقة يجب أن تقبلها الأسرة ويتفهّمها المجتمع إلى حدّ ما، ليدعمها ويتقبّلها. ولفتت إلى تطوّر الوعي لتقبل المعوّقين في مجتمعنا. وتابعت: ما يريد تحقيقه صاحب الإعاقة أن تكون البيئة التي يعيش فيها تساعده في الدمج، وأن تكون البنية التحتية للبيئة تقبل بوضعه كمعاق، هنا يُقبل بالاندماج من دون أن يتحدّى ظروف الحياة.

تضمّنت فعاليات المهرجان حفلات فنية، حيث أحيت فرقة «أهل الطرف» من حلب حفل الافتتاح، والذي استمرّ حتى ساعات الفجر الأولى، قُدّمت خلاله مجموعة من القدود والأغاني الحلبية والأغاني الوطنية. فيما أحيت فرقة «جمعية الزجل» أمسية زجلية امتازت بالحضور اللافت والتفاعل مع القصائد والصوَر الشعرية. وعن علاقة فنّ الزجل بالجمهور قال الشاعر مراوان البحري رئيس جمعية «الزجل في سورية»: الزجل هو الفنّ الأقرب إلى قلوب الناس لقدرته على نقل الأحاسيس وترجمتها بالكلام. فالقصيدة تنقل مواجع الناس ومشاعرهم وهمومهم، وثمّة قضايا كثيرة خلّدتها القصائد التي باتت أساساً من التراث الثقافي. ولفت البحري إلى مكانة الزجل وحضوره في ذاكرة الجمهور رغم غيابه عن المنابر الإعلامية. كما لفت إلى ما يمتاز به شعراء الزجل من سرعة البديهة والاجتهاد الشخصي والثقافة العالية.

وشهد المهرجان حفل المغتربين الذي أحياه الفنان المغترب ريمون معماري الذي قدّم مجموعة من الأغاني تحثّ المغتربين على العودة والبقاء في الوطن.

واختتمت فرقة «هارموني» المؤلّفة من طلّاب جامعيين من أبناء البلدة، فعاليات المهرجان، ولفت رند سكر أحد مؤسّسي الفِرقة إلى تفرّد الفرقة بتقديم الفنّ الطربيّ الشرقيّ بهدف الارتقاء بالذائقة الفنية عند الشباب. وقدّمت ضمن برنامجها مجموعة من أعمال الفنانين: كاظم الساهر، أسمهان، ملحم بركات، وماجدة الرومي.

وتضمّن المهرجان حملة صحّية بيئية بعنوان «صدد بلا تدخين»، دعت الملصقات في شوارع البلدة إلى الإقلاع عن التدخين، إضافة إلى يوم طبّي في مشفى البلدة تضمّن عيادات مجانية واستشارات لأطباء البلدة من المقيمين والمنتشرين في المدن السورية وبلاد الاغتراب، وهو ما وصفته الدكتورة سعاد شالوحة بالظاهرة الصحّية التي تعبّر عن انتماء أطباء البلدة إلى بلدتهم. كما استضاف ملعب صدد مباراة في كرة القدم بين فريقَي «الوثبة» و«صدد»، انتهت بفوز «الوثبة» بهدف دون مقابل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى